لماذا وإلى أين ؟

الحوار الاجتماعي والرهانات المتضاربة

الحسين اليماني*

بناء على التصريحات النقابية، من بعد اللقاء الأول للحوار الاجتماعي ، يبدو بأن هناك المفرطون في التفاؤل والممجدون لسياسة الحكومة (نظرا لطبيعة العلاقة التي تجمع الحكومة مع هذه النقابات)، وهناك من يلح على التنفيذ الكامل للالتزامات السابقة والعمل بالتفاوض الجدي حول الإصلاحات الاجتماعية وحول ترميم القدرة الشرائية المهشمة بفعل التضخم والأسعار الملتهبة المحروقات وغيرها بدون حسيب ولا رقيب.

ومن حيث الرهانات، فالحكومة تعمل جاهدة من خلال أغلبيتها في البرلمان ومن خلال اختراقها للحركة النقابية، من أجل:

1_ تجميد الأجور والتدرع بالوضعية الاقتصادية الصعبة وبعدم قدرة المقاولة على تحمل مصاريف اضافية

2_ إصلاح التقاعد على حساب الحقوق المكتسبة للأجراء ومحاولة مسح التاريخ الاسود للتدبير الأحادي لصناديق التقاعد والافراط في الوصاية عليها

3_ تمرير القانون التنظيمي للإضراب بغاية تكبيل هذا الحق الدستوري والقضاء على ما تبقى من نفحات الحريات النقابية وتنفير ما تبقى من الأجراء من النقابات المناضلة والمكافحة

4_ مراجعة مدونة الشغل في اتجاه الاقرار للمزيد من المرونة ورفع القيود عن التسريح الفردي والجماعي للعمال.

وفي مقابل هذه الرهانات الحكومية، تسعى الحركة النقابية المناضلة (المستقلة عن احزاب الحكومة وعن الباطرونا) ومعها عموم الموظفين في القطاع العام والعمال في القطاع الخاص، الى:

1/ الزيادة في الأجور والتعويض عن ضرر الغلاء وحذف الدعم وخوصصة المرفق العمومي

2/ تحسين المعاشات واستدامتها مع اشراك العمال عبر ممثليهم في التسيير الفعلي وليس الشكلي لصناديق التقاعد وحمل المتملصين على أداء الاشتراكات في التقاعد ومنهم الدولة بصفتها مشغلا

3/ حماية الحق في الانتساب النقابي وتجريم فعل ضرب الحريات النقابية وترهيب العمال من التنظيم والانخراط في النقابة، والحرص على التطبيق السليم للقوانين الشغلية (المصدر الاول في أسباب اللجوء للإضراب) وصياغة قانون الاضراب في إطار توافقي وعدم تقييد ممارسته باي شكل من الأشكال (الحد من الاضرابات يمر عبر احترام حقوق العمال وعبر التفاوض وحماية الحريات النقابية داخل المقاولات)

4/ استكمال تنفيذ كل البنود المعلقة في مدونة الشغل قبل التفكير في مراجعتها والتصدي لكل أشكال العمل المخالفة للقانون والاتجار في البشر وقوة عمله، واجبار المشغلين على احترام الحدود الدنيا للقانون في الأجور والتغطية الاجتماعية وشروط السلامة وحفظ الصحة…

إنها رهانات متناقضة، بين الحكومة والباطرونا من جهة وبين النقابات المناضلة، التي تسعى لحماية وتحسين مكاسب الطبقة العاملة ، في ظل ميزان قوى مختل، حيث تسيطر أحزاب المال على البرلمان وعلى الحكومة وعلى النقابات الحكومية ، في حين لم يبقى للطبقة العاملة سوى الرهان على صمودها ووحدتها وعلى إصرارها على مجابهة السياسة الحكومية المعادية لحق العمال في العيش الكريم…ولعل اليوم الاول يظهر من صباحه، كما يقول المغاربة…فتزامنا مع انطلاق الحوار الاجتماعي ، تقرر الحكومة الزيادة في البوطاغاز مع حذف الدعم والتحضير لتحرير الأسعار ، وهو الإجراء الذي لن تقل تكلفته على زيادة مباشرة وغير مباشرة في النفقات الشهرية للأسر المغربية بقيمة 600 درهم في المتوسط ، فهل تعي الحكومة ما هي ماضية فيه من إجراءات مفقرة للفقراء ومغنية للاغنياء؟ وهل تقبل الحكومة على الأقل ، الزيادة في الأجور ولو بالحد الادنى من الضرر المترتب عن تحرير أسعار المحروقات من طرف حكومة بنكيران والشروع اليوم في تحرير أسعار البوطا من طرف حكومة أخنوش، في انتظار أن ياتي الدور على الكهرباء والماء والدقيق والسكر…
المحمدية، 30 مارس 2024

* الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل بالمحمدية

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

1 2 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

2 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
خالد فضيل
المعلق(ة)
31 مارس 2024 19:56

سيكون من الأفضل توضيح معنى ” النقابات المناضلة ” ، فالكثير من المهتمين و المعنيين بالحركة النقابية المغربية يعتبرون أن النقابات المسمات أكثر تمثيلية قد تخلت عن أصول النضال النقابي الحازم …
على أية حال أتمنى أن يفتح نقاش حقيقي حول أزمة الحركة النقابية خاصة في مرحلة الحديث عن مشروع الدولة الاجتماعية.

بوجمعة
المعلق(ة)
31 مارس 2024 00:14

الحوار الاجتماعي في قالب اطاره السياسي الحالي المختل والذي يكبله طموح البحث عن الفرص التي تخدم أساسا “فاعلي القرب” في عالم المال والأعمال ، أرى أنه لن يحمل هما لوضع الروابط والتوازنات الكبرى في سيرورتها الطبيعية . وهذا راجع إلى الهوة بين متغير الطلب والقدرة الشرائية الحقيقية الحالية لدى الاجراء مع تكاليف المعيشة المرتفعة يطبعها من جهة خلل كبير…( الاجير والمتقاعد ومعظم الفئات الاجتماعية الذين اثقلوا بالديون في النموذج الاقتصادي الحالي لن يكونوا بامكانهم مسايرة تطور المؤشرات الاقتصادية مستقبلا ،…)
ومن جهة أخرى ، لوجود خطط يطبعها مزيدا من التحرير لوظائف :
1- ألادوار الأجتماعية التوازنية الهامة التي تقوم بها منذ قرنين النقابات ان وجدت أصلا حتى يستفيذ الرأسمال أكثر في العملية .
2- تحرير الأدوار الاجتماعية والمكاسب الحقوقية التي تمنحها صناديق التقاعد التي ستعرف تقلصا في وظائفها لأن مستوى المعاش سيتراجع كما وحجما…
3- القيود الواقية والواردة بمدونة الشغل والتي تعطي للأجير فرص التعبير عن الضرر وعن كل ماتنتجه آلة العمل والتوظيف بالمصانع من استغلال وظلم والعبث بالأجر…

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

2
0
أضف تعليقكx
()
x