لماذا وإلى أين ؟

زهرة حسني.. معاناة الحمل والولادة وسط مخاوف الاعتقال (2)

معتقلات بلا أحكام..، سلسلة يتم تسليط الضوء من خلالها على الظروف التي عايشتها عائلات المعتقلين والمتابعين في فترة ما سمي بـ “سنوات الرصاص” التي شهدها المغرب،

وفيما يلي تكملة للحوار الذي الذي تحكي من خلاله زهرة حسني مسار رحلتها إبان اعتقال زوجها في تلك الفترة:

– كيف تعاملت عائلتك مع قرارك؟

بالنسبة لعائلتي، فقد تفاجأت صراحة بموقفهم الإيجابي جدا رجالا ونساء، خاصة في أعماق دواوير بني هلال في دكالة حيث كانت النساء الفلاحات في قبيلتي يتهامسن “زهرة بنتنا دخلت السياسة ضد المخزن “ولم يبخلوا علي بالدعم المادي والمعنوي عبر القنوات الضيقة التي فتحتها للاتصال بهم. ومن باب النكتة كان الأطفال أبناء اعمامي الكثر “يسمونني ياسر عرفات”.

اما بالنسبة لأمي فان الأسئلة التي كانت تحرجها كثيرا حسب ما حكت لي “واش دارت العقد ولالا؟” يعني عقد الزواج، هذا العقد المصيبة الذي لم أوثقه إلا بعد العفو العام سنة 1994.

– ما الظروف التي قاسيت منها بعد ارتباطك بأجرار؟

كانت ظروف السرية صعبة جدا، وكنت خائفة طوال الوقت  من انكشاف أمرنا أو صلتنا بتنظيم “إلى الأمام”، فبعد قرار ارتباطي بمحمد أجرار انتميت كذلك للمنظمة، وكنا ننتقل من بيت لآخر طيلة عقد من الزمن، ولا نستقر في مكان ما أكثر من سنة، وكان كلما أحسسنا بوجود شكوك ما لدى الجيران حولنا أو حول طبيعة علاقتنا، نغير الحي على الفور منتقلين لحي إضافة لإكراهات العمل، فكما أخبرتك اضطررت لمغادرة عملي، والعمل كعاملة في معامل النسيج بالحي المحمدي وعين السبع وعين برجة، وهناك اكتشفت عالم آخر تعرفت فيه على عاملات من كل مناطق المغرب، وربطت مع بعضهن علاقات إنسانية ونضالية متقدمة لازالت مستمرة الى الآن…

أصعب فترة كانت ولا يمكن نسيانها وتجاوزها لحد الآن هي ظروف الولادة الصعبة جدا التي اضطرتني لزيارة الطبيب باستمرار، خاصة في الفترات الأخيرة للحمل، وكنت أمد الطبيب باسم مزور حفاظا على سلامتي وسلامة رفيقي، فلك أن تتخيل معاناة امرأة حامل منتمية لتنظيم سري أغلب قادته في السجن، ومرتبطة بشخص متابع غيابيا..، وما زاد الأمر صعوبة لما أخبرني الطبيب بضرورة مكوثي بالمستشفى خلال الأيام الأخيرة للحمل والأيام الأولى بعده، وهو ما قمت به وسط خوف شديد ومعاناة نفسية صعبة، فكنت أربط طفلي الرضيع بحبل معي حتى لا يتم خطفه أو شيء من هذا القبيل، إذ لا اعرف ماذا أقول للشرطة وكيف أبحث عنه وأنا التي دخلت المستشفى باسم مزور، وكانت مصاريف المبيت داخل المستشفى تفرض قيودا مادية أيضا، ما اضطرنا للاقتراض من بعض الأصدقاء.

– كيف انتهى هذا الواقع وعدت للحياة الطبيعية؟

انتهى هذا الواقع الصعب بعد خروجنا من السرية عقب العفو الملكي لسنة 1994 على من تبقى من مناضلي “إلى الأمام” بالسجن، إذ كانت هناك شكوكا لدى قيادة المنظمة وبعض الإطارات الجماهيرية من اعتقالنا أنا ورفيقي أجرار بعد الخروج للعلنية، إذا باقي القيادة أطلق سراحها رسميا ولم تعد مطاردة، في حين لم يكن يُعرف تماما مصيرنا، فنحن لم نعتقل ولم يصدر في قحنا أي عفو، ولا شيء أسقط المتابعة عن رفيقي، الشيء الذي أدى بالمنظمة حينها لتنظيم استقبال علني جماهيري لنا بقرية “تيداس” كإشارة للسلطات، وهناك دخلنا القرية وسط وفد ضخم من مناضلي اليسار ومن قيادات الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، ولم يحدث لنا شيء.

وفي تلك الفترة أبرمنا أخيرا عقد الزواج بعد ما يقارب عشر سنوات من المعاناة، وكان الشهود فيه هم مناضلو مدينتي الرباط وسلا، وكان ابني الوحيد الذي ازداد في ظروف السرية القاسية في عمر 6 سنوات آنذاك.

بالنسبة لي شخصيا لم تكن لا ظروف العيش والعمل ولا التوجس الدائم من الاعتقال في اي لحظة هي الاكثر قساوة على نفسي، بل تجربة الحمل والولادة في تلك الظروف هي التي رسخت في وجداني نذوبا عميقة يصعب التخلص منها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x