لماذا وإلى أين ؟

العثماني والتهديد الخارجي للأسرة المغربية

كنت دائما أقول إن العطب الرئيسي في التيار العام الذي يهيمن في بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط هو النفور من النقد الذاتي والرغبة الملحة في إرجاع كل أسباب الأزمات الداخلية إلى أعداء خارجيين.

ويبدو أن هذا التيار في بلادنا لم يستفد شيئا من تاريخ المغرب الحديث، ففي نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين قامت قوى التقليد والجمود الفكري والمذهبي بعرقلة كل محاولات الإصلاح من الداخل، زاعمة أن الخطر كله آت من “الكفار” الذين كانوا يتربصون بالمغرب، والذين لا ينبغي تقليدهم في أي شيء، فرفضوا دخول المطبعة وتصدوا للسكك الحديدية وحرموا كل المخترعات التقنية، ولم يستفق هؤلاء من أوهامهم إلا بعد أن  صارت القبائل تحاصر العاصمة فاس وتطالب بخلع السلطان سنة 1912، فالمعضلة الحقيقية لم تكن في وجود أعداء خارجيين بالدرجة الأولى وإن كانوا موجودين بالفعل،  بل كان المشكل في انعدام المناعة الداخلية بسبب شيوع الظلم والتفكك والعنف الداخلي إضافة إلى التخلف الفكري، وهي كلها عوامل  جعلت المغرب في النهاية لقمة سائغة في يد الوصاية الأجنبية.

كان الفقهاء وزعماء الزوايا يرون عيوب جميع البشر ما عدا عيوبهم، بينما كانوا غارقين في سبات تخلف العصور الوسطى.

هذا الخطأ يكرره السيد سعد الدين العثماني ابن سوس العالمة، الذي خانه الحس الاجتهادي لأجداده السوسيين، وهو يرجع مشاكل الأسرة المغربية إلى النموذج الغربي للأسرة الذي “يقلده الحداثيون” المغاربة.

وحتى لا تتشعب بنا السبل، ندعو السيد العثماني – الذي كان رئيس حكومة بدوره مثل أخيه بنكيران – إلى التأمل في عيوبنا قبل الحديث عن عيوب الغير، عله يهتدي إلى الحكمة من مراجعة مدونة الأسرة خارج نظرية المؤامرة:

– هل هو تقليد للعائلة الغربية أن نقوم بتزويج  طفلات في عمر الزهور ونحرمهن من الدراسة ؟ وهل المطالبة باحترام طفولتهن وتوفير المدارس ودور الطالبة لهن تقليد للغرب ؟

– هل حرمان المرأة من الولاية على أطفالها بسبب ما كان يعتقد من كونها ضعيفة العقل وعاطفية ولا خبرة لها بالأموال ولا يجوز لها الاختلاط بالرجال هي عيوب الغرب أم عيوب الفقه التراثي الذي ما زلتم تعتنقونه ؟

– هل مطالبة الدولة بأن تكون الولاية للحاضن هو تقليد للغرب ؟

–  هل المطالبة باعتماد التحليل المختبري  العلمي للحمض النووي لإثبات النسب مجرد تقليد للغرب أم اكتشاف عظيم لعصرنا لا يمكن تجاهله إلا من طرف من يعيش خارج التاريخ ؟

– هل هو تقليد للعائلة الغربية أن نعتبر بأن عمل المرأة وجهودها وكفاءتها سواء داخل البيت أو خارجه تجعلها مساهمة في ثروة العائلة ولا يحق إلقاؤها في الشارع، كما هو شائع، بدون أي شيء يضمن لها شروط العيش الكريم ؟

ـ وهل من التقليد للعائلة الغربية أن نقوم بتشتيت الأسر وبعثرة مكوناتها بسبب تعدّد الزوجات السيء الذكر، الذي يهين المرأة ويضيع حقوق الأطفال ؟

– وهل هو تقليد للغرب أن نعتمد مصيبة  “التعصيب” التي تجعل الذكور الجشعين يتهافتون من كل درب وصوب لتوزيع ثروة الهالك وترك الفتات لبناته اللواتي عمل من أجلهن طوال حياته؟

– وهل هو تقليد للغرب أن نعتبر العنف الزوجي شرعيا لأنه “تأديب” للمرأة متى خاف الرجل من “نشوزها”، وأن نعتبر الاغتصاب الزوجي شرعيا لأن الفقه التراثي قال إن المرأة عند زوجها مثل الأمة التي عليها إشباع شهوته متى شاء وكيفما أراد ؟ هذه هي مآخذ الحداثيين وهناك غيرها كثير.

لماذا لا ننظر إلى عيوبنا قبل النظر إلى عيوب الغير، ولماذا لا نصلح بيتنا الداخلي قبل أن نرمي غيرنا بالحجارة ؟ وهل إذا بقينا نمارس العناد والممانعة ضد الدمقرطة والتطور بأن نقلب الحق باطلا والباطل حقا سنكون قد حققنا آمالنا في النهوض والخروج من التخلف ؟

كيف ننظر إلى عيوب الأسرة الغربية التي لها سياقها الخاص البعيد عنا، ونغمض أعيننا عن عيوب أسرتنا المغربية التي تتخبط في العنف والتمييز في السياق الوطني وأمام أعيننا؟

كنا نعتقد بأن تولي الإخوان المسلمين للشأن العام لبضع سنوات سيجعلهم أكثر عقلانية وواقعية واهتماما بالإنسان وكرامته عوض عبادة الموتى من فقهاء الماضي البعيد، لكن يبدو أن هدفهم في الأصل كان فقط الوصول إلى السلطة وليس إصلاح أحوال الناس، والدليل على ذلك أنهم اليوم يتنكرون لما صوتوا عليه في البرلمان من قبل، فقط بغرض المزايدة على الدولة وهم خارج مراكز القرار.

الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

7 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
احمد
المعلق(ة)
18 أبريل 2024 23:50

ما لم تخرج قضية الاسرة وكل القضايا التي تؤرق المجتمع من دائرة النقاش الاديولوجي والمساجلة السياسية، وتدخل نطاق العلم والدراسة السوسيولوجية المبنية على إحصائيات وارقام دقيقة كما تفعل الدول التي تحترم ذكاء مواطنيها. فسنبقى ننتج نقاشا عقيما ونقاشا ديماغوجيا لحشد الانصار للفرق المتناحرة من هذا الصنف اوذاك، وتوظيفهم في المعارك السياسية والانتخابية، لتحقيق اهذاف يتم التجييش لها على هامش قضايا المجتمع التي تضل بريئة من هؤولاء.

مريمرين
المعلق(ة)
18 أبريل 2024 23:49

يأبى لكع بن لكع إلا أن يصول و يجول بالتدليس على المغاربة متناسيا أن ملك البلاد وضع حدودا لإصلاح مدونة الأسرة ، حيث قال “.. بصفتي أمير المؤمنين فإنني لن أُحَرِّمَ ما أَحَلَّ اللّه ولن أُحِلَّ ما حَرَّمِ اللّه، لاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية” . هذا هو الإطار و السد المنيع أمام المنظمات الدولية (و خدامها)
التي ترمي إلى تفتيت الأسرة المغربية ومن تم
الإجهاز على البقية الباقية من الدين الإسلامي و بعدها لن تقوم قائمة للدولة-الأمة المغربية الضاربة في جذور التاريخ .

Chopin
المعلق(ة)
18 أبريل 2024 11:39

قبل الخوض في تضميد جراح الماضي و محاولة تجميل الحاضر بما تدعو ليه من تحرر فكري و عقاءدي ، وهو في الحقيقة ليس سوى تحرر نحو التخلف بمحاولاتك سلخ المغاربة عن عقيدتهم و تاريخهم الذي لا تعترف فيه سوى بتاريخ وعقيدة إلهك ياكوش…و الزج بهم نحو الحريات “البهيمية”…. كان الاحرى بك ايها المفكر عصيد ان تنظر و تأتي بحلول لفك طلاسيم عقدة و “عصيدة” التعليم الذي يزداد تأزما عام بعد عام ، في كل عام لا ينتج سوى جحافل من الاميين …فالتعليم هو الباب الواسع الذي يسع الجميع لبناء مجتمع حداثي و ديمقراطي يحترم الجميع ، و ويقدر الاختلاف و يعطي الفهم و معنى الحقيقي لحرياتك التي تنادي بها .

MRE 34
المعلق(ة)
18 أبريل 2024 10:41

Merci pour Achkayene qui éclaire notre ignorance ,par des postes de qualité intellectuelle comme celui de Monsieur si Ahmed 3assid c’est le Monde Arabo-Musulman. Le monde Arabo-Musulman
En Effet dont sa Majorité ils crachent sur Monde Occidental ,voire ils les Insultent , Par contre ils profitent de leur technologie et de leur Sciences, aussi de leur aides dans tous les domaine. Le monde Occidental ne sera jamais rattrapé il est bien installé en Maitre et Seigneur sur ses technologies et ses sciences en laissant les fanatiques religieux islamistes insulter et aboyer , ,

متتبع
المعلق(ة)
18 أبريل 2024 08:36

لايجد هذا الشخص(المأجور)،سوى انتقاد(أسياده)الداعين الى التشبت بكتاب الله وسنة نبيه (المصطفى)،عليه الصحة والسلام،واله وصحبه،والتابعين،،،
فالمقاربات التي ذكرها_صاحبنا_،ويدافع_من خلالها_على الغربيين،تغطي الوجه الحقيقي،لهذا الغرب _الغارق_في الحرام،والفاتح لابواب الرذيلة جميعا_ملبسا اياها،بالحرية،وحقوق الانسان،(احنا مالنا والغرب الاستعماري)_لهم دينهم ولنا ديننا،،،
ايها_الشخص_،فق من لائكيتك،التي تقلد من خلالها_الغربيين_،وتنبطح لهم،تتخذ واقع المرأة،ذريعة،لنفث _سمومك_نحو الدين الحنيف،الذي منح إنسانية كلها،الحقوق اللامتناهية،لايستطيع_غربك_،الاتيان بمثلها،،،
واذا لم تستحي،فاكتب ما شئت…

بوجمعة
المعلق(ة)
18 أبريل 2024 06:57

لأ أعتقد أن فلسفة هذا الشخص استوعبت مايكفي من المعرفة حول وظائف عقل الانسان الذي تفلسف حوله كبار الفلاسفة القدماء و….من وظائف العقل أنه حين يتفاعل مع المحيط بحثا عن الابتكار والتجديد يبدأ بانتاج أفكاره وينسج نظريات ومخيلات حسب مستوى القدرة التحليلية والنظرية المتوفرتين لديه ، ليقوم بعد ذلك بتجريبها خلال مدة زمنية قد تكون طويلة جدا بهدف الاستنباط والاستنتاج في نفس المختبر أي العقل المنتج والمختبر . إلا أن قيمة نتائج تجريب هذه الأفكار من أجل تسويق الاستنتاج والاستنباط غالبا ما يتم مراجعتها أو تطرح جدلا في المحيط ان لم نقل يتم محوها من طرف عقل بشري آخر لانها مجانبة للصواب ولأن المدة الزمنية المخصصة للتجريب أبانت عن اغفال اضافات أو مبادئ أو أسس عجز بقدفها هذا العقل… هذا يعني أن حجم ومستوى قدرة العقل البشري الذي اشتغل لإنتاج الأفكار كما خلقه الله عز وجل لا تساوي قياس مسافة التي نسجلها بين أرجل نملة . لذلك ينصح ألا نتطاول على أمور تفوق قدرة عقل البشر كما وضع فوق جسد الانسان والتفلسف في شأنها مع الاجتهاد عند الرغبة في تكييف أمور أخرى بالعلم والعلماء المتخصصين في المجال. كن رجلا ولا..

عبد الكريم
المعلق(ة)
18 أبريل 2024 00:43

الامر كله يتعلق بالمصلحة والاعتبارات الانتخابية
من يعمد للتعدد اكثر في المغرب اليس هم اصحاب اللحى
هل رأيتم اخوانيا اوسلفيا يتزوج ثانية تكبره عمرا
اسي العثماني الى سمح الله بالتعدد فإنه يلزم بغض البصر والصبر
لكن انت تعرف الشيوخ والرقاة

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

7
0
أضف تعليقكx
()
x