لماذا وإلى أين ؟

التوافقات القبلية.. تقتل الديمقراطية الحزبية أم تجنبها صراعات هامشية؟ (تحليل)

حدد حزب “الاستقلال” شخص أمينه العام الجديد المنبثق عن المؤتمر الوطني 18 المنعقد أيام 26 و27 و28 أبريل 2023، قبل انعقاد هذا المؤتمر بشهر ونصف، مجددا الثقة في أمينه العام السابق نزار البركة، بعد توافق تيارات الحزب المتصارعة حول هذا الاسم.

وغير بعيد عن الاستقلال، اتجه كذلك حزب “الأصالة والمعاصرة” الى صيغة التوافق لاختيار تنسيقية الأمناء العامين الثلاثية، فاطمة الزهراء المنصوري ومحمد المهدي بن سعيد وصلاح الدين أبو الغالي، لقيادة الحزب في الفترة المقبلة، وهي ذات الصيغة التي تلجأ لها جل الأحزاب السياسية المغربية في اختيار أمناءها العامين، بشكل يصبح معه كل أعضاء الحزب والرأي العام المتتبع والمهتم بالحياة السياسية والحزبية المغربية على معرفة بهوية الأمين العام المقبل حتى قبل انعقاد المؤتمر بأسابيع أو أيام.

إن صيغة التوافق التي صارت الملاذ الآمن للقادة الحزبيين المغاربة لاختيار القادة المقبلين، وإن كان تُجنب “بلوكاج” المؤتمر الوطني وخروجه عن السير العادي ودخوله في متاهات لا تُحمد عُقباها، فإنها في ذات الأمر تؤثر بشكل سلبي على تطور الحياة الحزبية المغربية، وتزيد من نزيف الديمقراطية الحزبية بالمغرب المأزومة أصلا.

فتوافق قادة التوجهات والتيارات داخل الحزب على الأسماء القيادية المُقبلة بشكل قبلي، يجعل المؤتمر الوطني الحزبي شكليا فقط، ما يعني عمليا تفريغ هذه المحطة الهامة من تاريخ الحزب السياسي من كافة مضامينها، وتحويلها لمجرد أداة تنظيمية لإعطاء الصبغة القانونية على ما هو معد ومُطبخ سلفا.

فالمؤتمر الوطني من اللحظات الديمقراطية النادرة التي يشارك فيها الجميع في تشكيل توجهات الحزب، حيث أنه الآلية الوحيدة التي تسمح لكل أعضاء الحزب كيف ما كانت مسؤولياتهم ومواقعهم داخل الحزب في التقرير والاقتراح والمشاركة في تحديد توجهات الحزب الرئيسية، وفي اختيار الأسماء القيادية المُقبلة، حيث بعد المؤتمر تصبح هذه القضايا حصرا على الأجهزة التنفيذية والتقريرية المُنبثقة عن المؤتمر.

ومن بين التجليات السلبية للتوافق الحزبي القبلي على الديمقراطية الحزبية هي أن المؤتمر الوطني ينعدم فيه النقاش بين تصورات مختلفة ومتعارضة وتحضر فيه الأسماء بدلها، ولا تقدم فيه أرضيات وبرامج سياسية متعددة تُطرح للتصويت من جهة، ومن جهة ثانية تبين مدى عجز النخب السياسية على تقديم برامج ورؤى داخلية متماسكة ويكون التصويت داخل مؤتمر كل حزب على أساسها، ومن تم اختيار القادة الجدد بناء على من أخذت أرضيته السياسية أكبر عدد من الأصوات وأقنعت أكبر قدر ممكن المؤتمرين.

إن تطوير العمل الديمقراطي المغربي يمر أساسا عبر تطوير العمل الحزبي المغربي، وهو ما يفرض بالضرورة التفكير بشكل جلي في كيفية القطع مع اللجوء المتكرر لصيغة التوافقات لما لها أثار سلبية كبيرة، وفي كيفية إعادة الاعتبار لمصطلح “المؤتمر الوطني” كأسمى هيئة تقريرية في تحديد والحسم في هوية وتموقعات الحزب السياسي مستقبلا، فلا يمكن تطوير العمل الحزبي المغربي دون إنقاذ “الديمقراطية الحزبية”.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

2 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
احمد
المعلق(ة)
6 مايو 2024 13:25

من اهم معوقات التطور الديمقراطي ومن اهمية تجليات العجز لذى الاحزاب والذي يؤتر بدوره على نشاط المؤسسة البرلمانية والاداء الحكومي هي التوافقات القبلية او البعدية حيت تغيب الرؤيا السياسية للاحزاب وللتيارات المتصارعة لفائدة والارضاءات بين الاشخاص والمجموعات والتي تؤدي الى توافقات هشة سرعان ما تتبخر عند ادنى طارئ يعصف بتلك المصالح المتوافق حولها، وهذا ما يؤتر على المصداقية السياسية ويؤدي الى التكلس والجمود ويصبح النفور من العمل السياسي وعدم الثقة في الاحزاب هي السمة الغالبة عند المواطن العادي.

حسن
المعلق(ة)
5 مايو 2024 12:36

ما ننتظره هو تعديل حكومي عاجل ينطلق من المتغيرات والأحداث الحزبية الاخيرة

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

2
0
أضف تعليقكx
()
x