لماذا وإلى أين ؟

أشهر قطاع الطرق في تاريخ المغرب

شهدت السلطنة المغربية خلال فترة ضعفها الشديد بين 1894 و1912 واحدة من أغرب الظواهر الاجتماعية، وهي “الصعلكة” و”قطع الطرق”.

وظهرت الصعلكة تزامنا مع الفترة التي كان فيها المغرب مقسما إلى “بلاد السيبة” و”بلاد المخزن”. وكانت المناطق التابعة لـ”بلاد السيبة” تعرف انتشارا كبيرا لقطاع الطرق واللصوص.

و”السيبة” تعني الانفلات الأمني وانتشار الفوضى.

وتاريخيا، امتدت مناطق “السيبة” على طول منطقة الريف وصولا إلى الجهة الشرقية، كما شملت سبتة وطنجة وتطوان، وهي مناطق كانت مأهولة بالأوروبيين.

ويصف عبد الله العروي في كتابه “الأصول الاجتماعية والثقافية للوطنية المغربية” الصعاليك بتلك الفئة التي “لا ملة ولا دين لهم”.

وليس شرطا أن يكون الصعاليك مجموعة صغيرة، ففي بعض الأحيان مارست قبائل بأكملها قطع الطرقات.

وفيما يلي أشهر قطاع الطرق في تاريخ المغرب:

محمد الدواس

يذكر العروي في كتابه، أن سكان قبيلة بني إيدر الواقعة قرب مدينة تطوان بدؤوا يمارسون نشاطاتهم كقطاع طرق في مطلع سنة 1902، حيث انتشروا بالأسواق الأسبوعية، واعترضوا سبيل المسافرين العابرين عبر ضواحي تطوان.

وبعد تزايد الشكايات ضدهم وتعرض عامل تطوان لهم، قرروا الانتقام باعتراض قافلة تاجر يهودي واحتجزوا أغلب مرافقيه ولم يطلقوا سراحهم حتى تدخل شريف مشهور آنذاك، يُدعي محمد البقالي.

تأزمت العلاقات مرة أخرى بين القبيلة و”المخزن”، فأصدر عامل تطوان أمرا بإحراق منازل قبيلة بني إيدر، ما أشعل حربا بين الطرفين امتدت من ماي 1903 إلى حدود مارس 1904.

ستظهر خلال هذه المواجهات العنيفة شخصية محمد الدواس، الذي استغل افتقار قبيلة بني إيدر لزعيم فأخذ بزمام الأمور لمناكفة السلطة المركزية.

وعرف محمد الدواس بشدته وشعبيته بين قطاع الطرق، إذ أسر الصحافي الإنجليزي، والتر هاريس، وكان مراسلا لصحيفة ذا تايمز من المغرب. ولم يطلق سراحه حتى أطلق المخزن سراح مجموعة من السجناء الصعاليك، الذين كانوا ينتمون لقبيلة بني إيدر.

بعد انتهاء الحرب بين الطرفين، عين السلطان المغربي الدواس قائدا لقبائل أنجرة ، وهي القبائل التي تسكن بالمناطق الجبلية لجبال الريف.

وبالإضافة إلى قطع الطرق واللصوصية، كان معظم هدف معظم الصعاليك هو الوصول إلى الزعامة القبلية أو حتى السلطة المركزية.

ويعتبر محمد الدواس واحدا من صعاليك عدة استغلوا عدم استقرار الدولة وانتشار الفوضى للتعرض للقوافل والمسافرين ومرتدي الأسواق الشعبية وسرقتهم واحتجاز الأسرى الأوروبيين – خاصة الإسبان – ومقايضتهم بمبالغ مالية باهظة.

وبعد أن يحصلوا على شعبية واسعة واحترام القبائل يضطر المخزن لتوظيفهم وضمهم لجانبه، لأن ذلك أسهل بكثير من مواجهتهم. وهكذا كان يصل أغلب قطاع الطرق والصعاليك إلى السلطة.

أحمد الريسوني

اكتسب أحمد الريسوني – واسمه الكامل هو مولاي أحمد بن محمد الريسوني – شهرته كصعلوك بدءا بسرقة الماشية، ثم لاحقا باستخدام نفس أساليب النهب والسرقة والاعتداء التي استخدمها قطاع الطرق قبله.

وحسب ما جاء في كتاب عبد الله العروي، فالريسوني على غير باقي الصعاليك ينحدر من “نسب شريف صحيح يُقرِّبه من القائمين على زاوية ذائعة الصيت، وهي الزاوية الريسونية بتطوان”.

وقد فسر والتر هاريس في كتابه “Morocco That Was” انتقال الريسوني من عائلة أرستقراطية محترمة إلى قاطع طريق بأنه نتيجة تربيته، فقد رغب في “التحول عن دروب الفضيلة، والدين والقانون إلى المغامرة والربح السريع”.

وأضاف “وفي المغرب لا يُحتقر بأي حال من الأحوال سارق الماشية، لأنه عمل محفوف بالمخاطر ويتطلب الشجاعة”.

ووصف والتر هاريس الريسوني بأنه “كان يتمتع ببنية جسدية قوية. كان هو وأتباعه يكسبون المال بسرعة وينفقونه بشكل أسرع (…) وكان جد قاس، ومهنته منحته مجالا غير محدود لإظهار قسوته”.

ويحكي هاريس في كتابه عن قصة “قتل بشعة” ارتكبها الريسوني ضد صهره، فقد اشتكت أخته من زوجها الذي رغب في التعدد الزوجي. “انتظر الريسوني حتى ليلة الزفاف ليقتحم وعصابته الحفل ويقتلوا العروس وأمها”، يقول هاريس.

لاحقا، بدأت شهرة الريسوني وسمعته السيئة تنتشر في كافة أنحاء المغرب، وأصبحت جرائمه مهينة للمخزن، فأمر السلطان باعتقاله وإرساله إلى سجن موغادور (الصويرة حاليا).

بعد وفاة السلطان، تدخل صديق عائلة الريسوني، محمد الطريس، للإفراج عنه.

مباشرة بعد إطلاق سراحه، استأنف الريسوني نشاطه كصعلوك وأصبح يشكل مصدر مشاكل دائمة للمخزن بسبب استهدافه للشخصيات الأجنبية.

أطلق المخزن حملة جديدة لإخضاعه في يونيو 1903. ورغم نجاح السلطة المركزية في اعتقال عدد من أفراد عصابته، إلا أن الريسوني فرّ إلى زينات، وهي منطقة جبلية وعرة.

ولاسترداد رفاقه، لجأ الريسوني إلى الخطف والأسر، فخطف الصحافي والتر هاريس ومواطنا أميركيا يدعى “إيون بيركادريس”، ولم يطلق سراحهما إلا بعد أن تدخل الرئيس الأميركي، تيودور روزفلت، وأرسل إنذارا للسلطان.

استجابة للضغط الأميركي، لم يكن أمام السلطان سوى الخضوع لمطالب الريسوني.

ومقابل الإفراج عن الأسيرين، طلب الريسوني أن يتم تعيينه قائدا على قبائل الفحص، وهو ما استجاب له السلطان.

تحولت قصة الريسوني إلى فيلم سينمائي The Wind and the Lion في سنة 1975.

بوحمارة

الجيلالي الزرهوني الملقب بـ”بوحمارة” هو أشهر الصعاليك المغاربة الطامحين للحكم.

فقد استطاع أن يهدد العرش العلوي مستخدما الحيلة والدهاء السياسي والعصبة القبلية للوصول إلى السلطة.

يذكر العروي في كتابه أن بوحمارة كان قد عمل في بداياته “مهندسا لدى مولاي عمر أخ الحسن الأول ونائبه على إقليم فاس”، قبل أن يتم تجريده من مهامه وسجنه.

بعد خروجه من السجن، غادر الزرهوني فاس إلى الجزائر ورجع إلى مدينة تازة على ظهر أتان، فبدأ ينتحل شخصية مولاي محمد، شقيق السلطان.

وبما أنه عمل قبلا في القصر وخالط الأسرة الحاكمة، فقد كانت تصرفاته وطريقة كلامه مقنعة.

وفي العام 1902، أعلن بوحمارة – وعمره آنذاك 40 عامًا – نفسه سلطانا على المغرب.

نجحت حيلته، فجمع حوله آلاف الأتباع وحكم تازة والمناطق المحيطة بها.

ذاع صيت بوحمارة في المناطق المحاذية لتازة حتى أصبحت الصلاة تقام باسمه، كما أن القبائل المجاورة أرسلت له رجالا لتكوين جيش لمملكته.

وقد استخدم بوحمارة هؤلاء الرجال لإخضاع مدينة فاس (مقر السلطان)، وكان على وشك دخولها.

فشل بوحمارة في غزو فاس، وفي العام 1903 فقد معقله في منطقة تازة.

توالت المناوشات بين بوحمارة والمخزن لمدة طويلة بعد ذلك، خاصة وأنه نجح في استقطاب دعم عدد من الأطراف القوية، كما استغل كره بعض القبائل للسلطة المركزية في فاس.

في الأخير، ألقي عليه القبض وظل محتجزا في قفص صغير إلى أن أُعدم، بحسب بعض الروايات.

وتتضارب القصص حول طريقة إعدامه، لكن الأكثر شيوعا هو أن السلطة ألقت به إلى الأسود في حديقة حيوان السلطان، ثم أطلق عليه الرصاص، وأحرقت جثته فيما بعد.

عن أصوات مغاربية

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

3.7 3 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

4 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
متتبع
المعلق(ة)
30 أبريل 2024 19:12

عنوان المقال،لاينطبق على محتواه_فهو ناقص،_كما أن القول بتاريخ المغرب(فهو طويل وعريض،منذ إدارية الى اليوم)،وهذا يجعلنا القول بأن عدد اللصوص،و”الزطاطة”،أغلبهم كانوا يسيطرون على مناطق بأكملها،أمام ضعف السلطة المركزية(تراجع سلطة المخزن)،وقد استغل استعمار هذه الوضعية التي ابتسمت بالفوضى،او “السيبة”،
كما أن غالبية المدن انذاك،كانت تحت رحمة،هؤلاء “اللصوص”و”البلطجية”،مستغلين فقر وهشاشة وبساطة غالبية المغاربة انذاك،
لم يتطرق المؤرخون المغاربة ،لهذه المعضلة،فقد غلب على سرد وكتابة تاريخ المغرب”التاريخ الاداري”،في غياب شبه تام للتاريخ الاجتماعي.

احمد
المعلق(ة)
1 مايو 2024 14:01

التاريخ الذي لم نقرأ في المدارس.

محمد
المعلق(ة)
1 مايو 2024 20:13

اختيار الصورة غير موفق لأنها تعبر عن استقبال رسمي بمدينة تارودانت في النصف الأول من القرن العشرين أمام سور القصبة بساحة البارود حيث يحتشد أهل المدينة وأحوازها للتعبير عن فرحتهم

حسن
المعلق(ة)
1 مايو 2024 11:13

زوينة هادي ديال احمد الريسوني

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

4
0
أضف تعليقكx
()
x