لماذا وإلى أين ؟

“صايتي حريتي” و “المواعدة العمياء” بين قضاء الشارع و قضاء الفايسبوك

يوم 13 يونيو 2015، أوقفت السلطات الأمنية وسط سوق “الثلاثاء” بمدينة انزكان، فتاتين، قبل أن تقرر النيابة العامة متابعتهما بتهمة الإخلال العلني بالحياء العام، وفق مقتضيات المادة 483 من القانون الجنائي.

توقيف الفتاتين المدعوتين سمية وسهام، جاء إثر تجمهر عدد من رواد وتجار السوق المذكور، حولهما، ومحاولة البعض شرع اليد فيهما، قبل أن يحتمي بأحد المحلات التجارية، وذلك بسبب لباسهما الذي قيل “إنه مخل بالحياء العام ومستفز لمشاعر الهائجين عليهما”، وهو عبارة عن تنورة.

وبعد حوالي 9 سنوات، وبالضبط في 13 أبريل 2024 طفت قضية أخرى لمتابعة فتاة بشبهة “المساس بالأخلاق العامة والتحريض على الإخلال العلني بالحياء “، وذلك حينما أعلنت مصالح الامن أن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية دخلت على خط التحقيق في شريط فيديو متداول تظهر فيه فتاة بتنورة قصيرة، أثارت هياجا واسعا بمنصات التواصل الاجتماعي.

على إثر هذا التحقيق أصدرت السلطات المختصة أوامرها بإغلاق الحدود في وجه الفتاة المعنية، وهي مزدوجة الجنسية، مغربية/هولندية، تدعى أرماني لغوماني، الأمر الذي دفع وزارة الخارجية الهولندية إلى الدخول على الخط وإعلانها أنها ستقدم المساعدة لمواطنتها ذات الأصول المغربية.

المشترك في الحالتين، أن كليهما حُرِّكَت المتابعة في حقهما بناء على لباسهما، أي التنورة القصيرة، بمعيار البعض، لأنها في نظر البعض الأخر “لباس عصري، حضاري، اختياري، غير مفروض على الجميع ولا يخدش إلا حياء  المكبوتين “.

لباس يمكن أن تصادفه وأنت تتجول ببعض شوارع المملكة، حيت يمكنك أن تشاهد أنواعا وأنواع من التنورات، بين الطويلة والقصيرة، الفضفاضة والمزيّرة، حيت لم يعد غريبا في مملكة التنوع والمؤسسات أن تشاهد فتيات يرتدين تنورات قصيرات وتيشورتات طاي باص.. ، ولمن لم يرى ذلك من قبل فما عليه إلا القيام يجولة قصيرة في ساحة جامع الفنا أو شارع جليز في مراكش أو محج الرياض وشارع عمر ولد فال بأكدال الرباط أو كالفورنيا بكازا والبولفار  بطنجة… وغيرها من شوارع مدن أخرى، ومن بين هذه الفتيات، أكيد، من يرتدين تنورات قصيرات، دون أن يخضعن لمتابعات قضائية، فلا عقوبة بدون نص، ولا نص قانوني يحدد نوع وحجم التنورة التي يجب إرتداؤها.

طيب، إذا كان مثل هذا اللباس موضوع المتابعة القضائية ليس نشازا؛ ومنتشرا بمجموعة من المدن المغربية، يباع نهارا جهارا بمحلات ملابس قانونية، فلماذا متابعة هاتين الحالتين فقط؟ ولماذا لم تصادره السلطات من الأسواق والمحلات؟

الجواب ببساطة، لأن المتابعة القضائية التي تمت بتحريك من النيابة العامة، جاءت كنوع من أنواع إرضاء خواطر الهائجين والمنتقدين، لكون الحالتين أثير حولهما جدل مجتمعي، وتحولتا إلى قضية رأي عام، تعرضت خلاله الفتيات أصحاب التنورات لمحاكمة جماهيرية شعبية، تمت شرعنتها بمتابعة قضائية.

الفرق في الحالتين، أنه في 2015 شهدت عدة مدن مغربية، أبرزها الدار البيضاء والرباط، العديد من الوقفات الاحتجاجية والتضامنية مع سمية وسهام يؤطرها شعار كبير “صايتي حريتي”، أي لباسي حريتي لا أقبل الحجر عليه فيه، شاركت فيها شخصيات عمومية من فنانين وسياسيين وجمعويين ومسؤولين حزبين، من أجل التصدي لقضاء الشارع وفوضى التدخل في حياة الناس وتحديد معايير لباسهم حسب أذواق الأخرين.

التعبئة المجتمعية والهبة العامة في قضية “صايتي حريتي”، قوبلت بحكم قضائي شجاع، برأ الفتاتين وأعاد الأمور إلى نصابها.

لكن في 2024، تركت أرماني لغوماني، صاحبة التنورة، وحيدة تواجه مصيرها، ولم يعرها الحداثيون والتقدميون وأشباههم اهتماما، ربما لأنه لم يعوا جيدا ما تشكله مثل هذه المتابعات من مخاطر على الحريات، وما التنورة إلى إحدى التجليات، فغدا أو بعد غد قد تجد نفسك مضطرا لاستئذان شيوخ التيار الفيسبوكي اليميني المتطرف من أجل نشر تدوينة، أو ملزم بطلب فتوى منه حول جواز لباس السروال بدل الفوقية؟؟ .

فهل أصبحت حريتنا تحت حكم “قضاء الشارع” “والتيار الفيسبوكي السلفي”؟

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

4 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
ابو زيد
المعلق(ة)
4 مايو 2024 19:30

لا توجد حرية مطلقة حتى في ابسط القوانين الوضعية!!
قم بمحاولة المرور في شارع وضعت فيه إشارة ممنوع المرور!! فاين حريتك التي تمنعك من المرور في الاتجاه المعاكس؟؟!
هناك من يريد أن تشيع الفاحشة في الناس باسم حريته!! إنجلترا تطلع السياح المتجهين للدول الاسلامية بارشادات حول طريقة اللباس و التعامل!!
نحن لدينا قلة تحاول عبثا ان تخلق من الوضع الناشز نوعا من حرية ….!! هذا نقاش ياخذ نفس المنحى و لو فتحته في حانة !!

العوني
المعلق(ة)
12 مايو 2024 19:48

حريتنا مشروطة بتعاليمنا الاسلامية بما أننا دولة مسلمة ومن لا تعجبه هذه الدولة وهذا الدين فليرحل عنها كما تطالبون المسلمين بالرحيل عن أوروبا إذا لم تعجبهم قوانينها

احمد
المعلق(ة)
6 مايو 2024 13:53

في متل هذه النوازل تختلف التقيمات وتتعدد الرؤيا للباس المحتشم من عدمه وهناك فرق بين المدن الكبرى التي تختلط فيها الاذواق ويجوبها السواح من كل صوب ويمر منها العابرون الى جهات متعددة ولا تجد فيها مثل هذه الاحتجاجات وتجد كل الاذواق مقبولة ويكاد لا يعيرها الناس اهتماما، لكن في المدن والمداشر الصغرى حيت الاختلاط محدود والعادات والتقاليد طاغية وتكاد تسود ثقافة موحدة، فإن متل هذه الالبسة وبعض السلوكات تكون مرفوضة بقوة، ولا بأس من التنبيه لذلك واخده بعين الاعتبار، وهناك مغاربة يعرفون هذا الامر جيدا ويلتزمون به ليس خوفا بل احتراما لثقافة الناس وتقديرا للحياء العام.

MRE 34
المعلق(ة)
6 مايو 2024 12:40

Dans les années 40/50/60/70/80/90 la jupe était admis .C’est l’arrivée de l’AYATOLA KHOMENIE Chiite et les (Islamistes salafistes) et leur Obscurantisme a émergé dans le Monde Arabe dû à la pauvreté de leur société, à qui ils promettaient aux jeunes filles et garçons le PARADIS à conditions de s’habiller trop laisser la barbe comme des balais et se marier très Tôt

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

4
0
أضف تعليقكx
()
x