2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

على الرغم من هزيمة معسكر الرئيس الفرنسي في الانتخابات البرلمانية الأوروبية يوم التاسع من حزيران/يونيو الماضي والتي قادت إلى حلّ الجمعية الوطنية، ثم هزيمته النسبية في الانتخابات التشريعية المبكّرة يوم السابع من يوليوز الجاري والتي أفرزت برلماناً أكثر تشرذماً من أي وقت مضى؛ إلا أن الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء غابرييل أتال ورئيسة الجمعية الوطنية يائيل برون بيفيه، ما يزالون في مناصبهم. وتخيم الضبابية على المشهد السياسي الفرنسي برمّته بعد أسبوعين على الانتخابات التشريعية المبكرة.
فبعد أسبوعين من رفضه استقالة رئيس الوزراء غابرييل أتال مطالباً إياه مواصلة العمل بهدف «ضمان استقرار البلاد» قبل الرئيس إيمانويل ماكرون هذا الأسبوع استقالة حكومة أتال، لكنه كلفها في الوقت نفسه بتولي تصريف الأعمال على ما يبدو حتى انتهاء فترة دورة الألعاب الأولمبية التي ستقام في فرنسا من 26 يوليوز حتى 11 غشت، وذلك في ظل غياب الأغلبية البرلمانية المطلقة في الجمعية الوطنية.
ورمى ماكرون الكرة في ملعب الأحزاب السياسية، قائلا أنه «لكي تنتهي هذه الفترة في أسرع وقت ممكن، الأمر يعود الى القوى الجمهورية للعمل معا للوصول إلى ائتلاف حكومي». ولمح ماكرون إلى أن هذا الوضع المتمثل في بقاء حكومة مستقيلة مع دور سياسي محدود الى الحد الأدنى، «قد يستمر لبعض الوقت» وفق مصادر حكومية متطابقة. وبذلك، واصل ماكرون، حتى الآن، تجاهل مطالب تحالف اليسار الذي تصدر نتائج الانتخابات التشريعية، بتعيين رئيس للوزراء من صفوفه.
صحيح أن «الجبهة الشعبية الجديدة» التي شكلتها أحزاب اليسار، فازت بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية، لكنها ظلت بعيدة عن الأغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية، التي أضحت منقسمة تماما على ثلاث كتل برلمانية: الجبهة الشعبية الجديدة (190 إلى 195 مقعدا) يليها المعسكر الرئاسي لوسط اليمين (حوالي 160 مقعدا) واليمين المتطرف وحلفاؤه (143 مقعدا).
استقالة الحكومة، أتاحت لسبعة عشر وزيراً استعادة ولايتهم البرلمانية، وقد كانت أصواتهم حاسمة جداً، في إعادة انتخاب يائيل برون بيفيه المنتمية لمعسكر الرئيس إيمانويل ماكرون مجددا رئيسة للجمعية الوطنية الفرنسية، وهو منصب سياسي استراتيجي جداً.
فبعد عملية انتخابية ماراثونية تعكس حجم الانقسام داخل الجمعية الوطنية في حلتها الجديدة، انتُخبت يائيل برون بيفيه، بحصولها على 220 صوتاً، مقابل 207 أصوات للشيوعي أندريه شاسانيه، مرشّح «الجبهة الشعبية الجديدة» لأحزاب اليسار، و141 صوتا لسيباستيان شونو عن حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف. وتدين برون لحزب اليمين المحافظ الذي أبرم مع معسكر الرئيس ماكرون اتفاقاً تحت الطاولة، قطّع الطريق أمام اليسار.
وبينما هنّأ الرئيس إيمانويل ماكرون يائيل برون بيفيه بإعادة انتخابها رئيسة للجمعية الوطنية، قائلا في تغريدة: «كل الذين يعرفونك يدركون أنك ستحرصين على احترام تعددية الآراء والتعبير عن التنوّع» ندد مرشح تحالف اليسار أندريه شاسانيه وشخصيات يسارية عديدة بـ«التحالف المخالف للطبيعة» بين معسكر ماكرون واليمين التقليدي المحافظ.
كما استنكر مرشح اليمين المتطرف سيبستيان شونو «انتصار بعمليات مخادعة بين حزب الجمهوريين اليميني المحافظ ومعسكر ماكرون».
وبعد حسم معسكر ماكرون لمنصب رئيس الجمعية الوطنية الاستراتيجي بفضل اتفاقه تحت الطاولة مع حزب «الجمهوريين» اليميني – المحافظ، فإن الفترة الانتقالية التي منحها رئيس الجمهورية لحكومته المستقبلية، توفّر متسعا من الوقت لمختلف التنظيمات السياسية لمحاولة التوصل إلى تسويات وتشكيل تحالفات.
وكان ماكرون قد اعتبر أنه على معسكره «تقديم اقتراح بهدف تشكيل ائتلاف أغلبية أو اتفاق تشريعي واسع النطاق». وعليه يكثف المعسكر الرئاسي من تحركاته بهدف تشكيل غالبية برلمانية بديلة لليسار، تنبثق منها أو عنها الحكومة الجديدة.
إعادة انتخاب «الماكرونية» يائيل برون بيفيه رئيسة للجمعية الوطنية تعدّ تطوّرا، يعطي مؤشرا إلى أن احتمالات وصول اليسار إلى السلطة تلاشت، لاسميا في ظل الانقسامات داخل تحالف اليسار بشأن تسمية شخصية لتولي رئاسة الوزراء، الأمر الذي يثير استياء متزايداً في صفوف مؤيديه.
فمع أن الأحزاب اليسارية المشكلة لهذا التحالف تجمع على أحقيتها في تولي رئاسة الحكومة وتشكيلها انطلاقاً من نتائج الانتخابات التشريعية، إلا أن هذه الأحزاب ما زالت عاجزة عن الاتفاق حتى على تسمية رئيس لوزراء محتمل.
ورغم تلاشي فرصه في الوصول إلى رئاسة الحكومة، تتواصل المناقشات في صوف التحالف اليساري من أجل تقديم مرشح لخلافة غابرييل أتال على رأس الحكومة. فقد اقترح الحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي وحزب الخضر السياسية المتخصصة في شؤون المناخ لورنس توبيانا (73 عاما) لرئاسة الحكومة وهي التي تصف نفسها بأنها «امرأة يسارية ومدافعة عن البيئة». لكن هذا الخيار رفضته حركة «فرنسا الأبية» مع اعتبار منسق الحركة مانويل بومبار أن هذا المقترح «غير جدي».
وفي محاولة للخروج من المأزق، يسعى الحزب الاشتراكي إلى تصويت نواب المجموعات الأربع لتحالف «الجبهة الشعبية الجديدة» بحلول يوم الثلاثاء المقبل. وقال الحزب في بيان: «الوقت يمر، ونفاد صبر المواطن يتزايد بشكل مشروع. الطوارئ الاجتماعية تلزمنا. لذلك يطلب الحزب الاشتراكي أن يتم تصويت النواب في موعد أقصاه يوم الثلاثاء 23 يوليوز».
وحتى الآن، يرفض اليسار الراديكالي بزعامة جان ليك ميلانشون، تصويت النواب، معتبراً أن الأحزاب الأربعة «للجبهة الشعبية الجديدة» يجب أن تتفق على الاسم.
الحقيقة المؤكدة في خضم هذا الغموض السياسي، هي أن الحكومة الفرنسية المُقبلة سترث مالية عامة في وضع صعب. فقد رسم ديوان المحاسبة، في تقرير هذا الأسبوع، تقييماً مثيراً للقلق بهذا الخصوص، حيث وصل دين فرنسا إلى حوالي 3160 مليار يورو في نهاية مارس الماضي – أي حوالي 111 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 60 في المئة تحددها المعايير الأوروبية. وشدد على أن الحاجة إلى خفض هذا الدين هي «ضرورة يجب أن تتقاسمها» كل القوى السياسية.
وكالات