لماذا وإلى أين ؟

ماذا سيترتب من تحولات جيوسياسية في المنطقة بعد اعتراف فرنسا بمغربية الصحراء؟

يشكل إعلان الديوان الملكي عن انضمام فرنسا إلى سلسلة الدول الكبرى التي تعترف بسيادة المغرب على إقليم الصحراء، تحولاً جيوسياسياً كبيراً في المنطقة، ويحمل في طياته العديد من التداعيات والآثار التي من شأنها أن تشكل المشهد الإقليمي في السنوات القادمة.

من شأن هذا الاعتراف أن يعزز مكانة المغرب كلاعب رئيسي في المنطقة، ويمنحه قوة تفاوضية أكبر في مختلف القضايا الإقليمية والدولية. كما سيعزز من شرعيته الدولية ويجعله شريكاً موثوقاً به في العديد من الملفات.

سيؤدي هذا التطور إلى تغيير موازين القوى في المنطقة، خاصة في شمال إفريقيا، حيث ستصبح الجزائر مجبرة على إعادة النظر في سياستها تجاه المغرب وأيضا في نظرتها السلبية لنزاع الصحراء. كما سيؤثر على العلاقات بين الدول الإفريقية والدول العربية، خاصة تلك التي تدعم موقف جبهة البوليساريو.

من المتوقع أن يشجع هذا الاعتراف على زيادة الاستثمارات الأجنبية في الأقاليم الجنوبية للمغرب، مما سيساهم في تنميتها وتطويرها. كما سيعزز التعاون الاقتصادي بين المغرب والدول التي اعترفت بسيادته على الصحراء.

في ظل هذه المتغيرات التي تصب في مصلحة المغرب، باتت المملكة ملزمة بدمج أقاليمها الجنوبية في النسيج الاقتصادي والاجتماعي، وتعزيز التنمية المستدامة فيها.

من المرجح أن يشهد التعاون بين المغرب والدول التي اعترفت بسيادته على الصحراء، على رأسها الولايات المتحدة وإسبانيا وأخيرا فرنسا وغيرها من الدول الإفريقية والعربية، تطوراً ملحوظاً في مختلف المجالات.

ومن المتوقع كذلك، وفق مراقبين، أن يؤدي هذا التطور إلى تغيير التحالفات الإقليمية القائمة، وتشكيل تحالفات جديدة بين الدول التي تتفق على رؤية مشتركة لقضية الصحراء. كما قد ينجم عنه زيادة التوتر بين المغرب والدول الداعمة له من جهة والجزائر من جهة ثانية، التي سارعت إلى سحب سفيرها على عجل من فرنسا عقب دعمها لمغربية الصحراء.

يوسف شهاب الأستاذ في جامعة السوربون بباريس

يوسف شهاب أستاذ العلوم الجيوستراتيجة و التنمية الدولية جامعة السربون بباريس فرنسا تحفظ عن ”مصداقية وفعلية” بعض المعلومات والتي مفادها أن فرنسا تتعترف بمغربية الصحراء.

وأوضح متحدثا لجريدة ”آشكاين”، أنه ”يجب عدم إظهار أن المغرب يتقوى بفرنسا أو بموقفها الحاسم من مغربية الصحراء”، كاشفا أنها ”لغة مصالح جيوستراتيجية مشفرة لأمريكا والمغرب والجزائر”.

واتضح لماكرون، وفق شهاب، أن ”أجندة التطبيع السياسي مع الجزائر لم تعطي أكلها وبالتالي العودة للحليف الثابت والمستقر: المغرب”، مبرزا أن فرنسا تدرك أن ورقة الصحراء هي ”تأمين الحياة (assurace vie) لمصالحها مع المغرب في إفريقيا”.

وأكد ذات الخبير في العلاقات الدولية أن ردة البيان الجزائري هي بداية تحصيل حاصل وبداية ”أزمة من نوع آخر بين فرنسا والجزائر”.

وخلص الدكتور شهاب إلى أن اعتراف فرنسا من عدمه بمغربية الصحراء ”لن يغير مسار الملف مادام هذا النزاع مسجلا في اللجنة الرابعة في دولاب الأمم المتحدة ومادام المغرب يقبل بوجود مهمة المينورسو في حدود وقف إطلاق النار سنة 1991”.

في المقابل يرى محمد شقير  محلل سياسي، وخبير في العلاقات الدولية، أن  هذه التحولات قد وقعت منذ محاولة النظام الجزائري استغلال قضية الصحراء لإضعاف المغرب حيث دفعه ذلك إلى مبادرة المغرب إلى تقوية قدراته العسكرية وتمرس قواته العسكرية على الحرب في الصحراء كأصعب مسرح عمليات قتالية، بالإضافة إلى تحديث ترسانته العسكرية من خلال اقتناء أحدث التكنولوجية العسكرية من أقمار ومنظومات دفاعية متطورة إلى جانب خلق صناعة عسكرية.

وكشف أن ”حرب التموقعات” التي ظهرت مؤخرا على الساحة الدولية، جعل الولايات المتحدة تتخذ من المغرب حليفا استراتيجيا في المنطقة، وإبرام معه  شراكة عسكرية وتنظيم مناورات الأسد الإفريقي سنويا في بعض أنحاء المملكة.

الباحث السياسي محمد شقير
الباحث السياسي محمد شقير

وأبرز الدكتور شقير، في حديث لجريدة ”آشكاين”، أن هذا الوضع دفع واشنطن إلى الاعتراف بمغربية الصحراء لـ ”تقوية حليف أصبح ضروريا لها في منطقة غير مستقرة وأصبحت بوابة أساسية لضمان أمن كل من جنوب أوربا و غرب أفريقيا ودول الساحل”.

وشدد المتحدث على أن الموقف الامريكي هو الذي دفع بالعاهل المغربي إلى الضغط على شركائه الأوربيين للخروج من المنطقة الرمادية كألمانيا وهولندا وإسبانيا لتتبعها فرنسا التي قام رئيسها ببعث رسالة إلى الملك بمناسبة ذكرى جلوسه على العرش، ويعترف فيها بشكل رسمي بمغربية الصحراء، مما شكل، وفق شقير دائما الشيء ”قطيعة مع سياسة التوازن التقليدي الذي نهجته فرنسا إزاء كل من المغرب والجزائر الغاضبة حيث قررت استدعاء سفيرها على الفور.

وأكد المتحدث أن الموقف الفرنسي ستنجم عنه ”تحولات جيوستراتيجية سترتكز على المملكة كقوة إقليمية في المنطقة وكجسر استراتيجي للتموقع داخل القارة الأفريقية وتكريس النفوذ الغربي بمنطقة دول الساحل التي تعرف تمددا للنفوذ الروسي بالإضافة إلى التمدد الايراني بالمنطقة”.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x