لماذا وإلى أين ؟

الغلوسي: مشروع المسطرة الجنائية يجرد المجتمع من حقه في مكافحة الفساد.. التويزي: يشكل ثورة

استهلت الحكومة الدخول السياسي الجديد، اليوم الخميس 29 غشت 2024، بالمصادقة على مشروع القانون 03.23 القاضي بتغيير القانون 03.22 المتعلق بالمسطرة الجنائية، الذي أعده وقدمه وزير العدل، عبد اللطيف وهبي.

وجاءت هذه المصادقة رغم ما أثير حول بنود مشروع القانون المذكور، من ملاحظات تخص مجموعة من البنود المتعلقة بحقوق التقاضي، وأخرى تتعلق بحقوق هيئات المجتمع المدني التي تعنى بحماية المال العام، في تقديم شكايات بمسؤولين ووزراء بشأن اختلاس وتبديد أموال عمومية.

جدل المادة 3

وأثارت المادة 3 من مشروع قانون وهبي للمسطرة الجنائية جدلا كبيرا وسط حماة المال والمحامين، حيث تنص  أن ” الدعوى تمارس سواء كانوا أشخاصا ذاتيين أو اختباريين، ويقيم الدعوى العمومية ويمارسها قضاة النيابة العامة”.

كما تنص المادة ذاتها، على أنه “إذا أقيمت الدعوى العمومية ضد موظف عمومي أو عون القضائي للمملكة، يبلغ الوكيل القضائي للمملكة كذلك بكل دعوى عمومية يكون موضوعها الاعتداء على أموال أو ممتلكات عمومية أو أشياء مخصصة للمنفعة العمومية أو الاعتداء على موظفين عموميين أثناء أو بمناسبة ممارستهم لمهامهم”.

واشترطت “مراعاة مقتضيات الفقرة الخامسة أعلاه، بتبليغ إلى الوكيل القضائي للجماعات الترابية الدعوى العمومية المقامة ضد أحد موظفيها أو عضو من أعضاء مجالسها أو هيئاتها أو إذا كانت الدعوى العمومية تتعلق بالاعتداء على أموال أو ممتلكات تابعة لهذه الجماعات الترابية أو هيئاتها”.

والمثير في المادة المذكورة، هو أنها حددت الهيئات التي يمكنها إجراء الأبحاث في شأن جرائم المال العام، حيث شددت المادة على أنه “لا يمكن إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية في شأن الجرائم الماسة بالمال العام، إلا بطلب من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة بناء على إحالة من المجلس الأعلى للحسابات، أو بناء على طلب مشفوع بتقرير من المفتشية العامة للمالية أو المفتشية العامة للإدارة الترابية أو المفتشيات العامة للوزارات أو من الإدارات المعنية، أو بناء على إحالة من الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها أو كل هيئة يمنحها القانون صراحة ذلك”.

“وخلافا للفقرة السابقة”، تضيف المادة، “يمكن للنيابة العامة المختصة إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية تلقائيا في الجرائم المشار إليها أعلاه إذا تعلق الأمر بحالة التلبس، على أن “تراعي عند ممارسة الدعوى العمومية، مبادئ الحياد وصحة وشرعية الإجراءات المسطرية والحرص على حقوق الأطراف وفق الضوابط المحددة في هذا القانون”.

وخلفت الفقرة التي تحدد الجهات المخول لها تقديم شكايات، جدلا ونقاشا حقوقيا، بين من رآها أنها “بمثابة تدقيق وتحديد اختصاصات ليس إلا”، في حين رآها حماة المال العام وحقوقيون “تضييقا على حقوقهم في فضح الفساد”، وهو ما يجعل التساؤل مشروعا عن الأهداف الحقيقية من وراء هذه المادة وهل تستحق فعلا كل هذا الجدل.

الغلوسي: المادة 3 تهدم المسطرة الجنائية

في هذا السياق، أوضح رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، محمد الغلوسي، أنهم “سبق ونظموا احتجاجات ضد تصريحات وزير العدل التي كان يردد من خلالها أنه يهدف إلى إجراء تعديل على قانون المسطرة الجنائية، بمقتضاه سيمنع جمعيات حماية المال العام من تقديم شكايات، والأكثر من ذلك، هدد وهبي نشطاء حماية المال العام بعقوبات سجنية تصل إلى 10 سنوات”.

رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، محمد الغلوسي

وأبرز الغلوسي، في حديثه لـ”آشكاين”، أنهم نبهوا لخطورة الأمر، واليوم يتبين أن الأمر يتعلق بتوجه يهدف إلى نقض وهدم كل الإلتزامات الدولية للمغرب في مجال مكافحة الفساد، وهو الذي صادق على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد سنة 2004 ونشرها في الجريدة الرسمية سنة 2008″.

وشدد على أن “توجه المادة 3 من قانون المسطرة الجنائية يقوض القانون رقم  37.10 المتعلق بحماية المبلغين والشهود والخبراء والضحايا، حيث أن هذا القانون ألزم المواطنين بالتبليغ عن جرائم فساد”.

ويرى الحقوقي ذاته أن “هذا المقتضى الوارد في المادة 3 يهدم قانون المسطرة الجنائية، حيث أن النيابات العامة ملزمة من الناحية القانونية وطبقا لمقتضيات المسطرة الجنائية بتحريك الأبحاث القضائية ولو بناء على مجرد وشايات، حيث أنها تتلقى المحاضر والشكايات والوشايات، وتتخذ ما يلزم بشأنها قانونا”.

“تقييد النيابة العامة وتجريد المجتمع من حقه”

اعتبر الغلوسي أن “هذه المادة تقيد النيابة العامة في جرائم خطيرة تتعلق بالمال العام، وهي الجرائم  التي تمس بالمجتمع وتلحق ضررا كبيرا به وتهدد السلم الاجتماعي، ورغم ذلك فإن هذه المادة ستُغِلُّ النيابة العامة وضباط الشرطة القضائية، والأخيرة لا يحق لها البحث في مثل هذه الجرائم إلا باحترام المساطر الواردة في المادة 3 من المشروع”.

وحسب المتحدث فإن “هذه المادة تهدف إلى تجريد المجتمع من حقه الطبيعي والدستوري والقانون في مكافحة الفساد والرشوة والمساهمة في تخليق الحياة العامة، علما أن هذا المجتمع يلعب أدوارا مهمة في مكافحة الفساد، وهو ما تؤكد عليها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد حيث أنها تجزي للمجتمع المدني أدوارا رئيسية وفاعلة”.

“تكبيل المجتمع وتكميم أفواهه”

أضاف أن “التوجه المستفيد من زواج السلطة والمال، والتوجه المستفيد من إشاعة الريع والرشوة والفساد في الحياة العامة، يريد أن يكبل المجتمع ويكمم أفواهه، حتى لا يقوم بممارسة أدواره الطبيعية في مفضح الفساد والرشوة والريع”.

وعن سؤال “آشكاين” عن سبل تعاطيهم مع هذا الوضع، أكد الغلوسي أنهم “لن يسكتوا عن هذا التوجه الذي يهدف للتضييق على جمعيات المجتمع المدني الجادة، وعلى حق وواجب المجتمع في التصدي للفساد، وهو التوجه الذي يريد أن يفرغ المجتمع المدني من محتواه، بهدف الوصول إلى مجتمع مدني يصفق ويهلل”.

وأشار إلى أنهم “سيجتمعون في هذا الأسبوع لاتخاذ إجراءات وخطوات عملية لمواجهة الفساد وفضح هذا التوجه، بالتنسيق مع حلفائهم وأصدقائهم المناهضين الفساد، للرد على هذا التوجه الذي يهدد المجتمع”.

التويزي: ثورة في المسطرة الجنائية

فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، أحمد التويزي

من جانبه، استبعد رئيس فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، أحمد التويزي، أن “تكون المسطرة الجنائية تهدف إلى التضييق على حماة المال العام، نظرا لما ستأتي به من إجراءات للمسواة بين المواطنين سواء كانوا وزراء أو غيرهم، وتضم عددا كبير من المواد، وإعطاء مجال كبير لحقوق الإنسان، منها استماع الضابطة القضائية بحضور محامين وأنه سيكون مسجلا، وغيرها من الإجراءات”.

واعتبر المتحدث أن الإجراءات المرتقبة بمثابة “ثورة فيما يخص المسطرة الجنائية”، مشددا على أنه “لا يمكن أن نلخص كل هذا في أن الغرض منه هو التضييق على حماة المال العام”.

وحصر التويزي صفة “حماة المال العام في مؤسسات المجلس الأعلى للحسابات، والمفتشية العامة للمالية،  وغيرها من المؤسسات الدستورية”.

وعطفا على ذلك، سألت “آشكاين” التويزي إن كان ما قاله يعني أن “هيئات المجتمع المدني لم يعد لها الحق في تقديم شكايات بمسؤولين، ليجيب أن “هذه الهيئات لها الحق في ذلك كما باقي المواطنين، ولكن ليس كل من أنشأ جمعية في الدوار وسماها اسما معينا ويضيف لها مصطلح حماية المال العام”.

وأضاف أن “أي مواطن له الحق في أن يقاضي أي مسؤول يسيء للمال العام، ولكن من يقوم بالبحوث الأولى هي المؤسسات الدستورية التي أحدثتهم الدولة لهذا الغرض، منها المجلس الأعلى للحسابات، التي ينظمها قانون تنظيمي وتضم قضاة يمكنهم جرد شكايات المواطنين هل هي مبنية على أسس، ويقومون بعدها هؤلاء القضاة بزيارة للإدارة أو الجماعة المعنية بشكاية ما، وإذا وجدوا فيها إشكالية آنذاك تحال على المحاكمة أو النيابة العامة أو الشرطة”.

“الإبتزاز”

ونبه إلى أنه “يمكن لشخص مثلا أسقطه منافسه في انتخابات في الدوار، أن يقوم برفع دعوى كيدية ويجره للمحكمة وللشرطة وفي الأخير يكتشف أن المشتكى به بريء من التهم المنسوبة إليه”.

ودعا التويزي إلى “البحث في خبايا جمعيات حماية المال العام، من هم وماذا يملكون من أمول، وكيف كانوا وكيف أصبحوا الآن”، مشددا على أنه “لا يمكن لهذه المدونة بأكملها أن تأتي من أجل إحداث عراقيل لجمعيات كي لا تحمي المال العام”.

وخلص أن “هذه الهيئات لديها مسارات لتقوم بدورها في إطار حقوق الإنسان، والحق للوصول للمعلومة، والمراقبة الشعبية على كل من يسير المال  العام، وهذا أمر مستحسن، لكن يجب أن نسطرها لكي لا تتطور إلى نوع من الابتزاز، ولا يجب أن يبقى الباب “مشرع” (مفتوحا على مصراعيه)”.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

4 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
علي
المعلق(ة)
29 أغسطس 2024 20:53

ثورة في الحماية ام الانتقاء
الحقيقة الذين صوتوا على هذه الاحزاب هم المسؤولون

محمد
المعلق(ة)
29 أغسطس 2024 20:38

التوزني بدافع عن طبقته وهو يعلم من هي وكيف راكمت الاموال ويسدد اتهامات الى الجمعيات الحقوقية التي همها حماية المال العام ويعمل ان هذه القانون الجديد جاء مخيبا وطنيا ومخالفا اما تعارف عليه العالم في منح الجمعيات كل الوسائل لمحاربة الفاسدين

ابو زيد
المعلق(ة)
29 أغسطس 2024 20:34

الكل يعلم ان هذا البرلمان تم تشكيله على المقاص لتمرير قوانين تخدم هيمنة جهة على كل الحياة السياسية و المالية!!!
انني اتأسف كيف نساق كالقطيع من قطيع يصوت لهدم الهوة بين الناس و الطبقة الفاسدة!!
برلمان استفادت عائلات من ريع الكوطا سواء الشبابية او النسائية على حساب الاحقية و الأهلية!! كيف ان الشعب المغربي يرفض باغلبيته تولي وزير لحقيبة من وزن العدل!! و يطاح به من امانة الحزب لان الحزب اكبر من هذا الشعب حتى يبعد عن تسيير شؤونه!!!

Usa
المعلق(ة)
30 أغسطس 2024 19:08

تغيير المادة 3 من القانون الجنائي من
طرف الوزارة الوصية،يعتبر في حد ذاته خرق للدستور وتطاول على دولة الحق والقانون وضرب لحق التعبير واشهار ورقة زجرية في وجه الناهون عن المنكر .مما يزيد المفسدين الفاسدين الا عبثا وفسادا. حسبنا الله ونعم الوكيل.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

4
0
أضف تعليقكx
()
x