لم يكن أكبر المتشائمين يعتقد أن دعوة مجهولة المصدر على منصات التواصل الاجتماعي، ستحول مدينة الفنيدق ومحيطها إلى ما يشبه ساحة معركة، بين القوات العمومية التي نزلت بكل ثقلها من أجل تطبيق القانون، وبين أشخاص من مختلف الأعمار والجنسيات، وأغلبهم قاصرون وأطفال، حاولوا اقتحام مدينة سبتة المحتلة، عنوة.
الظاهر أن أولائك الذين قصدوا الفنيدق يوم 15 شتنبر 2024، كان هدفهم الوصول إلى السياج الذي يفصل هذه المدينة عن مدينة سبتة المحتلة، برا وبحرا، من أجل اتخاذها كمعبر للوصول إلى الضفة الأوربية، لكن ما وقع والكيفية التي نظم بها تطرح عدة تساؤلات حول ما إن كانت هناك جهة أو جهات تقف وراء هذه العملية؟ وهل فعلا قلة فرص الشغل ومحدودية بعض السياسات العمومية هي السبب الوحيد والأوحد الذي دفع هؤلاء الشباب إلى الانتظام في مجموعة كبيرة وتحدى القوات العمومية من أجل الوصول إلى سبتة المحتلة؟
من المعلوم لدى المتتبعين لظواهر الهجرة غير النظامية أن محاولة الاقتحام الجماعي التي عرفتها سياجات سبتة المحتلة ليست سابقة عالمية، أو خاصية مغربية، فمثل هذه الظواهر تتكرر باستمرار في مجموعة من الحدود الدولية.
وكمثال على ذلك نذكر ما تشهده حدود الولايات المتحدة الأمريكية مع المكسيك من محاولات الاقتحام الجماعي للمهاجرين القادمين من دول أمريكا اللاتينية وغيرها من البلدان الفقيرة، إلى درجة أن موضوع الهجرة غير النظامية أصبح أحد الأوراق الرئيسية في التنافس على الرئاسيات الأمريكية.
كما أن بحر المانش الفاصل بين الشمال الفرنسي باتجاه إنجلترا، يشهد بشكل مستمر عشرات المحاولات الجماعية من أجل العبور غير النظامي إلى الضفة الإنجليزية، آخرها ما وقع مساء السبت إلى صباح الأحد 15 شتنبر الجاري، حيت أفادت السلطات البحرية الفرنسية عن قيام مهاجرين برحلات عبور خطرة للمانش في قوارب صغيرة، مشيرة إلى مصرع 8 أشخاص، وإنقاذ 200 شخصا خلال 24 ساعة فقط.
لكن المثير في محاولة الهجرة الجماعية التي عرفتها سياجات سبتة المحتلة هي الكيفية التي نظمت بها، والتي تعطي الانطباع، من أول وهلة أن هناك جهة ما تقف وراء هذه العملية، وذلك نظرا للكيفية التي هيئت بها، بدءا من إطلاق دعوة مجهولة المصدر وتحديد تاريخ 15 شتنبر الذي يصادف يوم الأحد، وهو نفسه التاريخ الذي شهد فيها بحر المانش مصرع 8 أشخاص وإنقاذ 200 ممن حاولوا العبور إلى بريطانيا.
دعوة التجمع من أجل اقتحام سبتة ليست الأولى من نوعها، فقد سبق لبلاغات صادرة عن إدارة الأمن الوطني ان أخبرت بتوقيف أشخاص يحرضون على الهجرة غير النظامية، عبر وسائط التواصل الاجتماعي، لكن الجديد هذه المرة هو الكيفية التي تمت بها التعبئة لها، حيث حدد تاريخ بعينه، وانخراط مجموعة من الحسابات الافتراضية، لأشخاص جلهم مجهولي الهوية، في التعبئة لهذا الأمر، ووضع خطط مشفرة لكيفية اجتياز الحواجز الأمنية من أجل الوصول إلى الفنيدق، ونقط التجمع، وكيفية التحرك في مجموعات.. وهو ما يذكرنا بأساليب اُستعملت إبان ما عرف بالربيع العربي لتنظيم الاحتجاجات التي أفضت إلى إسقاط حكام وخراب دول. فهل كان الهدف من محاولة الهجرة الجماعية فعلا محاولة البحث عن فرصة لتحقيق الذات في دولة أخرى أم الهدف المس بالأمن الداخلي للمملكة المغربية؟
ما سبق ذكره لا يستبعد أن هناك عوامل موضوعية ساهمت في دفع الكثيرين إلى تلبية النداء المجهول المصدر لمحاولة اقتحام سبتة، من قبيل نسبة البطالة التي وصلت، حسب الأرقام الرسمية، إلى مستوى لم تصله منذ 20 سنة، والاختلالات التي تطال المنظومة الصحية باعتراف المسؤولين عنها، وكدا التفاوتات الذي أصبحت تعرفها منظومة التربية والتعليم بين القطاع العام والخاص، والارتفاع غير المسبوق لأسعار مجموعة من المواد الاستهلاكية الأساسية.. وهذا واقع، لكنه ليس مغربيا خالصا فعدد من الدول عاشته وتعيشه، وما كان يوما الدعوة إلى هجرة جماعية هو الحل السحري للقضاء عليهم، وإلا لكانت دولة روندا نموذجا، اليوم خالية من سكانها، بعد خروجها من حرب أهلية طاحنة، وليست أبرز الاقتصادات الصاعدة في إفريقيا.
المظاهر المشار إليها استغلها أشخاص محسوبون على المعارضة، سواء منها المؤسساتية أو ما توصف بالجذرية، من أجل قصف الحكومة والدولة ككل، لإظهار أن ما يعبرون عنه هو الحقيقة ، وتسجيل نقاط سياسية وحقوقية ولو كان ذلك على مصلحة استقرار الشعب المغربي ككل، وإظهار الدولة المغربية بمثابة الجحيم الذي يفر منه الجميع، في تغافل تام لمجموعة من الجوانب الإيجابية التي عرفها المغرب واقتصاده خلال العشرينية الأخيرة، وفي تجاهل تام لنماذج من أبناء الوطن القادمين من عمق المغرب العميق، وحققت نجاحا يضرب به المثل على المستوى الوطني بل وحتى الدولي.
فمن يريد أكل الثوم بفم مستضعفين وقاصرين وأطفال لتوريط المغرب وضرب صورته أمام العالم في خضم الاستعدادات لاحتضان تظاهرات دولية أبرزها كأس العالم، المحفل الاقتصادي أكثر منه الرياضي؟
في بلد مرشح لاحتضان نهاية كأس العالم، حتى الموضفين و الإجراء باتو يحلمون بالضفة الاخرى…. عادي… هاذ الشي كان حتا فقطر او روسيا او ألمانيا……