لماذا وإلى أين ؟

أحمد لحليمي: رجل عاش للمغرب نضالا وفكرا وممارسة

آشكاين

عندما صدر لأحمد لحليمي المندوب السامي السابق للتخطيط، كتاب بعنوان “أحمد لحليمي يشهد أزمنة نضال وفكر”، اكتشف الجيل الجديد من المهتمين بالشأن السياسي المغربي، غزارة ووفرة تجارب هذا الرجل، الذي شهد فصولا من السياسة المغربية، أقل ما يمكن أن توصف به أنها فصول ممزوجة بالمعاناة والدموع والألم وأيضا بكثير من التفاؤل والأمل.

رجل من الرجال الذين انبعثوا ذات تاريخ مجيد من تاريخ النضال السياسي بالمغرب، انبعثوا لكتابة صفحات ذات حنين وشجن من المواجهات والتوافقات مع السلطة ومع المخزن. رجل عاش شبابه إلى جانب “الرفاق”، بحلم و بمثاليات العدالة الاجتماعية والمواساة والحرية والديمقراطية، انطلاقا من الانتماء إلى الأفكار الإشتراكية المغربية حينها بعد استقلال المملكة، وهو الذي درس الجغرافيا بتضاريسها السهلة والوعرة، وتعلم قواعد الاقتصاد ليستنطقها عن سبل التنمية والكرامة.

لم يكن عبوره عبر كل المناصب التي تولى في الدولة المغربية، عبورا عاديا أو سهلا، وإنما كان مرورا مثيرا مؤججا للنقاش العمومي الحيوي والمفيد للبلاد، سواء من خلال تلك المناصب المرتبطة بوظائف حكومية في تشكيلة الزعيم الراحل عبد الرحمان اليوسفي، أو بعد في قيادة المندوبية السامية للتخطيط، في ممارسة السياسية مع الرفيق والزعيم عبد الرحيم بوعبيد، ومع باقي شركاء المشروع الاشتراكي.

لربما يحس أحمد لحليمي أن أزمة النضال والفكر قد ولت في المغرب إلى حين، وهو الذي جايل اولئك المناضلين الأشداء، رواد الفكر والحوار ومقارعة الأفكار. لقد بدا الرجل منذ مدة وكأنه يعيش وحيدا من زمن آخر مختلف عن الزمن الحالي، فصار وكأنه يخاطب نفسه لايجد من القوم إلا القليل من يفهم المعنى الذي يهدف له، ومن يعي خطورة ما كان يقصد في كلامه وتقاريره.

 

لم يكن ما ينتج في منصبه السامي، مجرد حبر على أوراق صيغت بمقاربات تقنية، أو بناء على أرقام صماء خرساء، بل كانت تقاريره وتصريحاته وتنبيهاته تحمل روح الوطن وقيمة الوفاء له ولكل الأجيال التي ضحت من أجله، منهم رفاق قضوا نحبهم ومنهم من ينتظر. لقد تحولت الاحصائيات في زمن لحليمي، لاسيما تلك المتعلقة بفترة كورونا، أو بالشباب والشغل والأسر وغيرها، إلى خطاب تنبيه وجرس إنذار للجميع. لقد صارت الأرقام الواردة في صفحات تقاريره إلى أصوات سياسية واجتماعية عالية جدا، تصرخ بكل قوة من أجل الإنتباه إلى الاختلالات وإلى المخاطر المحيطية بهذه السفينة التي تضمنا جميعا، وبغية تحرير الذات الجماعية من ممارسات دخيلة أو ممارسات تدبيرية مدمرة. حدث ذلك كله، رغم أن البعض آخذ على السي أحمد، أنه يمارس السياسية أو يوبخ عمل مستويات أخرى داخل الدولة، غير أنه يمكن القول، أنه فعلا السي أحمد مارس السياسة في عمله، من أجل بلده وليس من أجل مصلحته الشخصية، مارس السياسة المفقودة حاليا، بلغة تسبب حساسية للبعض الذين لم يعرفوا ما معنى النضال من أجل الوطن والفكرة.

تميز الرجل بالصدق والأمانة وكتمان السر، وكان أحد مهندسي حكومة التناوب أو التوافق كما كان هو شخصيا يسميها، وعمل مع رفيقه الذي ترجل عن صهوة الحياة، عبد الرحمان اليوسفي، بكل تفان واخلاص في زمن قال عنه الملك الراحل الحسن الثاني، زمن يهدد المغرب بالسكتة القلبية.

وأنت تتأمل في خرجات أحمد لحليمي أمام وسائل الإعلام، لاسيما تلك الندوات مؤخرا حول الاحصاء العام لسنة 2024، تجده يتكلم بصدق قاسي جدا يبرز الحقيقة ولا يخفيها عن عيوننا، يتحدث وكأنه يكتب رسالة آخر العمر، أطال الله في عمره، وهو يقول لنا جميعا، بعدما غادر الحياة معظم رفاقه القدامى والشخصيات الكبرى التي اشتغل معها، احذروا من هذا الواقع المتأزم، انتبهوا إلى الفخاخ الموجودة في بعض السياسات العمومية، ضموا بعضكم البعض بكل حب واحضنوا شبابكم، اعتنوا بانفسكم، ثقوا في قدرات بلادكم، حاوروا بعضكم البعض من أجل إيجاد الحلول، فهل سمع صوتك يا السي أحمد لحليمي، وهل وصلت رسالتك ووصيتك لنا جميعا؟ نسأل الله الثبات على طريق جيلكم المخلص وأن يكون الخلف امتداد لخير سلف.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

5 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
احمد
المعلق(ة)
20 أكتوبر 2024 12:13

ما لم يقله هذا الاطراء هو ان احمد لحليمي كان من رجالات المعارضة الاشاوس ايام الجمر والرصاص وكان من مؤسسي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وأدى التمن غاليا من اجل مواقفه الشجاعة ورغم كونه من الاطر القليلة انداك الني تتمتع يتكوين علمي وجامعي في ميدان الفلاحة فقد همش في دهاليز وزارة الفلاحة لزمن طويل عقابا له على مواقفه وضل صامدا إلا ان تم الاعتراف له بكافئته المهنية والعلمية مع حكومة التناوب.

فريد
المعلق(ة)
27 أكتوبر 2024 07:14

لحليمي، المالكي، بوعياش، الشامي…حصلوا على أكثر من اللازم(ماديا) مقابل التخلي عن أفكار الحزب الإشتراكي والتوقف عن معارضة نظام الحسن الثاني.المغرب لازال يؤدي ثمن الحرب الضروس بين القصر وورثة حزب بنبركة، والتي إنتهت بسيطرة القصر على كل شيء في البلاد مقابل المناصب الإدارية أو الأراضي الفلاحية أو أراضي خدام الدولة أو الإكراميات أو… لحليمي كما الجواهري، لم يعد تواجدهما على رأس مؤسستين جد مهمتين دو معنى نظرا للسن والحاجة إلى التجديد وما أشد حاجة المغرب إلى التجديد، إلى تجديد كل شيء أو ربما البناء من جديد أقل كلفة وأكثر نجاعة، وربما بناء مغرب بملكية سيادية لا تحكم سيبقى الحل الوحيد للإزدهار كما جارتنا الشمالية.

غزاوي
المعلق(ة)
27 أكتوبر 2024 06:51

مجرد تساؤل.
لماذا تم إعفاؤه واستبدله يرجل هلك المدرسة المغربية بصهينتها وفرنستها!!!؟؟؟
جاء في المقال ما نصه:
“لقد بدا الرجل منذ مدة وكأنه يعيش وحيدا من زمن آخر مختلف عن الزمن الحالي، فصار وكأنه يخاطب نفسه لايجد من القوم إلا القليل من يفهم المعنى الذي يهدف له، ومن يعي خطورة ما كان يقصد في كلامه وتقاريره.
لم يكن ما ينتج في منصبه السامي، مجرد حبر على أوراق صيغت بمقاربات تقنية، أو بناء على أرقام صماء خرساء، بل كانت تقاريره وتصريحاته وتنبيهاته تحمل روح الوطن وقيمة الوفاء له ولكل الأجيال التي ضحت من أجله” انتهى الاقتباس

غـزاوي
المعلق(ة)
26 أكتوبر 2024 18:34

مجرد تساؤل.
لماذا تم إعفاؤه واستبدله يرجل هلك المدرسة المغربية بصهينتها وفرنستها!!!؟؟؟
جاء في المقال ما نصه:
“لقد بدا الرجل منذ مدة وكأنه يعيش وحيدا من زمن آخر مختلف عن الزمن الحالي، فصار وكأنه يخاطب نفسه لايجد من القوم إلا القليل من يفهم المعنى الذي يهدف له، ومن يعي خطورة ما كان يقصد في كلامه وتقاريره.
لم يكن ما ينتج في منصبه السامي، مجرد حبر على أوراق صيغت بمقاربات تقنية، أو بناء على أرقام صماء خرساء، بل كانت تقاريره وتصريحاته وتنبيهاته تحمل روح الوطن وقيمة الوفاء له ولكل الأجيال التي ضحت من أجله” انتهى الاقتباس

بوجمعة
المعلق(ة)
19 أكتوبر 2024 23:08

وظائف منذوبية التخطيط التي تشبه ( على الأقل في التسمية ) معهد “INSEE” الفرنسي تتمثل أساسا في اعداد وباستقلالية لبنك معطيات و نتائج دراسات وبحوث وتقارير حول كل المجالات القاطرة للنمو الاقتصادي والاجتماعي و في مجال الظواهر والتناقضات التي تطبع تفاعل المواطن والفاعل الاقتصادي والاجتماعي مع محيط العيش… الا أنه ولانجاز هذه الوظائف الهامة بأمانة وبدقة وبدلالات علمية هادفة ، لابد من وجود رأسمال بشري مختص ومؤهل في علوم الهندسة الاحصائية والقدرة على التحليل العلمي اعتمادا على مقاربات علمية وآليات معرفية واسعة في علوم الاحصاء والاقتصاد القياسي وعلوم أخرى في مجالات متعددة . هذه المؤهلات التي يحملها السيد الحليمي فعلا هي التي صنعت له طول مدته و مكانه المناسب بالمنذوبية . الا أن الخدمات التي تقدمها معطيات HCP غالبا ما تتنكر لها الحكومة وتتجنب توظيفها في قراراتها لأنها تخالف خططها الكاذبة المجانبة للواقع . وخير مثال على ذلك مؤشر ” نسبة البطالة” الصادر أخيرا عن المذوبية والذي بلغ حسبها: 13.5% من الفئة النشيطة بالمجتمع والتي لاترى فيه الحكومة الا ضيقا لسياستها الفاشلة في مجال التشغيل…

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

5
0
أضف تعليقكx
()
x