ماكرون في الرباط.. “آشكاين” تعيد سرد قصة أزمة دبلوماسية أنهتها قرارات تاريخية
يحل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعد عصر اليوم الإثنين (28 أكتوبر)، بالمملكة المغربية في زيارة دولة تستغرق ثلاثة أيام، وتهدف إلى إضفاء زخم جديد على العلاقات الثنائية بعد ثلاث سنوات من تأزمها. ويرتقب أن تسفر عن توقيع اتفاقيات سياسية وشراكات اقتصادية تفتح آفاقا جديدة للعلاقات الدبلوماسية المغربية الفرنسية.
ويبدو أن زيارة اليوم قد تعيد ترتيب العلاقات المغربية الفرنسية وتعيدها إلى الواجهة بعدما دخلت في أزمة صامتة لمدة ثلاث سنوات متتالية، بسبب مجموعة من الملفات والقضايا الخلافية على رأس القضية الأولى لدى المغرب والمغاربة الوحدة الترابية للمملكة. ويمكن تخليص القضايا التي فجرj أزمة دبلوماسية صامتة بين المغرب وفرنسا في ما يلي:
“بيغاسوس” يفتتح الأزمة
بداية تدهور العلاقات الدبلوماسية المغربية الفرنسية كانت بحملة إعلامية قادتها عدد من وسائل الإعلام الفرنسية ضد المغرب، حيث اتهمته باستخدام برمجية بيغاسوس التي طورتها شركة “إن إس أو غروب” الإسرائيلية للتجسس على معارضين مغاربة بفرنسا وسياسيين من بينهم الرئيس إيمانويل ماكرون.
ويظهر أن الحملة الإعلامية ضد المغرب أثرت على محيط الرئيس الفرنسي، الذي سارع إلى تغيير جهاز هاتف ماكرون، في أول رد فعل عمليّ من الدولة الفرنسية، ما دفع المغرب لرفع شكايات ضد صحف فرنسية عدة لتأكيد براءته من التهم الموجهة إليه إعلاميا.
وبالرغم من أن تقرير صادر عن لجنة تحقيق البرلمان الأوروبي برأ المغرب، حين أكد “عدم وجود أي أدلة تدين المغرب في استخدام برنامج التجسس الإسرائيلي ضد الدول الأوروبية”، إلا أن القضية هزت الثقة بين البلدين اللذين شرعا في الدخول في أزمة دبلوماسية صامتة.
“الفيزا” تخرج الأزمة من صمتها
إن كان برنامج “بيغاسوس” قد أدخل العلاقات المغربية الفرنسية في أزمة صامتة، فإن إعلان الحكومة الفرنسية يوم 28 شتنبر من سنة 2021، تشديد شروط منح التأشيرات لمواطني المغرب والجزائر وتونس بدعوى “رفض الدول الثلاث إصدار التصاريح القنصلية اللازمة لاستعادة مهاجرين (غير نظاميين) من مواطنيها”، قد أخرج الأزمة إلى العلن حين اعتبر وزير خارجية المغرب أن قرار باريس غير مبرر لمجموعة من الأسباب.
وتشبثت فرنسا بقرارها في هذا الملف في الوقت الذي بقي فيه المغرب محافظا على موقفه، ما أطال الأزمة التي حاولت فرنسا من خلالها الضغط على المغرب في مختلف الملفات الأخرى، خاصة منافسة الشركات المغربية لنظيراتها الفرنسية في القارة الإفريقية، بالتزامن مع التحولات السياسية التي شهدتها عدد من دول القارة وأسفرت عن طرد فرنسا وشركاتها.
استمرار هذه الأزمة، استغلته المملكة الإسبانية التي سارعت إلى اتباع أمريكا والاعتراف بمغربية الصحراء، ما أتاح لها التقدم على مستوى التبادلات التجارية والعلاقات الاقتصادية بين المغرب وفرنسا، واستمرار المملكة في نهجها الدبلوماسي المتمثل في تنويع الشركاء الاقتصاديين والسياسيين، ما جعل فرنسا تسقط في أحضان “عسكر” الجزائر، خاصة خلال أزمة الطاقة بأوروبا التي أسفرت عنها الحرب الروسية الأوكرانية.
الزلزال يعمق الأزمة
إن كانت قضية التأشيرات قد أخرجت أزمة العلاقات الدبلوماسية المغربية الفرنسية إلى العلن خاصة بعد إنهاء المغرب مهام سفيره في فرنسا محمد بنشعبون، بسبب حثِّ البرلمان الأوروبي للمملكة على “احترام حرية التعبير وحرية الإعلام”، فإن الزلزال الذي ضرب عدد من مناطق المغرب ليلة 8 و 9 شتنبر من سنة 2023، قد عمق الأزمة بشكل كبير.
وأعلن المغرب قبول عروض الدعم من “دول صديقة” معدودة مثل إسبانيا وقطر والمملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة، في ما رفض عروضا أخرى منها العرض الفرنسي، حتى لا يخاطر بوضع فوضوي محتمل مع دخول عشرات الدول والمنظمات للمساعدة، وهو ما خلق جدلاً في فرنسا حول الخلفيّة التي دفعت المملكة إلى هذا القرار.
كما أن ماكرون زاد من غضب الشعب المغربي حينما خرج في فيديو يخاطب فيه المغاربة في تجاوز صارخ لأعراف الدبلوماسية، والأمر ذاته بالنسبة لوسائل الإعلام الفرنسية التي زادت من تأجيج الجدل حينما اعتبرت أن المغرب أدار وجهه لباريس ورفض زيارة ماكرون التي علقت لأشهر عدة لأن المملكة لم تبرمج أي زيارة للرئيس الفرنسي إلى الرباط.
الأزمة وحلها في ملف الصحراء
قد تكون كل القضايا المشار إليها أعلاه ثانوية أو على الأقل تقنية يمكن حلها بجلسة عمل بسيطة، لأن القضية الإستراتيجية بالنسبة للمغرب والتي تحدد السياسة الخارجية للمملكة هي قضية الصحراء، وهي أهم ملف زاد من طول الأزمة بين البلدين، خاصة أن فرنسا عوض أن تتخذ قرارا سياسيا تكون به سباقة إليه دوليا بالنسبة لمخطط الحكم الذاتي، تركت دولا أخرى تأخذ المبادرة والزعامة الدولية، كما فعلت أمريكا وبعدها دول أوروبية وإفريقية اعترفت بشكل كامل بسيادة المغرب على صحرائه.
أمام هذه الدينامية التي شهدتها قضية الصحراء، اختارت فرنسا التقرب إلى الجزائر الداعم الأساسي للانفصال في جنوب المغرب، مرت مياه كثيرة تحت الجسر وأخذت دولا المبادرة بدعم الوحدة الترابية للمغرب والبحث عن سبل تقوية العلاقات الإقتصادية مع المغرب، ليستفيق ماكرون على وضع دولي جديد، جعله “يهرب” من نظام الجزائر وإعلان موقف جديد خلال شهر يوليوز الماضي متقدم بخصوص الصحراء، عماده أن حاضر ومستقبل هذه الأخيرة يندرجان في إطار السيادة المغربية.
وإن كانت قضية الصحراء هي الملف الأكبر الذي أطال مدة الأزمة الدبلوماسية بين المغرب وفرنسا، فإنها هي التي كانت الحل وأعادت دينامية العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها، بل إن المستقبل القريب يشير إلى أن فرنسا ستستعيد مكانتها في السوق المغربية.
طي صفحة وفتح أخرى
مساء اليوم سيحل الرئيس الفرنسي بالرباط في زيارة دولة طال انتظارها من طرف الجانب الفرنسي، ويعقد عليها آملا كبيرة لفتح صفحة جديدة وطي صفحة الخلافات السابقة في أفق إرساء علاقات دبلوماسية متينة وقوية بين البلدين عمادها الثقة والتعاون على مبدأ رابح ـ رابح.
وينتظر أن تتميز زيارة الرئيس الفرنسي إلى المملكة المغربية بتوقيع مجموعة من الإتفاقيات والشراكات في مختلف المجالات السياسية والعسكرية، وفق وسائل إعلام فرنسية، كما ينتظر أن يعيد إيمانويل ماكرون التأكيد على موقف بلاده من الصحراء المغربية بعد تحديثه.
وقد يلاحظ المتتبع للشأن السياسي المغربي، خاصة في إطار علاقات المملكة الخارجية، أن مسار الأزمة الذي قطعته العلاقات الفرنسية المغربية هو ذاته، باستثناءات بسيط، الذي مرت منه أزمة العلاقات الدبلوماسية المغربية الإسبانية، وفي الحالتين انتهى باعتراف هذه الدول بحق المغرب التاريخي في بسط سيادته على صحرائه، فهل ستنتهي أزمة العلاقات السياسية بين المغرب والجزائر بمثل نهاية أزمة فرنسا وإسبانيا؟