لماذا وإلى أين ؟

دراسة تعري الإشكاليات والعراقيل التي تواجه مغاربة العالم

 

عرت دراسة صادرة عن مرصد العمل الحكومي الإشكالات والعراقيل التي يعاني منها المغاربة المقيمين بالخارج البالغ عددهم أكثر من خمسة ملايين شخصا، خاصة على مستوى مجال الإستثمار والمشاركة السياسية.

ووفق ورقة تحليلة صادرة عن المرصد المشار إليه، فإن أبرز التحديات التي تواجه مغاربة العالم في مجال الاستثمار هو غياب رؤية استراتيجية شاملة ومندمجة تستهدف إدماجهم بفعالية في النسيج الاستثماري الوطني، حيث أن هناك نقصا واضحا في السياسات الموجهة خصيصا لاستقطاب استثماراتهم بشكل منظم ومدروس، وغياب خطة واضحة تحدد القطاعات الاقتصادية ذات الأولوية التي يمكن أن تشكل محركا للنمو، فضلا عن غياب خريطة استثمارية تستعرض الفرص الواعدة في المناطق التي تعاني من التهميش أو التي تحتاج إلى دعم أكبر لتحقيق التنمية المستدامة.

كما يعاني مغاربة العالم من محدودية وضعف آليات تمويل استثماراتهم بالوطن؛ علما صندوق “MAD invest” الذي أطلق منذ عام 2002 لدعم مشاريع مغاربة العالم، لم يتمكن من تحقيق تأثير ملموس على أرض الواقع، حيث لم يتجاوز عدد المشاريع التي دعمها 48 مشروعا فقط، إلى غاية سنة 2022.

وبحيث أن المغرب يعاني، وفق الدراسة التي إطلعت عليها “آشكاين”، من غياب صناديق تمويل أخرى مخصصة لدعم استثمارات الجالية، مما يبرز افتقار السياسات العمومية إلى رؤية متكاملة لتعبئة الإمكانات الاستثمارية الكبيرة التي تملكها الجالية، فإن المشاريع الاستثمارية التي تنطلق بمبادرة من مغاربة العالم تعاني هي الأخرى من ضعف مواكبة الأبناك الوطنية، سواء من حيث تقديم التسهيلات المالية أو الدعم التقني اللازم.

وبخصوص الرؤية الشاملة والمنظمة حول الفرص الاستثمارية المتاحة في مختلف القطاعات والمناطق بالمملكة، فإن هذه الأخيرة تفتقر كذلك إلى بنك مشاريع موجه خصيصا لمغاربة العالم، وهو ما يشكل عائقًا كبيرا أمام الجالية المغربية التي تبحث عن استثمارات تحقق لها عوائد مجزية وتسهم في تنمية الوطن.

ومن الإشكالات التي تعيق استثمار مغاربة العالم في وطنهم، ما ياعلق بتعقيد الإجراء ات الإدارية، فغالبا ما تفرض على المستثمرين إجراء ات طويلة ومعقدة، تتطلب تواجدهم الشخصي داخل البلاد لإتمامها، وهو أمر يشكل عبئا ماليا ولوجستيا كبيرا، ما يدفع أغلبهم إلى القيام برحلات متكررة إلى المغرب لإنجاز المعاملات الإدارية، مما يستهلك الوقت والجهد، ويؤدي في كثير من الأحيان إلى فقدان الحماس لمواصلة الاستثمار أو تأجيله إلى أجل غير محدد.

من جهة أخرى، تعاني تعاني المشاركة السياسية لمغاربة العالم من عدة اختلالات تمتد إلى تمثيليتهم في المؤسسات الوطنية وتأثيرهم في السياسات العمومية، ما يكرس ضعف ارتباطهم السياسي بالوطن. فعلى الرغم من إنشاء مجلس الجالية المغربية بالخارج كهيئة استشارية تهدف إلى تمثيل مصالح الجالية، إلا أن أثره يظل محدودا، كما يلاحظ الغياب شبه التام لمغاربة العالم عن مؤسسات الحكامة الوطنية، مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ومؤسسات مكافحة الفساد، والهيئات المعنية بالتنمية المستدامة، مما يفاقم من التهميش السياسي لهذه الفئة.

ورغم الإجراءات المحدودة، مثل تخصيص مقاعد داخل البرلمان عبر اللائحة النسائية الجهوية، إلا أن هذه الجهود لا تلبي التطلعات الحقيقية للجالية في بناء علاقة سياسية متينة مع الوطن، فغيابهم عن مواقع اتخاذ القرار والمؤسسات الحيوية لا يعكس مساهمتهم الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة، بل يخلق شعورا متزايدا بالتهميش.

كما تواجه الجالية المغربية صعوبات كبيرة مع البيروقراطية الإدارية عند قضاء مصالحها داخل أرض الوطن، وهي إشكالية تتسم، وفق الدراسة، بتعقيد المساطر الإدارية، وتعدد الوثائق المطلوبة، وتكرار الإجراءات بين مختلف الإدارات، فضلا عن غياب التنسيق بينها، حيث تجعل هذه العقبات من إتمام المعاملات تجربة مرهقة ومكلفة على الصعيدين المادي والزمني، وتؤثر سلبا على العلاقة بين الجالية والمؤسسات الوطنية، حيث يترسخ لدى العديد منهم شعور بالإحباط والبعد عن الإدارة المغربية، التي من المفترض أن تسهل ارتباطهم بوطنهم الأم.

إضافة إلى ذلك، تتعرض الجالية بشكل خاص، بحسب مرصد العمل الحكومي، لممارسات الفساد مثل الرشوة واستغلال النفوذ، نتيجة لغياب الوضوح في الإجراء ات وضعف الرقابة، حيث يعاني أفراد الجالية أحيانا من التمييز غير المعلن، حيث ينظر إليهم على أنهم فئة قادرة على دفع تكاليف إضافية غير قانونية لإنجاز خدماتهم بشكل أسرع، وهو ما يضعف ثقة الجالية في المؤسسات، ويزيد من إحساسهم بعدم الإنصاف مقارنة بباقي المواطنين.

ودعت الدراسة ذاتها، إلى اعتماد خطة وطنية واضحة لإدماج مغاربة العالم في النسيج الاستثماري الوطني، من خلال تحديد القطاعات ذات الأولوية مثل التكنولوجيا، الطاقة المتجددة، الصناعة التحويلية، والفلاحة، وتوفير منصة رقمية شاملة تضم فرصًا استثمارية محدثة ومهيكلة حسب المناطق والقطاعات الاقتصادية، مع تقديم معطيات دقيقة حول الجدوى الاقتصادية، إلى جانب إنشاء صناديق تمويلية جديدة موجهة لمشاريع الجالية، تقدم قروضا ميسرة وضمانات تحفيزية للمستثمرين، مع إعادة هيكلة صندوق “MAD invest” ليكون أكثر فعالية وانتشارا.

كما شدد المصدر ذاته على تفعيل منصات إلكترونية موحدة تمكن مغاربة العالم من إتمام الإجراءات الإدارية للاستثمار عن بعد، مع دعم خدمات الإرشاد والمتابعة المباشرة، وفتح مكاتب تمثيلية استثمارية في الدول التي تعرف كثافة عالية للجالية المغربية، لتقديم الإرشاد والمساعدة المباشرة في الاستثمار بالمغرب.

أما على مستوى تقوية التمثيلية السياسية لمغاربة العالم، فقد طالبت الورقة التحليلية ذاتها، تخصيص مقاعد لممثلي الجالية في مؤسسات مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ومؤسسات مكافحة الفساد، وتعزيز الآليات القانونية التي تضمن مشاركة الجالية في الانتخابات الوطنية، وتمكينهم من تمثيل مصالحهم بشكل مباشر داخل البرلمان.

كما شدد مرصد العمل الحكومي على تقوية النقل البحري عبر إطلاق شركة وطنية تتكفل بخفض تكاليف السفر وتوفير عروض تنافسية، وتقديم أسعار تنافسية للجالية المغربية، خاصة القادمة من أمريكا الشمالية وأوروبا، إضافة إلى اعتماد نظام رقمي متكامل لتسريع وتبسيط المساطر الجمركية وتوفير فرق دعم طارئة خلال فترات الذروة، مع زيادة الطاقة الاستيعابية للموانئ والمطارات، مع تعزيز الخدمات الموجهة للجالية.

وفي ما يتعلق بإصلاح البيروقراطية الإدارية ومحاربة الفساد، فقد اقترحت الهيئة المدنية إنشاء شباك موحد يوفر جميع الخدمات الإدارية الموجهة للجالية في أماكن تجمعهم خلال فصل الصيف وفي الإدارات الرئيسية، ورقمنة جميع المساطر الإدارية لجعلها متاحة عن بعد، مع تقليل الاعتماد على الوثائق الورقية، إلى جانب وضع آليات صارمة لمحاربة الفساد الإداري مثل إطلاق منصات للإبلاغ عن الممارسات غير القانونية وضمان حماية المبلغين.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
عابر الطريق
المعلق(ة)
19 نوفمبر 2024 19:10

عظيمة والله عظيمة هاته الدراسة التي تنص على ما يخص في هاذ البلد الإفتراضي الغير القائم حالياً ليمكن لمغاربة العالم أن يساهموا في اقتصاد هاد البلد المخيل، الوضع الحالي المر للبلد الواقعي هو في واد وداك المكتب الدراسي في واد آخر، ولمن تنادي يا مغربي مهما كان موقع موطنك. إبدؤوا أولاً بتصفية الميدان من الخبث من جميع أنواعه لعل وعسى نعتر على مدخل بلدنا الإفتراضي.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x