لماذا وإلى أين ؟

بادو يحذر من حروب طائفية وعرقية في المغرب بسبب الأمازيغية (حوار )

انطلقت احتفالات رأس السنة الأمازيغية منذ يوم أمس الجمعة في مختلف مناطق العالم، ومنها المغرب، حيث شرعت المؤسسات المنتخبة وجمعيات المجتمع المدني في تنظيم أنشطة ثقافية وفنية، كما هو الشأن بالنسبة لمدن مغربية؛ مثل أكادير، احتفالات واحتفاء بهذه المناسبة التي يسميها “إيمازيغن” بـ”إيض يناير”.

وحيث أن هذه المناسبة ارتبطت لدى الأمازيغ بالإحتفال بالسنة الفلاحية، إلا أنه في الوقت الراهن، أصبحت المنظمات المدنية والحقوقية وحتى الرسمية تخصص هذه المناسبة للإحتفال وكذا نقاش واقع الأمازيغية في المغرب وما حققته وما ينتظرها في اللاحق من السنوات.

ويتعبر تنزيل مضامين القانون التنظيمي رقم 16ـ26 المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، أهم ورش تنتظره الجمعيات المدنية والحقوقية المنضوية تحت لواء الحركة الأمازيغية بالمغرب.

لمناقشة انخراط الإدارة العمومية المغربية في مسار إدماج الأمازيغية والتحديات التي تواجهها هذه الأخيرة، تستضيف صحيفة “آشكاين” الإخبارية؛ في فقرة “ضيف السبت” لهذا الأسبوع، الفاعل المدني والمهتم بملف الأمازيغية؛ عبد الله بادو.

واقع البرامج والمخططات الحكومية لكل الحكومات التي جاءت بعد دستور 2011، لا يعكس الأهمية التي حضيت بها الامازيغية منذ ذلك الوقت، رغم أهمية محطة تعديل دستور المملكة سنة 2011. حيث تمكنت الأمازيغية من اكتساب صفة اللغة الرسمية الى جانب اللغة العربية، غير أن مسار إقرار وتفعيل القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل طابعها الرسمي وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، عرف تماطلا وتسويفا لا تفهم مسوغاته ولا مبرراته لحدود الساعة، كما أن القانون التنظيمي جاء دون مستوى انتظارات وتطلعات ناشطي الحركة الامازيغية.

على مستوى الإدارات العمومية يمكن تحديد التزامات الدولة والمؤسسات في توفير بنيات للاستقبال والإرشاد باللغة الأمازيغية (المادة 24). كما يجب ان تعمل المؤسسات العمومية على تأهيل موظفيها المعنيين بما يمكنهم من التواصل باللغة الأمازيغية مع المواطنين المتحدثين بها (المادة 25). وخلال عشر سنوات في التحرير باللغة الأمازيغية إلى جانب اللغة العربية، البيانات المضمنة في الوثائق الرسمية (البطاقة الوطنية للتعريف، عقد الزواج، جوازات السفر، رخص السياقة…) (المادة 21). الى جانب الكتابة باللغة الأمازيغية إلى جانب اللغة العربية للبيانات المضمنة في القطع والأوراق النقدية، والطوابع البريدية، وأختام الإدارات العمومية (المادة 22). وتوفر باللغتين الأمازيغية والعربية المطبوعات الرسمية الموجهة إلى العموم، والوثائق والشهادات المسلمة من ضباط الحالة المدنية، والوثائق والشهادات المسلمة من السفارات والقنصليات المغربية (المادة 23). وادراج الأمازيغية ضمن المواقع الإلكترونية الإخبارية للمؤسسات العمومية (المادة 26).

بالنظر للالتزامات أعلاه كما وردت في القانون التنظيمي، فعلى أرض الواقع يتضح وبجلاء انه لم يتم الوفاء بهذه ابسط قدر من هذه الالتزامات إلا في عدد محدود من الإدارات العمومية، كما ان الحكومة الحالية لا تتوفر على استراتيجية واضحة لتنزيل هذه الالتزامات كتدابير وإجراءات واضحة مستقبلا.

للأسف المتتبع للورش سيقف عند حقيقة واضحة وهي أن الدولة لا تتوفر على استراتيجية حقيقة تجاه الامازيغية، والدليل على ذلك منهجية إعداد القانون التنظيمي وكيفيات تنزيله والتي للأسف لم تتقدم في إرساء سياسات واضحة بأهداف ومؤشرات قياس واضحة ودقيقة، ولا مجال للقول إنها رفعت السقف وتجاوزت مطالب الحركة الامازيغية، وكل الأرقام تزكي ما أقوله كيف يمكن تفسير تراجع عدد الناطقين بالأمازيغية بنسبة 10 % خلال عقدين من الزمن في ظل هذه السياسات التي تروم الارتقاء بالأمازيغية؟ وكيف يمكن تفسير أن 1,5 % من المغاربة يتقنون الكتابة بحرف تيفناغ بعد ربع قرن من ادماج اللغة الامازيغية في المنظومة التربوية؟ …الخ.

من خلال تتبع سير الاوراش المتعلقة بتفعيل الطابع الرسمي للغة الامازيغية، خاصة في مجالات التعليم والإعلام والإدارة العمومية، يتضح أن المسؤولية في تعثر هذه الأوراش هي مسؤولية مباشرة الدولة ومؤسساتها لأنها هي من تمتلك القرار السياسي والاداري والتنظيمي لوضع وإعداد وتنفيذ السياسات العمومية والقطاعية، وأي تعثر أو اختلال في هذا المجال يحسب على الحكومة وكل المؤسسات المعنية بذلك، إذ كيف يعقل أن يتم التنصيص على التزامات واضحة في القانون التنظيمي، وهي دون الحد الأدنى الذي تطالب به الحركة الأمازيغية، تنزيلا للفصل الخامس من الدستور وتعمل الحكومات المتعاقبة، كل بطريقته وحيله، على التسويف والمماطلة والتملص من تنفيذ مقتضيات قانونية وتشريعية أقرتها مختلف مؤسسات الدولة، بل إن منها من مططت الآجال للضعف دون تقديم مبررات أو دواعي ذلك وفي إخلال صريح بالقانون التنظيمي والدستور، وهذا يسائل كل مكونات الحكومة والمعارضة البرلمانية والتي لم تعمل على تفعيل أدوارها واختصاصاتها في مساءلة الحكومة وتقييم عملها.

ولا يمكن لوم الحركة الامازيغية حول أدوارها ووظائفها لعدة اعتبارات، منها ان اغلبيتها تعاني من التضييق والمنع، كالشبكة الامازيغية من اجل المواطنة التي تم حرمانها وحرمان فروعها من وصل إيداع ملفها القانون منذ 2014 الى يومنا هذا في خرق سافر لقانون الحريات العامة والحق في التنظيم،الحكومة الحالية التي جاءت بعد حكومتي العدالة والتنمية، “عُلقت عليها آمال وانتظارات كبيرة من أجل تحريك عجلة النهوض بالأمازيغية، ولكنها بدورها ظلت تراوغ من أجل تلافي الانخراط في أجرأة قانون تنظيمي يكون في مستوى التطلعات، ولم تُوف بالتزاماتها”.

الى جانب كون الأحزاب المشّكّلة للحكومة الحالية لا تحمل أي التزامات تجاه الأمازيغية، والحكومة لا تتوفر على رؤية واضحة للنهوض بها، وربما لا رغبة لها في ذلك، فالإجراءات الـ25 التي وضعتها، هي إجراءات بدون وثائق مرجعية، بعد إقبار المخطط المندمج الذي تم إعداده في آخر ولاية سعد الدين العثماني.

وبالرغم من أن الحركة الأمازيغية ما زالت غير راضية عمّا تحقق للأمازيغية، إلى حد الآن، إلا أن خطوة إقرار رأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا، هي إشارة قوية من طرف القصر إلى أن الدولة ماضية في التزامها بالنهوض بالأمازيغية، والحكومة، بعد هذه الخطوة، عليها أن تسارع إلى تدارك التأخر الحاصل والاختلالات التي شابت القانون التنظيمي، دون التذرع بأي مبررات.

حسب اعتقادي وقناعتي فان اختيار الانتظام في حزب أو تنظيم يدافع على الأمازيغية له ما يبرره في ظل استمرار تعنث واقصاء مختلف الفاعلين للمطلب الامازيغي في مشاريعهم السياسية، وقد يتخذ ذلك اشكالا أكثر تطرفا إن لم يتم التعامل مع الشارع بطريقة تستوعب وتحتضن مطالبه وتتجاوب من انتظاراته. ويمكن لنا استشراف ذلك من خلال قراءة متأنية لما يتم نشره على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يلاحظ ارتفاع منسوب العنصرية والتمييز في خطاب المواطنين/ات وقد نجد من بينهم أكاديميين ومفكرين وليس فقط عامة الناس.

وعليه، أظن أن هذا السؤال ومدى مشروعيته يرتبط بمدى وعي الأحزاب السياسية واحتضانها وتبنيها للمطلب الامازيغي في اطار دولة ديمقراطية حداثية تحترم التعدد والتنوع وتعمل من اجل استئصال كل اشكال التمييز والعنصرية وتجريمها، حيث لم يعد مقبولا الاستمرار في تبني مقاربات وخطابات موغلة في التمييز والاقصاء في ظل التحولات المجتمعية والسياسية التي عرفها المغرب خلال العقدين الأخيرين، وأي انزياح أو تخلف عن هذا يوفر أرضية ومقومات وشروط بلورة مشروع أمازيغي للتعبير والنضال من أجل هذه المطالب، وقد ينزلق إلى مستويات أكثر تطرفا مستقبلا كرد فعل تجاه استمرار الدولة ومؤسساتها والأحزاب ومنظمات المجمع الدني في صم آذانها تجاه مطالب المواطن الأمازيغي. ولكم اطلاع على تجارب سيئة لبلدان في هذا المجال والتي أدت الى حروب طائفية وعرقية هدمت ركائز ودعائم الدولة الديمقراطية الحداثية.

أتمنى ان يلتقط مختلف الفاعلين السياسيين والمؤسساتيين الاحصائيات الأخيرة للمندوبية السامية للتخطيط ويستشعروا حجم الأضرار التي سببتها السياسات الاقصائية والعنصرية للدولة تجاه الامازيغية على مدى ستة عقود منذ استقلال البلاد، حيث تراجعت حيوية اللغة الامازيغية وفقد وظيفيتها في الحياة اليومية للمواطنين/ات، رغم سن العديد من الإجراءات والتدابير خلال العقدين الأخيرين، و يتضح أن النزيف لازال مواصلا وتفقد الامازيغية مكانتها بشكل متسارع وخطير يهدد مستقبلها، ولا يمكن أن ننسى أو أن نهمل اثار ذلك على كافة الأصعدة خاصة في مؤشرات التنمية وتثمين التراث المادي واللامادي للمغرب الى جانب استثمار ذلك في تحقيق تنمية مستدامة.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

7 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
مسلمة
المعلق(ة)
13 يناير 2025 11:17

لقد انصهر المغاربة كافة بجميع فصاءلهم امازيغ و عرب وافارقة و بني اسرائيل انصهارا تاما خصوصا بعد مجيء الاسلام حيث نجد قبائل استعربت و عربا و بني اسرائيل استشلحوا و اصبح من الصعب الان ان يثبث لنفسه او لغيره انه ينحدر من هدا العرق او داك .المهم اننا كمغاربة نتمتع بقوة الندماج و علينا ان نحافظ عليه سواء استطعنا ان نعيد الامازيغية الى الحياة ام لم نستطع. فاللغة ادا كانت لغة حية فهي تفرض نفسها و ان لو تكن
اندثرت شئنا ام ابينا.
لا يغرنكم احد بالعرقية فكلنا من اادم و ادم من تراب ة المهم هو التمسك بالاخلاق الجيدة التي تميز بها المغاربة اثر انصهارهم واحترامهم لبعضهم البعض

محمد عياش- خنيفرة.
المعلق(ة)
12 يناير 2025 15:19

العنوان الذي اختير للحوار يؤشر على أن صاحبه من عشاق الإثارة الإعلامية.في مثل هذه المواضيع الحساسة نختار العناوين المحايدة، والموضوعية والإيجابية لحفز القارئ على قراءة الحوار بشهية مفتوحة،وبروح تفاؤلية.
المغرب، بقيادة ملكيتنا الحكيمة، لن يسقط في فخ التشرذم العرقي، أو في الطائفية السمجة ، والسبب هو أن المغاربة جميعا يحبون هذا الوطن، ويدركون قيمة الامن الذي يسوده. وكل من يفكر في زرع الفتنة، يتصدى له المغاربة على اختلاف انتماءاتهم المجالية، والثقافية. قوة المغرب في تكتل مواطنيه دون استثناء كلما تعلق الأمر بوحدته واستقراره، وقضية مغربية الصحراء أسطع دليل .

احمد
المعلق(ة)
12 يناير 2025 14:05

اعتقد انه قد حان الوقت للتخلص من ثقل الماضي الذي يشدنا الى الوراء والانخراط في مشروع ثقافي يرتكز على لغة العلم والمعرفة التي اوصلت امما غيرنا الى موقع الريادة في العالم.

Fadli
المعلق(ة)
12 يناير 2025 08:35

هل حقا ما ينقص هذا البلاد هو الأمازيغية؟ …انا ناطق بالامأزيغية ..اقول” كان هاني وش،
رى معزة”.

ملاحظات
المعلق(ة)
11 يناير 2025 22:11

العاملون للواء الأمازغية يضمرون ما لا يظهرون فلو ارادو للأمازغية فرض نفسها في العالم وليس المغرب وحده لاختاروا استعمال الحروف اللاتنية كما هو في بعض الأقاليم الاسبانية

ما شاء الله
المعلق(ة)
11 يناير 2025 22:04

أية حروب تتحدث عنها . عنوان مشروم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي.

متابع
المعلق(ة)
11 يناير 2025 20:52

المغرب الحمدلله موحد بأمازيغه و عربه و يهودييه و مسيحييه لا داعي للتقلاز من تحت الجلباب

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

7
0
أضف تعليقكx
()
x