لماذا وإلى أين ؟

”كِتَاب أَثَار جَدَلا”.. طَه حسِين وَزَوْبَعَة التَّشْكِيك فِي الْقُرْآن وَفِي أَنْبِيَاء وَوُجُود الشِّعْر الْجَاهِلِيِّ ح04

” كتاب أثار جدلا” رحلة في عالم الأفكار الممنوعة، سلسة تنشر على شكل حلقات طيلة شهر رمضان في ”آشكاين”، تتناول مؤلفات خلقت ضجة كبيرة، في السياسة، في الدين، كما في قضايا اجتماعية.

هذه الكتب دفعت مؤلفيها أثمانًا باهظة، بلغت حد التكفير والتهديد بالقتل وتنفيذه أحيانا، وتارة أخرى تدخلت الرقابة وبقيت هذه المؤلفات ممنوعة من التداول لسنوات.

لكنها في المقابل أحدثت ثورة فكرية وخلخلت مفاهيم كانت بمثابة طابوهات لفرات طويلة.

سيكون قراء ومتابعو جريدة “آشكاين” على موعد مع هذه السلسلة طوال أيام شهر رمضان.

 الكاتب والإعلامي المغربي عبد العزيز كوكاس لـ ''آشكاين'': "الأفكار لا يمكن حبسها، فهي قادرة على إيجاد طريقها إلى العقول الباحثة عن التغيير " 

الحلقة الرابعة: في الشعر الجاهلي

أثار كتاب “في الشعر الجاهلي” لعميد الأدب العربي طه حسين، الذي نُشر سنة 1926، عاصفة من الجدل في الأوساط الأدبية والدينية في العالم العربي والإسلامي. وقد كان هذا الجدل بمثابة زلزال هز أركان التراث الأدبي العربي، حيث تجرأ طه حسين على التشكيك في صحة نسبة بعض الشعر الجاهلي إلى العصر الجاهلي، وطرح آراء جريئة حول أصول هذا الشعر وتاريخه، مؤكدا أن المسلمين انتحلوه بعد الفتح لأسباب دينية أو سياسية وأخرى قبلية.

يركز الكتاب على أحد أبرز شعراء العصر الجاهلي، امرؤ القيس، مع إثارة الشكوك حول وجوده التاريخي. يرى طه حسين في الكتاب أن احتمال وجود امرؤ القيس من الأساس قد يكون موضع تشكيك، إذ يقول بأن غالبية الشعر المنسوب إليه ربما لا تعود له فعليًا، بل هو شعر حمله العرب عليه أو نسبه الرواة الذين جمعوا الشعر في القرن الثاني الهجري. انطلاقًا من هذا التصور، وصل طه حسين إلى استنتاج مفاده أن شعراء الجاهلية إما أنهم لم يوجدوا حقًا، أو أن ما يُنسب إليهم من الشعر هو في الحقيقة ليس لهم مباشرة.

طه حسين دعم فكرته التي تقوم على التشكيك في صحة الشعر الجاهلي من خلال التركيز على مسألة لغة التدوين. وطرح تساؤلاً حول كيفية تدوين هذا الشعر باللغة العربية الفصحى، وهي لغة القرآن الكريم، رغم وجود العديد من اللهجات المختلفة في شبه الجزيرة العربية. ولم يجد لذلك تفسيراً سوى أن الشعر دُوِّن لاحقاً على يد المسلمين.

جاء في الصفحة 33 من الكتاب: ”هناك شيء بعيد الأثر لو أن لدينا أو لدى غيرنا من الوقت ما يمكننا من استقصائه أو تفصيل القول فيه، وهو أن القرآن الذي تلي بلغة واحدة ولهجة واحدة هي لغة قريش ولهجتها، لم يكد يتناوله القراء من القبائل المختلفة حتى كثرت قراءاته وتعددت اللهجات فيه وتباينت تباينًا كثيرًا … إنما نشير إلى اختلاف آخر في القراءات يقبله العقل ويسيغه النقل وتقتضيه ضرورة اختلاف اللهجات بين قبائل العرب التي لم تستطع أن تغير حناجرها وألسنتها وشفاهها لتقرأ القرآن كما يتلوه النبي وعشيرته من قريش، فقرأته كما كانت تتكلم …”

لامس الكتاب أيضا بعض المسائل الدينية، حيث شكك في صحة بعض القصص الواردة في القرآن الكريم، مما أثار غضب رجال الدين.

يقول طه حسين في مؤلفه المثير للجدل: ”في شعر أمية بن الصلت أخبار وردت في القرآن كأخبار ثمود وصالح والناقة، ويرى الأستاذ هور أن في ورود هذه الأخبار في شعر أمية بعض المخالفة لما ورد في القرآن دليلا على صحة هذا الشعر من جهة وعلى أن النبي استقى من أخباره من جهة أخرى”. ويرى نقاد أن طه حسين يتهم الرسول محمد من طرف خفي أنه أتى بالقرآن من عنده.

كما تناول طه حسين بشيء من الشك الوجود التاريخي للنبيين إبراهيم وإسماعيل. وأبدى تساؤلاته حول قصة هجرة إسماعيل إلى مكة وما نتج عنها من نشوء العرب المستعربة هناك. وتعد هذه النقطة من أبرز القضايا الجدلية التي طرحها في كتابه.

طه حسين شكّك في حديث القرآن عن إبراهيم وإسماعيل، معتقدًا أنه لا يشكل دليلًا كافيًا على وجودهما التاريخي.

جاء في مقتطف من الكتاب: “للتوراة أن تحدثنا عن إسماعيل وإبراهيم، وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضا، ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي، فضلا عن إثبات هذه القصة التي تحدثت عن هجرة إسماعيل بن إبراهيم إلى مكة ونشأة العرب المستعربة فيها”.

بهد الضجة الطبيرة التي أحدثها الكتاب، طالت حملة تكفير واتهامات بالزندقة الأديب طه حسين، وتعالت أصوات مطالبة بمحاكمته.

بالفعل، خضع طه حسين، سنة 1956، للتحقيق أمام النائب العام بتهمة الإساءة للإسلام والتشكيك في نسب النبيين إبراهيم وإسماعيل. وقد دافع عن نفسه بإيضاح أن ما ذكره كان مجرد فرضيات علمية تهدف إلى تعزيز البحث العلمي، مؤكدًا على المستوى الإنساني إيمانه بصحة ما جاء في القرآن. انتهى التحقيق بتبرئة طه حسين، وسُحب الكتاب من الأسواق ليعاد نشره لاحقًا تحت عنوان جديد ”في الأدب الجاهلي”. ورغم كل هذا الجدل، لا يزال الكتاب حاضرًا في الأوساط الفكرية حتى اليوم، مشكلاً شاهدًا على مرحلة مهمة من الصراع بين التقليد والتجديد الفكري.

محاور الجدل في الكتاب

  • الشك في صحة الشعر الجاهلي: اعتمد طه حسين في منهجه على الشك الديكارتي، وطبقه على الشعر الجاهلي، مشككًا في صحة نسبته إلى العصر الجاهلي، ومثيرًا تساؤلات حول الظروف التي أنتج فيها هذا الشعر.
  • المنهج النقدي: استخدم طه حسين منهجًا نقديًا جديدًا في دراسة الأدب العربي، مما أثار حفيظة المحافظين الذين اعتادوا على التعامل مع الأدب بمنهج تقليدي.
  • التأثيرات الخارجية: أشار طه حسين إلى تأثيرات خارجية على الشعر الجاهلي، مما اعتبره البعض مساسًا بالهوية العربية الأصيلة.
  • المسائل الدينية: لامس الكتاب بعض المسائل الدينية، حيث شكك في صحة بعض القصص الواردة في القرآن الكريم، مما أثار غضب رجال الدين.

ردود الفعل

  • معارضة شديدة: واجه الكتاب معارضة شديدة من قبل المحافظين ورجال الدين، الذين اتهموا طه حسين بالزندقة والإلحاد.
  • دعم من المثقفين: تلقى طه حسين دعمًا من بعض المثقفين والأدباء، الذين رأوا في كتابه محاولة لتجديد الأدب العربي وتحديثه.
  • محاكمة طه حسين: رفع الأزهر دعوى قضائية ضد طه حسين بتهمة ازدراء الأديان، لكن المحكمة برأته.
  • تغيير اسم الكتاب: تم تغيير اسم الكتاب فيما بعد إلى “في الأدب الجاهلي” لتخفيف حدة الجدل.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x