لماذا وإلى أين ؟

الحراݣة” الجدد .. الهاربون من “الحݣرة” نحو الموج 

عبد الإلاه حمدوشي

“المغاربةُ قدْ يتحمّلون الفقر، لكنهم لنْ يصبروا على الظلم”.

هذا ما كان عبد الإله بن كيران رئيس الحكومة السابق يردده باستمرار متفاخرا خلال ولايته الحكومية، ومؤكدا أن المغاربة مرتاحون للنفس الديمقراطي الذي أصبحت تعيشه البلاد منذ إصلاحات 2011، فقبل ثلاث سنوات من الآن، وبالضبط سنة 2015، كانت استطلاعات الرأي تقول إن “80  في المائة من المغاربة مرتاحون لحكومتهم ورئيس حكومتهم”. أما اليوم فأنا متأكد أن استطلاعات الرأي إن أجريت ستحمل خبرا “صاعقا” للرأي العام الوطني.

موجة الربيع العربي وخطاب 9 مارس 2011 التاريخي، ودستور المملكة الجديد وحكومة ابن كيران “الشرعية” التي أفرزتها انتخابات 2011 النزيهة، كلها أحداث رفعت من منسوب تفاؤل المغاربة بمغرب جديد وأفق سياسي أرحب داخل جغرافيا الوطن الواحد، خاصة عندما لامس الشباب المغربي الفعل والنقاش السياسي لأول مرة في حياته واختار ممثليه بديمقراطية لطالما افتخرنا بها حينها، وعبر المغاربة عن آرائهم بحرية واحتجوا بطرق مختلفة كما لم يفعلوا من قبل.

لكن اليوم كل شيء تغير، فبعد انتخابات السابع من أكتوبر 2016 و”البلوكاج” السياسي الذي قتل أمل المغاربة في الانتقال الديمقراطي، وضرب الإرادة الشعبية عرض الحائط، تبدو كل المجهودات التي يحاول البعض بذلها للتغيير متجاهلا محطة “البلوكاج” مثل نفخ الهواء في رئتي رجل ميت. فالفقر بالإضافة إلى فقد الثقة يخلقان مع الوقت مجتمعات مريضة، يخلقان نمطا جديدا من العلاقات الاجتماعية المعقدة.

ليس الجوع أخطر شيء سيصيب الناس ولا الموت.. الشيء الأخطر هو تغير طريقة التفكير وكراهية الوطن واليأس منه، والإحساس بالاحتقار والدونية، والتخلي بدون شعور عن مشاعر إنسانية مهمة مثل الوطنية والتطوع والتعاون والتضامن…

شباب ما بعد السابع من أكتوبر 2016، أغلبهم يعيش في دوامة وتيه وانعدام ثقة. وشعورهم بالمسؤولية اتجاه أنفسهم وأهاليهم، هو ما جعلهم يركبون قوارب الموت نحو الضفة الأخرى على أمل صناعة المستقبل بعيدا عن “الصناعة التقليدية” لواقع معاش متحكم فيه من طرف من لا يحب مصطلحات من قبيل: الحرية والديمقراطية والإرادة الشعبية والعدل…

الآباء لا حيلة لديهم .. والأمهات في الخلف متعاطفات يحاولن أن يعوضن كل هذا  النقص والعجز العائلي بكنس أرضية البيت المكترى مرات عديدة في اليوم الواحد.. فالأم تشعر وكأنها أيضا لا قيمة لها في حل مشاكل الأسرة…

فبعدما ظننا أن الهجرة السرية للشباب المغاربة نحو دول أروبا قد انتهت وولت، وأصبحت مجرد حكايا من ماض بئيس عنوانه قلة ذات اليد والجوع والتطلع نحو مستقبل مفترض، ها هو شباب مغرب 2018 يركب مرة أخرى القوارب محملا باليأس المخلوط بالأمل في الوصول إلى “جنة الأرض” هناك بأروبا، هربا من البطالة والفقر و”الحگرة” التي ترقبها عيناه ويتحسسها في جيوبه وجيوب أهله البؤساء.

هرب هؤلاء الشباب على متن قوارب الموت ليس هدفه الحصول على المال والترف فقط، بل هو هروب من يخشى عيش نفس مصير شباب الريف وجرادة وتوفيق بوعشرين… إنه هروب من يرى أن بقاءه رهين برفع صوته “المزعج” للمطالبة بالحقوق قبل القيام بالواجبات اتجاه الوطن…

إنه ليس انتحارا.. إنه محض تحدٍّ للموت قصد التشبث بالحياة…

ففي البلدان المتقدمة، البؤس و”الحݣرة” حالة فردية تواجهها مؤسسات، أما عندنا فهي حالة جماعية ومؤسساتية يواجهها أفراد قلائل تبدو مجهوداتهم كمن يقدم حذاء لرجل قد فقد رجليه

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x