2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
من تندوف إلى العدم: البوليساريو ككذبة جيوسياسية

حسام بوزكارن
في أقصى الجنوب الجزائري، وسط صحراء تندوف اليابسة، يستمر تنظيم البوليساريو في اجترار سرديات قديمة، محاولا أن يضفي على نفسه مشروعية مفقودة، وغطاء نضالي مشروخ. خمسة عقود من الوجود الوظيفي، لا لشيء سوى لتأبيد وهم الانفصال، وتغذية صراعات إقليمية لم يكن الصحراويون يوما أصلها ولا محور قرارها. ليس هناك مشروع وطني، ولا بوصلة سياسية، بل مجرد خطاب ميتافيزيقي يتغذى على النفي، ويقتات على تمجيد العدم.
كيان بلا شرعية ولا أفق
لا تملك البوليساريو من مقومات التنظيم السياسي إلا الاسم. منذ نشأتها، وهي كيان مرتهن بالكامل للإرادة الجزائرية، يتحرك بتعليمات خارجية، ويعجز عن إنتاج أي استقلالية في الرؤية أو القرار. لا مؤسسة شرعية منتخبة، لا تداول قيادي، لا جهاز قضائي مستقل، ولا حتى ملامح لهيكل إداري ذي مصداقية. ما يسمى بـ”الجمهورية الصحراوية” ليس سوى صورة كرتونية لدولة لم تولد ولن تولد، لأنها ببساطة تعاكس منطق الجغرافيا، والتاريخ، وإرادة السكان.
منظومة البوليساريو تشتغل كذراع موازية، لا تهدف لبناء وطن، بل لتعطيل مسار سيادي قائم على الأرض، وهو مسار المغرب الموحد. إنها وظيفة أكثر منها فكرة، واجهة أكثر منها كيان. وحين يغيب المشروع، يصبح العنف هو التعبير الوحيد عن الاستمرارية.
المخيمات… سجن مقنع بلغة التحرر
في تندوف، لا يقيم الناس في مخيمات لاجئين، بل يحتجزون في معسكرات صمت. آلاف من الصحراويين يرغمون على العيش في شروط لا إنسانية، محرومين من حرية التنقل والتفكير، مجبرين على ترديد خطاب لا يمثلهم، ومعرضين للتنكيل إن هم عبروا عن رأي مغاير. كل صوت حر يخنق، وكل محاولة للانشقاق تقمع، بينما تقدم المخيمات للعالم على أنها مجال مقاومة.
لكن الحقيقة أن ما يجري هناك هو احتجاز طويل الأمد لمواطنين يراد لهم أن يظلوا وقودا لصراع لا يخدم سوى أطرافا خارجية. منظمات دولية متعددة وثقت حالات اختفاء، قمع، تجنيد قصر، وتجاوزات جسيمة ضد حقوق الإنسان. فأين هي حركة التحرر التي تبدأ من سجن شعبها؟
اختطاف تمثيلي واستغلال إنساني
تتحدث البوليساريو باسم الصحراويين دون تفويض، وتمارس عليهم وصاية سياسية وأخلاقية، في تعد صارخ على مبدأ الاختيار الحر. الآلاف ممن يعيشون في تلك المخيمات لا يريدون الانفصال، ولا يحملون أحقادا ضد وطنهم المغرب، لكنهم يمنعون من العودة، ويطاردون بالتخوين، وتستعمل مآسيهم كورقة للمتاجرة السياسية.
إنها حالة اختطاف مزدوجة: اختطاف للجسد في جغرافيا معزولة، واختطاف للهوية في خطاب زائف. لا شيء أكثر لا أخلاقية من أن يمنع الإنسان من العودة إلى وطنه بدعوى تحريره منه.
المغرب… السيادة بالممارسة لا بالشعارات
في الضفة الأخرى، يواصل المغرب تكريس اختياراته السيادية فوق أرضه، لا بالخطابة، بل بالفعل. تجربة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب ليست تنازلا، بل تعبيرا عن نضج سياسي يستوعب التنوع داخل الوحدة.
الصحراء المغربية تشهد دينامية تنموية غير مسبوقة: مؤسسات منتخبة، مشاريع استراتيجية، حضور استثماري، وانفتاح مدني متصاعد. الفرق شاسع بين وطن يبني الطرق والموانئ، وبين تنظيم لا يتقن سوى نصب الخيام وإلقاء الخطب.
المغرب لا يساوم على سيادته، لكنه لا يغلق باب العودة في وجه أبنائه. وهذا في حد ذاته دليل على الفرق الجوهري بين دولة ذات سيادة، وتنظيم بلا روح.
البوليساريو ليست حركة تحرر، بل واجهة مهترئة لكيان وظيفي فقد مبرراته. لا تحمل مشروعا، ولا تمثل شعبا، ولا تمتلك أفقا. من تندوف إلى العدم، لا طريق، لا مشروع، لا قضية. أما المغرب، فماض في تثبيت أقدامه، ليس بفرض الانتماء، بل ببناء وطن يجعل العودة إليه فعل كرامة، لا قيدا.
بين استغلال الإنسان في تندوف، وتكريمه في وطنه، يظل الاختيار واضحا لكل من قرر أن لا يعيش أداة، بل كائنا حرا.
الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي “آشكاين” وإنما عن رأي صاحبها.
خطاب رصين يعبر عن شجاعة ادبية وحصافة سياسية لها دراية عمقية بالواقع المزري لمحتحزي المخيمات.