2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

شدد عزيز درويش، رئيس الجمعية المغربية لرؤساء مجالس العمالات والأقاليم، على الأهمية البالغة للتمويل المناخي المحلي ودوره المحوري في مواجهة تحديات التغير المناخي وتحقيق التنمية المستدامة في المغرب.
وأعرب درويش في كلمة ألقاها في “منتدى شفشاون للتمويل المناخي المحلي” يومي 8 و 9 يوليوز 2025، عن سعادته بالمشاركة في هذا المنتدى المنظم بشراكة مع التحالف العالمي لعمداء البلديات من أجل المناخ، مقدماً الشكر الجزيل لرئيس جماعة شفشاون على هذه الدعوة الكريمة. واعتبر المنتدى “فرصة للحديث عن موضوع التمويل المناخي المحلي الذي يكتسي أهمية بالغة بالنسبة لمستقبل البشرية ويطرح إشكالات بالنسبة للمدبرين العموميين، وفرصة للاطلاع على المجهودات المبذولة محلياً وجهوياً لمواجهة التحديات المطروحة نتيجة التغير المناخي، وذلك تماشياً مع الاستراتيجية التي تنهجها بلادنا بهذا الخصوص تنفيذاً لتوجيهات الملك محمد السادس .”

التغير المناخي: تحديات متفاقمة رغم الجهود الوطنية
أكد درويش أن التغير المناخي أصبح من التحديات الكبرى التي تواجه البشرية، “مما يحتم التحول نحو اقتصاد أخضر لما له من آثار إيجابية لصالح عملية التنمية المستدامةـ” ومع ذلك، أشار إلى أن هذا التحول يواجه “العديد من التحديات بفعل ضعف أداء الجهات الفاعلة في مجال التمويل الأخضر، بما في ذلك البنوك والمؤسسات الاستثمارية والأسواق المالية، ونقص الوعي بمختلف مصادر التمويل المناخي ومحدودية مشاركة المستثمرين.”
وعلى الرغم من أن المغرب يُصنّف كدولة ذات انبعاثات منخفضة، إلا أنه “من الدول المعرضة بشدة لتأثيرات تغير المناخ بسبب موقعه الجغرافي،” وذكر درويش أن المغرب عرف خلال السبعين سنة الأخيرة عشرين موسم جفاف، أي ما يقارب ثلث تلك الفترة، مشيراً إلى أن “سيناريوهات التغيرات المناخية تشير إلى أن مناخ المملكة المغربية سيصبح قاحلاً أكثر بسبب قلة التساقطات المطرية وارتفاع درجات الحرارة والظواهر الطبيعية الحادة المتكررة،” وقد أصبحت البلاد “أحد أكثر بلدان العالم معاناة من الإجهاد المائي، وتواجه ضغوطاً متزايدة بسبب الجفاف، ومن شأن ذلك أن يؤثر سلبياً على الموارد المائية والتنوع البيولوجي وكذا على قطاع الفلاحة على وجه الخصوص.”

التزام ملكي بعبور نحو الاقتصاد الأخضر
وأشاد درويش بالانخراط المبكر للمملكة المغربية، تنفيذاً لتوجيهات الملك محمد السادس، في دينامية المجتمع الدولي والجهود الرامية لتحقيق العبور إلى اقتصاد أخضر، وقد بدأت المملكة “سلسلة من الإصلاحات المؤسساتية والتنظيمية والمالية، وتبنت مجموعة من الاستراتيجيات والتشريعات الداعمة للتنمية المستدامة،” وتطمح المملكة إلى خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 53% بحلول عام 2035 وتحقيق الحياد الكربوني في عام 2050، معتمدة على استراتيجيات قطاعية عدة لتحقيق هذه الأهداف الطموحة.

تحديات التمويل: عقبة أمام التنمية المحلية المستدامة
غير أن تحقيق التنمية المحلية المستدامة يواجه تحديات جمة، أبرزها محدودية الموارد المالية وعقبات التمويل. فـ “رغم أن المغرب يحتل مكانة لا بأس بها من حيث الحصول على التمويل، إلا أن فجوة تمويل المناخ في المغرب لا زالت كبيرة وقد تتسع في السنوات المقبلة، مما يبرز أهمية إيجاد بدائل تمويلية مبتكرة لسد فجوة التمويل الأخضر.”
وأكد درويش أن الجماعات الترابية تُعد “حجر الأساس في تحقيق التنمية المستدامة”، وهي مطالبة بإيجاد حلول مستدامة للتحديات البيئية والاجتماعية والاقتصادية. وأشار إلى العلاقة المزدوجة بين التنمية المستدامة وتغير المناخ، حيث “يؤدي تغير المناخ إلى إبطاء عجلة التنمية المستدامة وأحياناً وقفها، ويؤثر على الظروف المعيشية الطبيعية والبشرية الرئيسية مما يساهم في تفاقم الهشاشة والهجرة وتدهور الأنظمة البيئية وصعوبة الوصول إلى المياه والتصحر وتدهور السواحل جراء ارتفاع مستوى سطح البحر ومواجهة الفيضانات والحرائق وغيرها من الظواهر،” وهذا الوضع “جعل المدبرين المحليين عاجزين عن مواكبة التنمية المستدامة والحفاظ على البيئة وعلى الموارد الطبيعية.”
كما لفت رئيس الجمعية إلى أن “فعالية استراتيجيات الجماعات الترابية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة تتأثر بمجموعة من العوامل ويبقى أهمها جانب توفر الموارد المالية حيث يعتبر نقص مصادر التمويل حجرة عثرة وتحدياً رئيسياً أمام التخطيط المستدام.” فبدون تمويل مستدام، “يصعب تحقيق الاستراتيجيات المستدامة ويعيق قدرتها على حماية المجتمعات المحلية من الجفاف الشديد والفيضانات ما يفاقم انعدام الأمن الغذائي وفقدان سبل العيش والاستقرار.”

دعوة لتمويلات مبتكرة وتنسيق وطني
وعلى الرغم من “الدعم المشكور والمتواصل الذي ما فتئت تقدمه وزارة الداخلية عبر المديرية العامة للجماعات الترابية لمختلف المستويات الترابية”، إلا أن ذلك “لا يفي لتلبية طموحاتها في تحقيق التنمية المنشودة حيث تصطدم بمحدودية الموارد المالية المتوفرة والتي تعتمد على العائدات الجبائية كممول رئيسي.”
وأمام هذه الوضعية، دعا درويش إلى “البحث عن تمويلات مبتكرة وآليات لسد الفجوات للوصول إلى الموارد المالية لدعم الاستثمارات المحلية التي تساهم في التنمية المستدامة، من بينها تعزيز التعاون والشراكات الوطنية والدولية والاستفادة من تمويلات الصناديق المحدثة لهذا الغرض وكذلك بتسريع وتسهيل مساهمات وتمويلات المؤسسات الوطنية والدولية.”
وفي ختام كلمته، شدد رئيس الجمعية المغربية لرؤساء مجالس العمالات والأقاليم على أن “تحقيق التنمية المحلية المستدامة يتطلب تعاوناً مستمراً وتنسيقاً بين كافة الجهات المعنية بالتغير المناخي، وتبني برامج تضمن الالتقائية بين البرامج المسطرة من قبل الجهات والأقاليم والجماعات مع المشاريع والبرامج المسطرة على الصعيد المركزي.” كما أكد على ضرورة “العمل على تسهيل الوصول إلى مصادر التمويل من خلال آليات وبرامج مختلفة لدعم مشاريع وأنشطة التنمية المحلية وتسريع الاستفادة منها لتجاوز البطء المسجل، ومساهمة أكبر من الجهات الملوثة ومن الهيئات الحكومية والمنظمات غير الربحية لتمكين الجماعات الترابية من الاستثمار في البنية التحتية الخضراء والمباني الخضراء والأغذية المحلية وغيرها للحد من انبعاثات الكربون والتعامل مع آثار تغير المناخ وبالتالي تلبية احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة.”
واختتم درويش كلمته بتجديد الشكر والامتنان للقائمين على المنتدى، معرباً عن أمله في أن تكلل أشغاله بالنجاح “خدمة لمصلحة مدننا وقرانا مسترشدين بالتوجيهات الملكية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده لتحقيق تطلعات المواطنين في التنمية والتقدم.”