لماذا وإلى أين ؟

نحو تجديد الثقة في الديمقراطية التمثيلية: استحقاقات انتخابية في مفترق الطرق.

250X300 Ministre taransition mobile

*زهير أصدور

يعيش المغرب، في المرحلة الراهنة، سياقًا سياسيًا بالغ الحساسية، يتسم بتداخل مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية التي تجعل من الاستحقاقات الانتخابية المقبلة أكثر من مجرد محطة دورية لتجديد النخب والمؤسسات، بل لحظة تقييم حقيقية لنضج التجربة الديمقراطية المغربية، وقدرتها على تجديد أدواتها، وتعميق مصداقيتها، وتوسيع قاعدة الانخراط الشعبي فيها.

إن الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش الأخير، وما حمله من توجيهات واضحة بخصوص ضرورة الاستعداد المبكر للاستحقاقات التشريعية المقبلة، شكّل أرضية مرجعية لتحريك النقاش العمومي والمؤسساتي حول شروط ومقومات انتخابات نزيهة، شفافة، وذات مصداقية. وقد جاءت اللقاءات التي بادرت إليها وزارة الداخلية، خاصة الاجتماع الذي عُقد مؤخرًا مع ممثلي الأحزاب السياسية، لتؤكد انخراط الدولة في مسار حواري يهدف إلى تجويد المنظومة الانتخابية، وضمان تمثيلية حقيقية تعكس تطلعات المواطن المغربي.

لا يمكن النظر إلى الإعداد للانتخابات القادمة بمعزل عن التحولات الجارية في الداخل والخارج. فمن جهة، يعرف المغرب دينامية اقتصادية واجتماعية غير متوازنة، تتجلى في تنامي التفاوتات المجالية، واستمرار إشكاليات الفقر، والهشاشة، والبطالة، وارتفاع منسوب الانتظارات الاجتماعية. ومن جهة أخرى، يشهد العالم أزمات متشابكة تتصل بالأمن الإقليمي، التقلبات الاقتصادية، وتراجع الثقة في المؤسسات السياسية على المستوى الدولي، وهو ما ينعكس بدوره على المزاج العام للمواطنين.

في هذا السياق، لا تبدو الانتخابات مجرد آلية تقنية لتوزيع السلطة، بل أداة لاختبار فعالية النموذج الديمقراطي الوطني، ومقدرته على التجاوب مع التحديات الآنية. لذلك، تبرز الحاجة إلى إعادة بناء الثقة بين المواطن والعملية الانتخابية، باعتبارها المدخل الأساس لتحقيق الاستقرار، وضمان فعالية السياسات العمومية، وتقوية مؤسسات الوساطة.

تشير معظم المؤشرات السوسيولوجية والسياسية إلى وجود شرخ واضح بين فئات واسعة من المواطنين وبين المؤسسات المنتخبة، وهو ما يتجلى في ضعف نسب المشاركة في الانتخابات السابقة، وتراجع منسوب الثقة في أداء المجالس المنتخبة، بل أحيانًا في جدوى العملية السياسية برمتها. هذا العزوف لا يُعزى فقط إلى ظروف اقتصادية واجتماعية، بل يرتبط أيضًا بممارسات سياسية سلبية راكمت الإحباط، منها استعمال المال، التزكيات غير المؤطرة، الصراعات الشخصية، وغياب الشفافية في التسيير المحلي.

ومن هذا المنطلق، فإن الرهان الأساسي لا يجب أن يكون فقط على تحسين القوانين المؤطرة للعملية الانتخابية، بل على إحداث تحول ثقافي وسياسي شامل يعيد الاعتبار لقيمة الصوت الانتخابي، ويقنع المواطن بأن مشاركته يمكن أن تُحدث فارقًا.

في كلمته، ركّز وزير الداخلية خلال اجتماعه مع الاحزاب السياسية على سبعة محاور إصلاحية رئيسية، تشكل مدخلًا لإعادة بناء الثقة وضمان الشروط الموضوعية لانتخابات ذات مصداقية. هذه المحاور هي:

1. تحيين اللوائح الانتخابية العامة بما يضمن شموليتها ودقتها، كإجراء أولي لضمان شفافية العملية برمتها.

2. وضع آليات فعالة لتخليق العملية الانتخابية، من خلال الحد من استعمال المال والنفوذ، وضمان حياد الإدارة.

3. تحفيز المشاركة عبر اعتماد إجراءات تحفيزية، وتبني برامج تربوية وإعلامية تعزز الوعي السياسي لدى المواطن.

4. عقلنة المشهد الحزبي والسياسي، من خلال مراجعة شروط التمثيلية، التمويل العمومي، وتحديث الحياة الحزبية.

5. تعزيز التمثيلية النسائية والشبابية، بما يسمح بدمج طاقات جديدة في الحياة العامة.

6. تطوير آليات التواصل السياسي والإعلامي، خصوصًا في ظل هيمنة الوسائط الرقمية التي تتطلب كفاءات وأدوات جديدة.

7. وضع جدول زمني دقيق وشفاف للاستحقاقات المقبلة، يسهم في ضمان الاستعداد الجيد وضبط المتغيرات اللوجستيكية.

غير أن هذه المحاور، على أهميتها، تظل غير كافية ما لم تُصاحبها إرادة سياسية صادقة لتطبيقها على أرض الواقع، وتفعيل آليات المراقبة والزجر، وتشجيع التنافس النزيه، وتكريس مبدأ تكافؤ الفرص بين الفاعلين.

إن من أبرز التحديات البنيوية التي تواجه العملية الديمقراطية ببلادنا، ضعف النقاش العمومي حول الشأن السياسي، وغياب تغطية إعلامية نوعية تساهم في تنوير الرأي العام وتعزيز ثقته بجدوى الانتخابات ومخرجاتها. ذلك أن المشاركة السياسية لا تُختزل في دعوات موسمية أو حملات توعوية عابرة، بل تُبنى عبر نقاش وطني جاد ومستمر، تنخرط فيه مختلف القوى الحية، من أحزاب سياسية ونخب فكرية وشبابية ومكونات المجتمع المدني، لمساءلة السياسات العمومية ومقاربة القضايا الكبرى التي تؤرق المواطن، من قبيل العدالة المجالية، التنمية الاقتصادية الترابية، توسيع الحريات، ومحاربة الفساد.

وفي هذا الصدد، يتحمل الإعلام العمومي مسؤولية مضاعفة في استعادة ثقة المواطن في العمل السياسي، من خلال إنتاج مضامين حوارية رفيعة، تغطيات ميدانية جهوية منصفة، ومنصات تفاعلية تُقرب النقاش السياسي من نبض المواطن، وتسهم في تأطيره ورفع منسوب وعيه ومشاركته في البناء الديمقراطي. فبدون إعلام وطني مسؤول ومستنير، لا يمكن تحقيق انفراج سياسي حقيقي، ولا ضمان انخراط فعلي للمواطن في مسلسل الإصلاح والتغيير.

إن نجاح الانتخابات المقبلة لا يتوقف فقط على احترام المقتضيات القانونية والتنظيمية، بل على مدى قدرتها على تحقيق التراكم الديمقراطي، وبناء مؤسسات منتخبة تعكس إرادة حقيقية للشعب، وتستجيب لتطلعاته.

إن المغرب، وهو يتهيأ لاحتضان تظاهرات رياضية دولية كبرى، ويوجّه أنظار العالم نحو تجربته في الاستقرار والإصلاح، مطالب بتقديم نموذج ديمقراطي يعزز سمعته، ويؤكد نضج مساره السياسي. ولا شك أن أول خطوة في هذا المسار هي ضمان انتخابات ذات مصداقية، تشاركية، ومحترمة لإرادة المواطن.

ويبقى التحدي الأكبر هو تحويل هذه اللحظة إلى فرصة تاريخية لإعادة صياغة العلاقة بين المواطن والمؤسسات، على أساس الثقة، والشفافية، والمسؤولية المشتركة.

*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها

600X300 Ministre taransition mobile

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
احمد
المعلق(ة)
4 أغسطس 2025 12:41

تطرق العاهل المغربي الى حالة السير في المغرب السياسي بسرعتين: وهي حالة تمت قراءتها بخلفيات مختلفة لكن يبدو ان هذه الحالة تشير ايضا الى بطئ العمل السياسي لوجود حالة من التماهي بين البرلمان والحكومة واختفاء دور نواب الامة في مراقبة ومساءلة الوزاراء وتوغل الاغلبية الذي يحجب رأي المعارضة في تطوير المؤسسة التشرعية، وتغليب الحسابات السياسيوية الضيقة على المصلحة العامة للبلاد، ويضهر في الجانب المظلم من الصورة ايضا غياب النقاش العمومي وإشراك المواطن في تتبع السياسة العمومية عبر وسائل الاعلام العمومية يصاحبه تطويق الصحافة والجمعيات بقوانين تحول دون ملامسة قضايا الفساد وفضحها، كل ذالك يطرح سؤالا حول جدوى الانتخابات ويدخل المواطن في حالة من الضياع التي تجعل الديمقراطية في فهمه مجرد مواسم لحشد الاصوات ومناسبة للارتزاق في اتجاه دعم هذا المرشح اوذاك، وليس لها أي انعكاس على ظروفه المعيشية وتطلعاته المستقبلية، وهذا ما يعزز في آخر المطاف حالة العزوف والانسحاب من المشاركة التي تقوي حظوظ اصحاب المال واصحاب شراء الاصوات.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x