قانون مالية 2026: مسار جديد للإقلاع الاقتصادي وتكريس العدالة الاجتماعية

جاءت التوجهات العامة لمشروع قانون المالية لسنة 2026 لتؤكد الانخراط القوي للمملكة المغربية في دينامية جديدة للإقلاع الاقتصادي وتعزيز العدالة المجالية والاجتماعية، وفاء للتوجيهات الملكية السامية الواردة في خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش المجيد.

في صلب هذه التوجهات، تبرز أولويات استراتيجية تقوم على تسريع الاستثمار، وتأهيل المجالات الترابية، وتحسين الخدمات الاجتماعية، وتثبيت الاستقرار الماكرو-اقتصادي، في سياق دولي يتسم بالتحولات والتحديات المتعددة.

استثمار مهيكل ونموذج اقتصادي متجدد

يراهن مشروع قانون المالية لسنة 2026 على تعزيز الدينامية الاقتصادية من خلال إطلاق برامج استثمارية كبرى، من أبرزها: توسيع أسطول الخطوط الملكية المغربية بغلاف مالي قدره 160 مليار درهم، وتطوير خط القطار فائق السرعة بين القنيطرة ومراكش بـ96 مليار درهم، إلى جانب 25 مليار درهم لتحديث المطارات، واستثمارات طاقية كبرى في مجالي الغاز والهيدروجين الأخضر.

هذه الاستثمارات لا تعكس فقط طموح المملكة في الارتقاء بتنافسيتها، بل تستبق أيضا التحولات العالمية وتستثمر في موقع المغرب الجغرافي وتفوقه في المهن المستقبلية. وقد سجلت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر ارتفاعا بنسبة 28% إلى غاية متم يونيو 2025، مما يعكس منسوب الثقة الدولي في الاقتصاد الوطني.

العدالة المجالية في صلب النموذج التنموي

يولي مشروع قانون المالية أهمية بالغة لتقليص الفوارق المجالية والاجتماعية، وذلك من خلال إحداث برامج جديدة للتنمية الترابية، تقوم على تثمين الخصوصيات المحلية وتفعيل مبدأ التكامل بين الجهات. ويرتبط هذا التوجه بشكل وثيق بورش الجهوية المتقدمة ومبدأ التضامن الوطني.

وتم التركيز على تطوير سلسلة التعليم والتكوين والتشغيل، عبر تعميم برنامج “مدارس الريادة” ليشمل 1.3 مليون تلميذ، وتوسيع مدارس “الفرصة الثانية” إلى 400 مركز في أفق 2030، وتعزيز منظومة التكوين المهني، فضلا عن تسريع إصلاح التعليم العالي والبحث العلمي من خلال مخطط 2030.

الصحة والماء: أولويات اجتماعية ملحة

يشكل قطاع الصحة محورا استراتيجيا، حيث يرتقب تأهيل 1.400 مؤسسة صحية أولية بحلول 2026، وإطلاق مركزين استشفائيين جامعيين جديدين في أكادير والعيون، إلى جانب تعزيز الموارد البشرية الصحية بهدف بلوغ 45 مهنيا لكل 10 آلاف نسمة في أفق 2030.

أما في مجال الماء، فيرتكز المشروع على إدارة استباقية ومستدامة لهذه المادة الحيوية، من خلال تشغيل سدين كبيرين جديدين، وتسريع الربط بين الأحواض، وتنزيل خارطة طريق تحلية مياه البحر، لتحقيق قدرة إنتاجية تصل إلى 1,7 مليار متر مكعب سنويا بحلول 2030.

الاستهداف الاجتماعي والدعم المباشر

يعد توسيع نطاق الدعم المباشر والتحول نحو الاستهداف الفعال أبرز ملامح تدخل الدولة الاجتماعي في سنة 2026، حيث تستفيد حوالي 4 ملايين أسرة من برامج مؤطرة بالسجل الاجتماعي الموحد. كما بلغ معدل التغطية الصحية 88% بفضل تعميم التأمين الإجباري الأساسي.

وفي ميدان السكن، استفادت أكثر من 57 ألف أسرة من الدعم المباشر إلى حدود يوليوز 2025، مع تسجيل تقدم كبير في القضاء على دور الصفيح، فيما تستمر مجهودات إعادة الإعمار بالمناطق المتضررة من زلزال الحوز، بميزانية تفوق 14,5 مليار درهم.

إصلاحات هيكلية عميقة ومالية عمومية متوازنة

يندرج المشروع في إطار رؤية إصلاحية عميقة تهدف إلى تحديث الإدارة وتبسيط المساطر وتعزيز القرب، مع مراجعة مدونة الأسرة، وإدماج اللغة الأمازيغية في المرافق العمومية، وقيادة إصلاح للقانون التنظيمي لقانون المالية لضبط المديونية وتحسين التنسيق المؤسساتي.

من جهة أخرى، تظهر المؤشرات الماكرو-اقتصادية آفاقا واعدة، حيث يتوقع أن يصل معدل النمو إلى 4,5% سنة 2026، مع تقليص عجز الميزانية إلى 3%، واستقرار معدل التضخم في حدود 2%، والحفاظ على نسبة مديونية في حدود 65,8% من الناتج الداخلي الخام.

رؤية مستقبلية طموحة

يؤسس مشروع قانون المالية لسنة 2026 لمرحلة جديدة من التحول الاقتصادي والاجتماعي، في انسجام تام مع الرؤية الملكية لتأهيل البلاد للاندماج في نادي الدول الصاعدة. ويراهن على الاستثمار المنتج، وتمكين الكفاءات، وتوزيع الثروة بشكل عادل، من خلال تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والحماية الاجتماعية والعدالة المجالية.

وفي خضم هذا المسار، يظل التحدي الأكبر هو تحقيق الأثر الملموس على حياة المواطنين، وربط السياسات العمومية بنتائج واقعية ترتقي بجودة العيش، وتعزز الثقة بين الدولة والمواطن، ضمن نموذج تنموي جديد قوامه النجاعة، والعدالة، والاستدامة.