2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
مسألة التأويل القانوني

د. ادريس الفينة
المذكرة التي وجهها وزير الداخلية إلى السادة الولاة و العمال يحثهم من خلالها إلى التسريع بانجاز جيل جديد من برامج التنمية الترابية المندمجة NGDTI على مستوى الأقاليم والعمالات كمستوى ترابي في إطار من التشاور مع مختلف الفرقاء المعنيين، تستدعي عدد من الملاحظات الهامة.
فالمذكرة جائت كتفاعل مع محتوى الخطاب الملكي الذي أكد على مايلي :
“…غير أنه مع الأسف، ما تزال هناك بعض المناطق، لاسيما بالعالم القروي، تعاني من مظاهر الفقر والهشاشة، بسبب النقص في البنيات التحتية والمرافق الأساسية.
وهو ما لايتماشى مع تصورنا لمغرب اليوم، ولا مع جهودنا في سبيل تعزيز التنمية الاجتماعية، وتحقيق العدالة المجالية.
فلا مكان اليوم ولا غدا، لمغرب يسير بسرعتين.
لقد حان الوقت لإحداث نقلة حقيقية، في التأهيل الشامل للمجالات الترابية، وتدارك الفوارق الاجتماعية والمجالية.
لذلك ندعو إلى الانتقال من المقاربات التقليدية للتنمية الاجتماعية، إلى مقاربة للتنمية المجالية المندمجة.
هدفنا أن تشمل ثمار التقدم والتنمية كل المواطنين، في جميع المناطق والجهات، دون تمييز أو إقصاء.
ولهذه الغاية، وجهنا الحكومة لاعتماد جيل جديد من برامج التنمية الترابية، يرتكز على تثمين الخصوصيات المحلية، وتكريس الجهوية المتقدمة، ومبدأ التكامل والتضامن بين المجالات الترابية.
وينبغي أن تقوم هذه البرامج، على توحيد جهود مختلف الفاعلين، حول أولويات واضحة، ومشاريع ذات تأثير ملموس، تهم على وجه الخصوص :
- أولا : دعم التشغيل، عبر تثمين المؤهلات الاقتصادية الجهوية، وتوفير مناخ ملائم للمبادرة والاستثمار المحلي؛
- ثانيا : تقوية الخدمات الاجتماعية الأساسية، خاصة في مجالي التربية والتعليم، والرعاية الصحية، بما يصون كرامة المواطن، ويكرس العدالة المجالية؛
- ثالثا: اعتماد تدبیر استباقي ومستدام للموارد المائية، في ظل تزايد حدة الإجهاد المائي وتغير المناخ؛
- رابعا : إطلاق مشاريع التأهيل الترابي المندمج، في انسجام مع المشاريع الوطنية الكبرى، التي تعرفها البلاد.”
فجلالة الملك لم يطلب من وزير الداخلية توجيه مذكرة من هذا النوع للمسؤولين الترابيين . لانها مذكرة تخرق عدد من القوانين الأساسية للبناء الديموقراطي في المملكة . وهي القوانين التي تهم اختصاصات الجماعات والأقاليم والجهات بالمملكة. علما ان جلالة الملك حريص وبشدة على تتبع البناء الديموقراطي وخصوصا من باب احترام المواعيد والقوانين الانتخابية، حيث كلف وزير الداخلية بتحيينها وبتنظيمها في موعدها بتشاور مع الفرقاء السياسيين.
كان جديرا بوزير الداخلية إجراء ورشة عمل داخلية بمعية خبراء من أجل تحليل معنى المرور من مقاربة تقليدية للتنمية الاجتماعية إلى مقاربات للتنمية المجالية المندمجة وإلى جيل جديد من برامج التنمية الترابية والأسباب وراء الوضع الترابي الحالي. لان السادة العمل والولاة سوف يعطون تأويلات وقراءات متباينة لهذه المفاهيم المعقدة.
كل ما قام به وزير الداخلية هو أنه ألقى بالكرة الساخنة في مرمى الولاة العمال لتدبير امورهم. وهذا يعني بكل تأكيد تكريس الوضع السابق واستمرار الحال على ما كان عليه لسنوات قادمة.
فتحليل الوضع الحالي الذي أشار إليه الخطاب الملكي ماهو إلى نتاج لحكامة ترابية ومقاربات غير منتجة أشرف عليها نفس السادة العمال الذين تم استهدافهم بالمذكرة. كان أجدرا اولا معرفة العوامل الحقيقية التي تقف وراء هذا الوضع: “مغرب السرعتين”. الأمر هنا لا يتعلق بغياب هذه الوثائق التي طلب بانجازها على وجه السرعة وبدون تفكير عميق مسبق.
الأمر يتعلق أساسا بضعف التمويلات الموجهة لهذه المناطق الفقيرة من جهة وضعف الحكامة الترابية من جهة أخرى.
الدراسة التي قام بها، منذ اكثر من 10 سنوات ، مركز التفكير الذي أشرف عليه شخصيا ونشر ملخص لها في مجلة علمية دولية بالإنجليزية وقفت على هذه الحقيقة .
فالميزانيات المخصصة للجماعات الترابية التي تعرف عجزا كبيرا على مستوى الخدمات والبنية التحتية هي ميزانيات ضعيفة ولا تسمح ولو لسنوات مقبلة أن يتم القضاء عن العجز المتراكم والسماح لها من أن تصبح في المستوى المطلوب من التنمية الاجتماعية والاندماج الترابي.
المشكل الثاني مرتبط بالقيادات المحلية من عامل ومجلس جماعي خصوصا ومصالح غير ممركزة وقدرتهم على تنفيذ برامج التنمية بالسرعة المطلوبة .
من جهة أخرى ، المذكرة التي وجهها وزير الداخلية لا تستند على أي أساس قانوني ولا دستوري. فكل وثائق التنمية المحلية نجد لها إما مرجعا دستوريا أو قانونيا.
وهنا نذكر ببرنامج العمل الجماعي الذي نص عليه قانون الجماعات، وبرنامج العمل الإقليمي الذي ينصب عليه قانون الإقليم ، وبرنامج العمل الجهوي الذي ينص عليه قانون الجهة. في حين أن الوثيقة التي طلب من الولاة العمال تهيأتها على وجه السرعة لا يوجد لها اي سند قانوني أو دستوري.
ونحن على أبواب انتخابات جماعية وبرلمانية، كان المطلوب تعديل القوانين الخاصة بالجماعة والإقليم والجهة لتتماشي مع الرؤية الملكية الجديدة. والسماح للأجهزة المنتخبة من القيام بادوارها مع مواكبة تامة من قبل الولاة والعمال.
فنتائج الاحصاء العام الأخير تشكل اليوم مرجعا وموجها لتحديد المناطق التي تتطلب تدخلات مستعجلة. من جهة اخرى وجب تحديد آليات تمويل جديدة للتدخل في هذه المناطق. فالاستمرار في الاعتماد على الميزانيات الضعيفةالحالية لن يسمح من الخروج من الوضع الحالي كيف ما كان مستوى ذكاء البرامج التي سيتم وضعها.
الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي “آشكاين” وإنما عن رأي صاحبها.