2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

طالع السعود الأطلسي
أُطلِقَت في هذه “اللحظة” التاريخية المُكثّفة، التي يمر بها مسار البنيان المغربي، غاراتٌ من التضليل والتيئيس والتهييج ومحاولات الإرباك… وصادفت في البنيان ذاته نوبةً من الارتياب والقلق وحُمّى أسئلة، منها ما يصدر عن تطلُّع صادق للمستقبل، ومنها ما ينبع من انشدادٍ جاذب للماضي.
وهكذا، أحيط الخطابُ الملكي لافتتاح السنة التشريعية في البرلمان بترقُّبٍ يكاد يكون محمومًا… وجاء الخطاب ليُمطر المناخ السياسي المغربي بشآبيب الأمل، كما هو دأبُ قائد دولة باستراتيجية عميقة وشاملة وبعيدة المدى، استراتيجية مستقرة وعابرة للزمن البرلماني والحكومي.
هو خطابٌ يواصل توجيهات خطابات سابقة ومُترابطة، آخرُها خطاب العرش في يوليوز الماضي، الذي نبّه فيه الملك محمد السادس إلى الحاجة للتصدي الوطني للاختلالات في سُرعات الإنجاز التنموي بين المركز المجالي المغربي ومحيطه، سواء في المظاهر أو الحاجيات أو الضرورات التنموية.
هو خطاب الاستمرار في المشروع التنموي المغربي الاستراتيجي والحضاري؛ بتصويب النظر في أهدافه، واستعادة ترتيبها وتفاعلاتها، وحاجات المضي بها إلى التحقُّق الواقعي، بهدوء واستمرارية فعلية.
الملك محمد السادس خاطب ليس البرلمانيين فحسب، بل عموم المغاربة، وخاصةً المعنيين بالشأن العام منهم: في الحكومة والمؤسسات المنتخبة والأحزاب السياسية والمرافق العمومية، الوطنية والمحلية… بما لا يربط خطابه بجهة معينة ولا بظرفية خاصة، ليضع الجميع أمام مسؤولياته في النهوض التنموي بالمغرب، وفي تقويم الاختلالات، وفي ملء المجهود الوطني التنموي بالتفاعلات الضرورية وشحنه بالحماس العقلاني.
وبذلك، كان في موقع القائد الوطني والفاعل الاستراتيجي… فهو لم يقتطع من التعبير الاجتماعي الوطني فقرة ظرفية، بل كان خطابُه امتداداً لنصٍّ طويل يواكب بالحث والتقويم والنقد المسار التنموي المغربي، من صميم الحيوية الاجتماعية المغربية. وهي الحيوية التي لم تتوقف عن ممارستها المؤسسة البرلمانية نفسها والأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات وهيئات المجتمع المدني، وكذلك مؤسسات الحكامة، كل واحدة في مجال اهتمامها… وفي مقدمة هذا التعبير التقويمي، ملك المغرب نفسه الذي نبّه، بغير قليل من الغضب، في مناسبات مختلفة، إلى ما تبين له من انزياحات عن خط الإنجاز في المشروع التنموي المغربي، سواء بالتقصير أو التباطؤ أو عدم الاكتراث.
الخطاب الملكي أسّس على ما سبق، مُلحّاً على إطلاق جيل جديد من برامج التنمية المحلية، وعلى عدم اختلاق تناقض أو تنافس بين المشاريع الوطنية الكبرى والبرامج الاجتماعية القطاعية والمحلية… وذلك بمراعاة الحاجة إلى تسريع مسيرة المغرب الصاعد، مذكراً بأنها تتجاوز الزمن الحكومي والبرلماني، وأنها توجُّه استراتيجي من مسؤوليات الجميع الانخراط فيه: بتجويد التشريع ومراقبة العمل الحكومي بالنسبة للبرلمانيين، وبالتأطير والتوعية وهي مهام الأحزاب السياسية، وبتسريع وتيرة الإنجاز وتجديد حيويته وذلك من صميم مهام العمل الحكومي… لأن “التحول الكبير الذي نسعى إلى تحقيقه -يقول جلالة الملك محمد السادس- على مستوى التنمية الترابية، يقتضي تغييراً ملموساً في العقليات وفي طُرق العمل، وترسيخاً حقيقياً لثقافة النتائج”.
الخطاب الملكي مُوجّه لتقويم المسار التنموي المغربي، وللانكباب على القضايا الرئيسية ذات الأولوية، التي حددها في “تشجيع المبادرات المحلية والأنشطة الاقتصادية، وتوفير فرص الشغل للشباب، والنهوض بقطاعات التعليم والصحة، وتأهيل المجال الاجتماعي…” وهي القضايا التي تمثل جوهر الانشغال الاجتماعي الوطني المغربي، من داخل وعلى ضفاف المسار التنموي المغربي ونجاحه خلال هذا الربع قرن من انسيابية التاريخ في حياة الشعب المغربي.
الملك محمد السادس، من موقع القائد التاريخي، استجمع في خطابه عناصر مناعة المشروع التنموي الذي اختطَّه لتدبير الشأن العام المغربي، وألَحَّ عليها، وفي جوهرها تحقيق العدالة الاجتماعية بكل مقوماتها، وضمنها تنمية حقوق المواطنة.
الظرفية المغربية الجارية، استبطنها الخطاب الملكي ليعبُرها، مُستنفراً كل طاقات الشعب المغربي لتجديد حيوية مشروعه التنموي، بالرفع من وتيرة سرعة الإنجاز وبمنسوب عالٍ من الأمل.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.