2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
بقلم عبدالسلام الصديقي*
مشروع قانون المالية لسنة 2026 الذي تم تقديمه أمام البرلمان يكتسي أهمية خاصة. أولاً، هو الأخير للحكومة الحالية التي من المحتمل أن تسلّم المفاتيح في سبتمبر المقبل. كما يأتي بعد خطابين ملكيين، يحملان رسائل قوية، أُلقيا في مناسبتين هامتين: احتفال الشعب المغربي بعيد العرش (29 يوليو) وافتتاح البرلمان (10 أكتوبر). وأخيراً، يأتي في سياق وطني من الاضطراب الاجتماعي الذي ازداد حدةً مع انتفاضة الشباب الذي يرى مستقبله مظلماً وآفاقه محدودة.
وأخذاً بعين الاعتبار هذه المعطيات، ينبغي أن يتم فحص وقراءة مشروع قانون المالية، دون الاستسلام للسهولة بالاقتصار على تقديس الأرقام. بعبارة أخرى، لا يجب بيع جلد الدب قبل قتله.
دعونا نناقش الأرقام أولاً محاولين توضيح ما تظهره، وخاصة كشف ما تُخفيه. لنوضح أن قانون المالية يتكون من ثلاثة أجزاء: الميزانية العامة، والحسابات الخصوصية للخزينة، ومرافق الدولة المسيرة بصفة مستقلة. وتُعتبر الميزانية العامة، وبشكل ثانوي الحسابات الخصوصية للخزينة، هما الأكثر أهمية.
تبلغ تحملات مشروع قانون المالية لسنة 2026 حوالي 761.3 مليار درهم، وتُقدَّر الموارد بحوالي 712.5 مليار درهم. وهي موزعة كما يلي: 421.3 مليار درهم لصالح الميزانية العامة، و 166.3 مليار لفائدة الحسابات الخصوصية للخزينة، و123 مليار درهم تأتي من القروض متوسطة وطويلة الأمد.
ميزانية غير عادلة
تتكون الميزانية العامة للدولة من نفقات التسيير (دفع رواتب الموظفين وتغطية نفقات الإدارة)، ونفقات الاستثمار (بناء المدارس والمستشفيات والبنية التحتية بشكل عام) وسداد الفوائد المستحقة على القروض المحصَّل عليها. نفقات التسيير وسداد الديون هي نفقات غير قابلة للتقليص، على عكس نفقات الاستثمار التي تعتمد عادة على ما تبقى “في خزينة الدولة” وقدرتها على الاقتراض سواء في السوق الوطنية أو في السوق الدولية.
ولتمويل نفقاتها، تلجأ الدولة إلى الإيرادات الضريبية (الضرائب المباشرة وغير المباشرة) وغير الضريبية (عائدات الاحتكارات: بنك المغرب، المكتب الشريف للفوسفاط ..) وعند الحاجة، تبيع الدولة جزءاً من ممتلكاتها وتقترض الباقي وفقاً لشروط السوق.
تُبيّن أرقام مشروع قانون المالية لسنة 2026 أن 40% من إيرادات الميزانية تأتي من الضرائب المباشرة، وهي الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات، و44% تأتي من الضرائب غير المباشرة (الضريبة على القيمة المضافة، الرسوم الجمركية، الرسوم الداخلية على الاستهلاك). وتُعتبر الميزانية عادلة عندما يتم تمويلها بشكل رئيسي من الضرائب المباشرة وخاصة من قبل ذوي الدخل المرتفع والفئات الغنية في المجتمع.
في هذا الصدد، وعلى الرغم من بعض التعديلات الإيجابية التي تم إدخالها خلال السنوات الأخيرة نتيجة لتوسيع القاعدة الضريبية والإصلاح الضريبي المُعاق الذي فرضته الأغلبية الحالية، تبقى ميزانية البلاد غير عادلة وغير مُنصِفة. فبدلاً من أن تلعب دورها في إعادة توزيع الدخل والحد من الفوارق، فإنها تساهم أكثر في تضخيم الظلم وتفاقم الفوارق. ويكفي أن نرى كيف تُفرَض الضرائب على الطبقات الوسطى لدعم كبار ملاك الأراضي ورؤوس الأموال الوطنية والدولية من خلال الهدايا الضريبية ودعم التجهيزات.
إدارة جَشِعة
فيما يتعلق بنفقات الميزانية، المُقدَّرة بـ 527.6 مليار درهم، فهي موزعة كما يلي: نفقات التسيير تمتص 347.5 مليار درهم، أي 65.8% من الميزانية، ونفقات الاستثمار تمثل الربع بمبلغ 136.1 مليار درهم، وفوائد الدين العام تمثل الباقي بمبلغ 44 مليار درهم، أي 8.4%. هذه الأرقام تستدعي الملاحظات التالية: جزء كبير من المبالغ المُدرَجة في نفقات التسيير يتكون من نفقات العتاد وتسيير الإدارة التي تمتص 93.67 مليار درهم، مقابل 80 مليار درهم في عام 2025، أي بزيادة قدرها 16.77%. هذا التطور يتعارض مع توجيهات رئيس الحكومة الواردة في المذكرة الموجهة إلى الوزراء، التي تدعوهم إلى تقليص نمط عيش الدولة إلى الحد الأدنى من خلال الاقتصار على ما هو ضروري والتحلي بنوع من الترشيد. لقد حدث العكس تماماً. فالعادات، وخاصة السيئة منها، يصعب تغييرها!
وفيما يتعلق بميزانية التجهيز، على الرغم من أنها تبدو كافية على الورق، إلا أن الأمور تسير بشكل مختلف في الواقع. أولاً، وكما هو مذكور سابقاً، يتم استهلاك مبلغ غير ضئيل، وهو 44 مليار درهم، أي ما يعادل ثلث ميزانية الاستثمار، على شكل منح للشركات. إنها نفقات من المال العام نادراً ما يتم تقييمها. علاوة على ذلك، فإن هذا الغموض بالكاد مُغطّى في الوثائق المرفقة لنص مشروع قانون المالية، وبشكل أكثر تحديداً في مذكرة التقديم.
صَبُّ الماء في الرمل
على الرغم من أن المسؤولين قد بذلوا كل جهدهم الفكري لتقديم ميزانية تتمتع بـ “صحة جيدة”، إلا أننا في الواقع أمام ميزانية في “مرحلة نقاهة بطيئة”. وهكذا، ولأول مرة، نجد أنفسنا مع رصيد جارٍ إيجابي (الفرق بين الموارد العادية والنفقات العادية) قدره 50 مليار درهم. هذا قليل، لكنه مُؤسِّس وإيجابي يجب تعزيزه من خلال إصلاح ضريبي حقيقي وإدماج ذكي للقطاع غير المهيكل الذي تتردد الحكومة بشأنه.
وبالمثل، تظل مسألة الدين العام مطروحة وتقلل من هوامش المناورة للدولة. وهكذا، نقترض أساساً لتسديد خدمة الدين المستحق. في الماضي، كنا في حالة توازن حيث ندفع بيد ما نتلقاه بيد أخرى. وكأننا نصب الماء في الرمال. وهكذا، من بين 123 مليار درهم من الاقتراضات المنتظرة لعام 2026، سيتم استعمال 108 مليار درهم لسداد الديون المستحقة. الصافي هو 15 مليار درهم! إنها الدورة الجهنمية للديون. يجب أن نكون سعداء على أي حال لأننا لا نقترض المال لدفع رواتب الموظفين. هناك جوانب إيجابية، بالطبع. سيتم تناولها بنفس الروح في مقال قادم.
*وزير سابق
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها