لماذا وإلى أين ؟

تضامنا مع النساء زبونات “الشوافة”

لا حديث للرأي العام المغربي في الآونة الأخيرة، سوى عن الشخص الذي قام بتصوير العديد من النساء والفتيات اللواتي كن يحاولن طرق باب سيدة قيل إنها تعمل “شوافة” أو “مشعودة”.

فبمجرد ما تصل هؤلاء النسوة إلى باب من قيل إنها “شوافة” حتى يسارع الشخص إلى تصوير وجوههن بطريقة مثيرة، بغية فضحهن أمام الرأي العام، غير أن الأمر المأسوف له هو كون العديد من المغاربة استحسنوا وصفقوا لما فعله هذا الشاب في حق نساء مغربيات.

القانون في صف النساء

من الناحية القانونية لا يحق للشاب أن يقوم بتصوير هؤلاء النساء بتلك الطريقة الفجة والتي تنم عن استهداف وسوء نية، ليس لمحاربة الشعوذة وإنما لفضح نساء بعينهن، فالقانون الجديد الذي صادقت عليه الحكومة المتعلق بالعنف ضد النساء،  يعاقب بالحبس من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات وغرامة من 2.000 إلى 20.000 درهم، كل من قام بأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، ببث أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته، دون موافقته، أو قام ببث أو توزيع ادعاءات أو وقائع كاذبة، بقصد المس بالحياة للأشخاص أو التشهير بهم”.

أكثر من ذلك، فهذا الشخص الذي قام بعملية التصوير، كيف له أن يتهم هؤلاء النساء بزيارة “شوافة”، علما أن هناك احتمال زيارتهن لتلك السيدة التي ادعى أنها “شوافة”،  إن صح الإدعاء طبعا، في إطار صلة الرحم أو علاقات عائلية وغيرها، كما أن عنصر التلبس غير وارد بتاتا في الفيديوهات جميعها، لكون جميع النسوة يظهرن وهن إما يطرقن الباب أو يغادرن المنزل أو في طريقهن إليه.

وما يؤكد سوء النية لدى الشخص الذي يُصور هؤلاء النسوة، كونه يقوم بسبهن بأبشع العبارات، رغم أن أغلبهن هن في عمر والدته وجدته، فأخذ يصورهن للعالم وكأنهم ينهبن المال العام، دون مراعاة لمشاعرهن أو لمشاعر أبنائهن وأزواجهن وعائلاتهن، وبالتالي فهذا التصرف الطائش من شأنه أن يشتت العديد من الأسر ويُشرد أفرادها ويقذف بها في غياهب المجهول، كيف لا، ومواقع التواصل الاجتماعي دائما ما تفعل فعلتها كلما انتشر شريط فيديو أو صورة.

مجتمع “متخلف”

أما من الناحية الاجتماعية، فمن المعلوم أن العديد من المغاربة يتعاطون لمثل هذه الطقوس المرتبطة بالشعوذة والسحر والخرافة منذ قديم الزمن، وذلك مرتبط أساسا بالإرث الثقافي للمجتمع المغربي بمختلف أطيافه وشرائحه وطبقاته الاجتماعية. والنساء قد يقصدن العرافات والشوافات من أجل أغراضهن الشخصية، كالرغبة في الزواج أو الإنجاب أو “القبول” في التجارة وكذا التفوق في الدراسة والنجاح في العمل، وكذلك الحال بالنسبة لبعض الرجال.

وبمعنى آخر، فإن توجيه الإتهام لنساء بالرغبة في عمل “سحر” أو “توكال” لشخص آخر كالزوج أو العدو أو الحبيب، فهذه كلها اتهامات باطلة ولا أساس لها مادام عنصر التلبس غير وارد في الموضوع كما تمت الإشارة إلى ذلك سلفا. ومن جهة أخرى، وحتى لا نكذب على أنفسنا فإن المغرب يعج بدُعاة تاشوافت والرقية الشرعية وصرع الجن، فماذا ننتظر من هؤلاء المواطنين أن يفعلوا، ما دمنا نعيش في دولة مستواها التعليمي متدني جدا، ومُصنفة في مؤخرة الترتيب في مجال التنمية البشرية، وفي صدارة ترتيب الدول المتخلفة والفقيرة؟

وماذا ننتظر من مجتمع تشجع فيه الدولة على انتشار الأضرحة والزوايا و”المواسم” وتقديم القرابين للأولياء والصالحين والشرفاء وذوي الكرامات؟ وماذا ننتظر من مجتمع يعيش الجهل أو التجهيل في غياب تام للوعي الإجتماعي والإيمان بالعلوم الحقة وليس بالخرافات والخزعبلات التي أكل عليها الدهر وشرب.

ملء الفراغ الوجداني

ومن الجانب النفسي، فإن أغلب المغاربة يعيشون حالة من الارتياح النفسي كلما زاروا شوافة أو فقيها أو عرافا أو راقيا، نظرا للعبارات والشحنات الإيجابية التي تضخها هذه الزيارات في نفوسهم، فحين تقول لك “شوافة”: إنك ستُغادر المغرب يوما وسيكون لك مستقبل زاهر في بلاد المهجر وستكتب مالا كثيرا، فمن المؤكد أن هذا الكلام سيرفع معنوياتك، ولا شك أنك ستتردد على تلك الشوافة مرات أخرى، بحثا عن ملء ذلك الفراغ.

كذلك الشأن بالنسبة لهؤلاء الأمهات الظاهرات في الفيديو، فأغلبهن لم يكتسبن ثقافة زيارة الطبيب النفساني، بل إنه بمجرد ما تحُث إحداهن على ذلك حتى تستشيط غضبا وتعتبر الأمر بأنه استهزاء من قدراتها العقلية، كما أن تكلفة الطبيب النفساني، تصل في أحسن الأحوال إلى أزيد من 300 درهم في كل حصة، بينما “الشوافة” لا تطلب سوى “الفتوح” وهو مبلغ زهيد قد يقِل عن 20 درهما، وبالتالي فالمغربي/ة يريد شراء راحته النفسية بثمن بخس.

الدين يؤمن بالسحر

وإذا ناقشنا الموضوع من الزاوية الدينية، فإذا تجادلت مع مغربي في أمور السحر والشعوذة فمن المؤكد أنه سيخبرك بأن ذلك مذكور في القرآن الكريم والسنة النبوية، وبأن السحر حق والعين حق والجن والشيطان كائنات حقيقية، وسيستشهد بنصوص شرعية لإثبات قوله.

وبالتالي، كيف لمغربي، يؤمن بالداء ويشعر به ألا يقصد الطبيب الذي يدعي أنه يملك الدواء والعلاج الفعال الذي سينقذ المريض مما لا تُحمد عقباه؟ وكيف لهذا المغربي (ة) ألا يقصد الشوافة أو الراقي الشرعي وعقله متأكد بأنه تعرض للسحر الذي هو أمر مذكور في كتب الدين… ورغم أن هناك نصوص شرعية تُحرم التعاطي مع هذه الممارسات إلا أن ضُعف الحالة المادية وكذا عدم الإطلاع بشكل دقيق على الأمور الدينية من شأنه أن يدفع بالمغربي (ة) إلى التوجه مباشرة صوب الشوافة لالتماس العلاج وليس بالضرورة إيذاء شخص آخر.

خلاصة

وخلاصة القول، فإن هذا الرأي المطروح حول القضية، ليس غرضه الدفاع عن الشعوذة والسحر والعرافين والدجالين، أو الدفاع عن المتعاطين مع هذه الأساليب البائدة خاصة وأننا نعيش عصر العولمة والفيسبوك في القرن الواحد والعشرين، وإنما الهدف هو الإحاطة بجميع الجوانب المتعلقة بهذه القضية وعن الدوافع التي أجبرت هؤلاء النساء على زيارة “الشوافة”، وكذا إحقاقا للحق ولدولة القانون. وبمعنى آخر كل التضامن مع النساء اللواتي تعرضن لعملية التصوير، وهي مناسبة للمطالبة بمحاسبة المتورط في عملية التصوير.

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

10 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
ابوعمار
المعلق(ة)
4 أكتوبر 2018 21:54

واخا طارت معزة لا حول ولا قوة الا بالله الحق بين والباطل بين صلى على النبي راكم كادوحو كالك صلة الرحم الله انعل لمايحشم بحالكوم لي خرجو على الوقت اما السيد برافو عليه

محمد
المعلق(ة)
4 أكتوبر 2018 20:10

أنصر أخاك ظالما أو مظلومة.

احمد
المعلق(ة)
4 أكتوبر 2018 12:26

احيانا نعالج المظاهر اللا أخلاقية بالسخرية أي نسخر من هذا الممارسة المشينة … اصلا عمل الشوافات حرام من الناحية الشرعية والقانونية لما له من انعكاسات سلبية على الفرد والمجتمع انتم كمؤسسة إعلامية عليكم أن تلتزموا الموضوعية في التحليل إلا إذا كانت لكم مصلحة في نفس يعقوب .

يوسف
المعلق(ة)
4 أكتوبر 2018 10:32

تريدون قلب الطاولة على مصور الفيديو، بما أنك لا تقطن في الحي فإنك لا تعرف شيئا. سكان الحي أكدوا أنها مشعوذة و تفوح روائح كريهة من منزلها مع العثور على حيوانات في حالة مقززة. كما أنه وثق بالفيديو بقايا صور محروقة وعدة أشياء مشبوهة ذات رائحة كريهة و الدود فيها. لا أدري من المستفيد من كتابة هذا المقال.

sifao
المعلق(ة)
4 أكتوبر 2018 09:32

شريف قرات المقال كاملا فوجدته تحريضا على مواطن استنكر طقوسا خرافية
لا اتفق بتاتا مع العبارات الخادشة التي قالها لكن الشخصنة والتحريض على الآخر ليست من مهام الصحفي.. ام هي حلال لنا حرام على غيرنا؟
اضيف ان التحليل ينقصه كثير من المعطيات ويفتقر النفاذ في الفكرة خاصة فيما يتعلق بعلاقة الديني بموضع السحر والشعوذة وعلاقة بالاخيرة الفقر والتهميش والهشاشة.
تنبيه اخير الجريدة صارت كلها “يتيم” اخبار من هنا وهناك عن الوزير ارفعوا المستوى قليلا

امين
المعلق(ة)
4 أكتوبر 2018 08:30

الزوايا الاصل فيها الدكر والتعبد والتوجه الى الله اما المظاهر المنتسرة في بعض الاضرحة من سحر وشعودة فهي نتيجة للجهل والتخلف فلو ان كاتب المقال رجع الى كتب الفقه والتاريخ لعلم ان الادوار التي تقوم بها الزوايا منذ نشأة المغرب متعددة دينية و جهادية و علمية ومجتمعية و سياسية فالدولة حين تهتم بالاضرحة فهي تهي توجه الناس للالتفات الى الرموز التي قامت تقوم بهذه الادوار على مر التاريخ من اجل الاقتداء بها فبمجرد الاطلاع على سيرة احد الاولياء تجد سيرة مليئة بالجد والعمل والعبادة وتمسك بالكتاب والسنة
لذلك اخي الكاتب لا تقع في الخطأ الذي تنتقده الذي هو الجهل بالعلم الذي يؤدي الى هذه المظاهر المنتشرة في المجتمع

احمد
المعلق(ة)
4 أكتوبر 2018 07:22

قال ليك زيارة الرحم واش زيارة الرحم تكون من الصباح الى المساء وبين الزيارة والزيارة أقل من نصف ساعة ويأثون فرادى وجماعات .حتى لو كان هذا السيد خاطئا فما قام به سيجعل حدا لهذه الضاهرة في جميع المدن المغربية.وبالمناسبة فشوافة مدينتنا قد اغلقت بيتها وسافرت هذه الأيام عند علمت بما يقع. ضاهرة محمودة ولو أدت بصاحبها الى السجن كما قلت والسلام على من اتبع الهدى.

جمال
المعلق(ة)
4 أكتوبر 2018 07:11

يبدو أنك من أحد زبائن هذه المشعوذة…

Khaled
المعلق(ة)
4 أكتوبر 2018 00:30

دليل التلبس موجود و أنت لم تستطع ان تحدده ربما لضعف بصيرتك
إذا لا حظت فإن الشاب بمجرد ان يشغل الكاميرا و يتجه ليصور النساء حتي تجدهن في حالة إرتباك و محاولة فرار وهذا يدل علي الحالة النفسية التي كن فيها و هم في الطريق الي المشعودة و لو ان قصدهن شريف ما كن ليحاولن الهرب إزاء تصوير الشاب لهن و لي فيه الفز كيقفز … نوض علي سلامتك

عبدالمجيد معاهد
المعلق(ة)
3 أكتوبر 2018 23:40

الدولة لا تريد محاربة الشعودة المنتشررة في كل مكان فقام هدا الشاب بفضح بعض النساء اللواتي تقصدن الشوافات

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

10
0
أضف تعليقكx
()
x