لماذا وإلى أين ؟

دفاعا عن يتيم وخطيبته

ليس دفاعا عن محمد يتيم، وزير التشغيل، لكن صيانة للحريات الفردية وحرمة الحياة الخاصة، يمكن التوقف لحظة للتأمل في مستوى النقاش والتهكم  الذي وصل له بعض المحسوبون على الصحافة في تفاعلهم مع مقطع فيديو الذي أظهر المسؤول الحكومي ماسكا يد “خطيبته” بأحد شوارع باريس، ليستنتج المرء، أن الحادث خرج عن حدود التعبير عن الرأي، ليصل إلى إنتهاك حق الآخر في الحياة الخاصة والتشهير  إلى حد مس بالكرامة، والإفتراء على الناس بنسب كلام لم يقولوه، مثل القول أن يتيم صرح في إجتماع حزبه أنه لم يلمس زوجته مدة10 سنوات، بالرغم من أن حزبه نفى مناقشة خطبته.
ولاشك أن سيل الإنتقادات التي صوبت بإتجاه يتيم، تحكمت في حدتها نوعية الخطاب الأخلاقي الذي يروج له الرجل رفقة زملائه في حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح، والذي يقوم على أساس ديني خاصة أنه عرف في خضم الجدل الذي أثارته خطة إدماج المرأة في التنمية، بدعوته الرافضة إلى إقرار حرية العلاقات الرضائية بين الجنسيين وإعتبارها مهددة لقيم المجتمع، كما كان يشدد في كثير من مقالاته التي نشرت عندئد في جريدة “التجديد” على ضرورة التشبت بالقواعد الدينية في الزواج والتي على رأسها إشهار عقد النكاح، وهو الأمر الذي لم يلتزم به يتيم في ممارسته اليوم عند رغبته في خوض تجربة زواج ثانية، إلا ان ذلك لا يشفع بإنتهاك حقه في الحياة الخاصة وصيانة كرامته من أي تشهير أو تجريح، ولا يبرر نقل النقاش من سلوك فرد إلى إستهداف حزب. فالكريم لا يرد على الإساءة بالإساءة بل بالحلم والنصح. والمغاربة الكرماء لا يتتبعون عورات الناس ويترصدون أخطائهم.
إن التفاعل مع قضية يتيم وخطيبته يساءل من جهة، الحركات الإسلامية التي تقع في أكثر من مرة في تناقض صارخ بين خطابها الأخلاقي وممارسة أعضائها، خاصة عندما يتعلق الأمر بعلاقة الرجل بالمرآة. لدا، على هذه الحركات أن تنظر لتطور المجتمع ومتطلباته بنظرة واقعية، وتكف عن محاولة إحتكار الصفاء الأخلاقي وتتذكر قول المولى عز وجل: “أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون”.
هذه القضية التي أخذت حيزا أكبر من المعقول في النقاش العمومي، مهمشة بذلك قضايا سياسية وإجتماعية وإقتصادية، تقض مضجع المغاربة كهجرة أبنائهم في قوارب الموت، وتمجيد المستعمر وإستغلال ثرواتهم..، تساءل المجتمع، الذي في مهب الريح يميل بما تشتهي الرياح لا بما تتطلب مصلحته. هل يعقل أن تغلق صورة شخصين يمسكان يديهما في الشارع العام نقاش مقتل “شهيدة الحريك”، هل من العدل أن ننسب صور ونفتري على الناس بما لم تتجاوز قبضة أيديهم، ولم تنطق به ألسنتهم؟ كما وقع بنشر صورة لفتاة ليست مغربية الجنسية على أنها “خطيبة يتيم”. هل من المروؤة ونبل السياسة أن تصفى  الحسابات السياسية على حساب كرامة وسمعة الناس، وإستقرار أسرهم؟. أليس من الذكاء أن نتساأل لماذا تم نشر مقطع الفيديو في عز الصراع بين “البجيدي” و”الأحرار” برغم من أنه صور في شهر رمضان الماضي؟. فالمجتمع “لي جات الريح تديه” يحتاج درسا في الإبحار حتى تبقى سفينته في الطريق الصحيح أمام الأمواج التي تسعى لتحريفه عن النقاش الحقيقي المتعلقة بتدبير الشأن العام والعيش الكريم.
يتيم لم يخطئ عندما سافر وأمسك بيد خطيبته وعشيقته، ولن يكون مخطئا حتى وإن عاشرها جنسيا، مادام كل ذلك تم برضا الطرفين، لكنه أخطئ عندما حاول تبرير سلوكه الذي هو حر في القيام به، بمنظور الدين، وكأن الإسلام ثوب يرتديه على مقاسه، وفي أي وقت وكما شاء. فمقارنته لخطبته بالمرأة الكتابية اليهودية والمسيحية، فقط لأنها غير مرتدية للحجاب، يشكل أقصى درجات السكيزوفرينية التي تتطلب مراجعة المسلمات الثقافية الأصولية التي يتشبع بها يتيم. فليس هناك مكان وسط بين الجنة والنار.

 

“الإنسان عندما يصبح مسؤول تضيق حياته الخاصة”،  هكذا تكلم شاهد من أهل يتيم، مصطفى الرميد، فهل يستوعب يتيم وغيره من المسؤولين الدرس، ليس ليدركوا أن وجودهم تحت الأضواء يكشف عوراتهم وأخطائهم، ولكن ليتيقنوا أن الوضع بالمغرب اليوم يتطلب من المسؤولين على تدبير شؤونه أن يمنحوا كل دقيقة من حياتهم لخدمة هذا الشعب الذي يرمي أبنائه انفسهم في البحر بحثا عن العيش الكريم.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

1 تعليق
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
Omraw
المعلق(ة)
4 أكتوبر 2018 09:03

Franchement les gens et les médias s’attardent beaucoup sur des petits détails et oublient l’essentiel, c’est un être comme les autres, il a les mêmes besoins que tout le monde, alors jugez le sur le résultat de son travail et pas sur ses sorties avec sa maitresse.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x