2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
في هذا الحوار، تشخص حنان رحاب، رئيسة منظمة النساء الاتحاديات، خطورة الظاهرة، العنف ضد النساء، مؤكدة أنها ليست انحرافات فردية بل امتداد بنيوي لثقافة ذكورية تمييزية تستهدف النساء، خاصة الناشطات في المجال العام، وتحذر من أن العنف الرقمي تحوّل إلى أداة لـ “الاغتيال المعنوي” تستغل حتى تطورات الذكاء الاصطناعي.
كما تستعرض رحاب في هذا الحوار الذي أجري معها بمناسبة الحملة الأممية السنوية لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات، والتي خصصت هذا العام للتركيز على الظاهرة المتنامية لـ “العنف الرقمي”، (تستعرض) التحديات التي تعترض جهود المكافحة في المغرب، وتقدم المحاور المستعجلة لتجويد الإطار القانوني والاجتماعي لحماية الضحايا ومحاصرة هذه الآفة التي تهدد المكتسبات الحقوقية والسياسية للمرأة.
نص الحوار كاملا:
خصصت الأمم المتحدة حملتها السنوية التي انطلقت مؤخراً بخصوص مناهضة العنف ضد النساء، لموضوع العنف الرقمي، ماذا يعني لكم التركيز على العنف الرقمي في حملة هذه السنة؟
ليست هذه المرة الأولى التي تخصص فيها الأمم المتحدة حملتها السنوية لمناهضة العنف ضد النساء لموضوع العنف الرقمي ضد النساء والفتيات، ولذلك فإن الرجوع لهذا الموضوع بين الفينة والأخرى يحمل دلالتين:
الأولى: مرتبطة بمحدودية أثر الحملات السابقة، مما يعني تصاعداً في أشكال العنف الرقمي ضد النساء والفتيات كمّاً ونوعاً.
الثانية: تطور أشكال العنف الرقمي، وخصوصاً مع ثورة الذكاء الاصطناعي، التي ساهمت للأسف في سهولة تشييد محتويات رقمية ذات خلفيات تمييزية بسبب النوع الاجتماعي.
لكن الخطر الأكبر يكمن في سهولة إنتاج مواد سمعية أو سمعية بصرية تعتمد فبركة الأصوات والصور من أجل التشهير بالنساء، سواء بهدف الإثارة الرخيصة، أو بهدف تصفية الحسابات، أو بهدف الاغتيال المعنوي، خصوصاً وسط النساء الرائدات في المجال العام.
ولقد أكدت الإحصائيات أن النساء يظلن في مقدمة ضحايا الجريمة الإلكترونية، وخصوصاً ذات المنحى العنيف، والضحايا يكون مصيرهن للأسف النبذ الاجتماعي، أو الاستقالة القسرية من الالتزامات المدنية، وفي حالات أخرى يؤدي العنف الرقمي إلى مستويات من الإحساس بالاضطهاد تتم ترجمته انتحاراً أو أمراضاً نفسية خطيرة.
يذهب البعض إلى أن العنف الرقمي يتساوق مع التطور التكنولوجي لأي دولة، وبالتالي فتأثيراته السلبية في الدول المتقدمة أكثر من الدول التي لا زالت تعاني من الأمية الرقمية، هل تتفقين مع هذا الرأي؟
أعتقد أن هذه الفرضية لا تصمد أمام معطيات الواقع، وأمام الإحصائيات الموثوقة، والتي تقول بأنه لا فرق في حدة وآليات وتأثيرات العنف الرقمي بين الدولة المتقدمة تكنولوجياً وباقي الدول، إذ أن ممارسة هذا النوع من العنف لا تحتاج إلى تقنيات معقدة، أو لا يمكن بلوغها.
التفاوت على هذا المستوى بين الدول لا علاقة له بالتقدم التكنولوجي، بل له علاقة بأمرين:
الأول: وجود أو غياب ترسانة قانونية رادعة للعنف الرقمي، وتوفر الحماية للضحايا.
الثاني: وعي المؤسسات الوطنية بخطورة العنف الرقمي، مما يؤدي إلى خلق برامج للوقاية والتثقيف واحتضان الضحايا.
إلى أي فئة من الدول يمكن أن نصنف المغرب؟
المغرب يقع إذا صح التعبير في المنزلة بين المنزلتين، إذ توجد قوانين تجرّم الاعتداءات الرقمية بصفة عامة، وتتشدد نسبياً في جرائم العنف ضد النساء، بما في ذلك العنف الرقمي، كما أن الحركة الحقوقية والنسائية بصفة خاصة، ومنها منظمة النساء الاتحاديات تترافع على هذا المستوى.
فمثلاً، نحن في منظمة النساء الاتحاديات نشتغل وفق خطين متكاملين:
الخط الأول: الاشتغال وسط المجتمعات، تثقيفاً وتوعية، وكذا حماية للضحايا، ومساعدتهن على مستوى الولوج للعدالة والتقاضي، والعمل في حدود إمكانياتنا على إعادة إدماجهن داخل المجتمع، بعيداً عن آثار الخوف.
الخط الثاني: الترافع أمام المؤسسات الوطنية ذات الصلة، وأمام المؤسسة التشريعية، وأمام مجمل الفاعلين السياسيين والحقوقيين والمدنيين، من أجل تجويد النصوص القانونية من جهة، ومن أجل حماية الضحايا من جهة ثانية، وخصوصاً المبلغات عن هذه الجرائم.
ولذلك فإن تقييمنا لمستوى مكافحة العنف الرقمي ضد النساء في المغرب، يجعلنا نقر بالتقدم النسبي، لكن مع ذلك نحن في منظمة النساء الاتحاديات ما زلنا غير راضيات، وخصوصاً مع استمرار هذه الآفة في الانتشار بشكل أصبح يهدد حتى المكتسبات المرتبطة بالتمكين للنساء مهنياً وسياسياً.
في رأيك ما الأمور المستعجلة لمحاصرة العنف الرقمي ضد النساء بالمغرب؟
لا توجد وصفة خاصة بالمغرب، بقدر ما يجب تفعيل الآليات التي تدعو لها الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية المدافعة عن حقوق النساء، مع تكييف التوصيات الأممية مع الأطر القانونية المحلية.
صحيح، أنه ثمة عقبات اجتماعية وثقافية في بعض البلدان، ومنها المغرب، مرتبطة بأن الضحايا في غالب الأحيان يلجأن إلى الصمت، بسبب انتشار ثقافة ما يسمى بالسترة، وخاصة أن العنف الرقمي بخلاف العنف المادي لا يمارس في الفضاء العام المكشوف، بل خلف الشاشات.
وصحيح أن المغرب قام بمجهودات، من مثل القانون 103/13 الذي اعتبر العنف الرقمي جريمة، ورتب على ذلك عقوبات، إلا أن التطبيق ما زالت تعترضه مجموعة من الصعوبات، خصوصاً على مستويات التبليغ والإثبات.
وتبعاً لذلك، فإننا نرى ضرورة التدخل على المستويات التالية:
الدعم القانوني والنفسي للضحايا: لأنهن لا يحتجن فقط لحكم قضائي منصف، بل كذلك لمواكبة نفسية، وخصوصاً في مرحلتي الصدمة والخوف من التكرار، مما يتطلب تشييد المزيد من مراكز الإنصات وخلايا استقبال النساء والفتيات ضحايا العنف، وخاصة الرقمي.
تشجيع التبليغ: إذ على الدولة أن تسهل مساطر التبليغ، وعلى الجمعيات العاملة في الميدان كذلك الاشتغال أكثر على توفير المعلومة وسط النساء بخصوص آليات التبليغ والتقاضي والحماية.
التوعية: فقد أصبح من الملح إدماج التربية الرقمية في المؤسسات التعليمية، خصوصاً في طوري التعليم الثانوي الإعدادي والتأهيلي، وتنظيم دورات موجهة للأسر وللفتيات بالخصوص تشتغل على مستويي التثقيف بخطورة استعمال الأدوات الرقمية بدون الحذر من الوقوع في مشاكل الابتزاز والتهديد، وآليات التبليغ والمساعدة القضائية.
تجويد النصوص القانونية: من خلال تشديد العقوبات فيما يخص ممارسة العنف الرقمي ضد النساء والفتيات، وفيما يخص تحسين الإطار القانوني لحماية المبلغات والشهود.
باعتبارك فاعلة سياسية ونقابية هل تلمسين خصوصية للعنف الرقمي ضد النساء في مجال العمل الحزبي والنقابي والإعلامي، وتدبير الشأن العام بصفة عامة؟
طبعاً لا يمكن أن تفلت النساء الناشطات في العمل السياسي أو النقابي أو الحقوقي أو الإعلامي من العنف بشتى أنواعه، بما فيه الرقمي، مثلهن مثل باقي النساء في ميادين أخرى، إذ الأمر غير مرتبط بمجال دون آخر، بل ببنية ثقافية واجتماعية تتساهل مع العنف ضد النساء، وتتضايق في الآن نفسه من التقدم الملحوظ للنساء على مستوى الحضور في الفضاء العام.
ولذلك فقد تتبعنا في منظمة النساء الاتحاديات العديد من أشكال العنف الرقمي الذي استهدف نساء بسبب نضالهن السياسي (النساء البرلمانيات والمستشارات الجماعيات نموذجاً)، وكذا الفاعلات الحقوقيات اللواتي يتعرضن للوصم بسبب دفاعهن عن المساواة الكاملة، والصحافيات سواء في مقرات العمل أو بسبب عملهن.
ويبقى التشهير هو أكثر آليات العنف الرقمي استخداماً لمضايقة أو إقصاء أو تصفية الحسابات مع النساء الحاضرات بقوة في المجالات السياسية والنقابية والحقوقية والإعلامية، وللأسف فإنه ما زال يواجه بنوع من الاستخفاف واللامبالاة وأحياناً التواطؤ.
لقد وجدت العديد من القيادات النسائية السياسية والنقابية، والعديد من الوجوه النسائية الحقوقية البارزة، والعديد من الصحافيات أنفسهن في حالات كثيرة معزولات أمام شراسة العنف الرقمي إلا من دعم يكاد يكون محدوداً. مما يطرح ضرورة التفكير في خلق شبكة للتضامن بين ضحايا هذه الممارسات.
كليمة عفاك على حرم المهداوي