2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
مراكز التوطين والتضامن الضريبي
جلال مجاهدي
توصلت مؤخرا عدد من مراكز التوطين خاصة بجهتي الرباط و الدار البيضاء برسائل إخبارية موجهة إليها من طرف قباض الضرائب التابعيين للمديريات الجهوية للضرائب ,تخبرهم فيها بأنهم متضامنين مع عدد من الشركات التي تعذر استخلاص الديون الضريبية في مواجهتها و ذلك استنادا إلى المادة 93 من مدونة تحصيل الديون العمومية و التي تنص على أن تحصيل الديون بمقتضى الجداول الضريبية يمكن أن يتم في مواجهة الأشخاص الذين جعل المدينون موطنهم الجبائي لديهم بموافقتهم.
هذه الرسائل الإخبارية التي أصبحت تتقاطر على مراكز التوطين, أضحت هي الحديث اليومي لمسيري هذه المراكز و الذين تكتلوا على شكل جمعيتين مهنيتين إحداهما في طريق الإنشاء و على شكل ائتلاف وطني مهني للدفاع عن مصالحهم.
و من بين الانتقادات التي يوجهها المسؤولون عن مراكز التوطين للتوجه الحالي للإدارة الجبائية ,هو عدم احترام قباض الضرائب للشكليات و الآجال الواردة بمدونة تحصيل الديون العمومية ,حيث يتفقون على أن إرسال الرسائل الإخبارية هو إجراء لا علاقة له بالإجراءات المنصوص عليها في المدونة و هي الإجراءات التي جاءت على سبيل الحصر و تتمثل في الإنذار الذي يتعين أن يسبقه الاشعار بدون صائر ثم الحجز و البيع بالمزاد العلني و بالتالي فحسب مراكز التوطين فليس من بينها الرسائل الإخبارية و هنا يتمسكون بمقتضيات المادة 29 التي تنص على أن إجراءات التحصيل تباشر في مواجهة المدينين المتضامنين حسب نفس الشروط المتعلقة بالمدينين الأصليين.
والملاحظ أن هذا الانتقاد له ما يؤسسه ذلك أنه إذا كان الدين واحد بالنسبة للمتضامنين ,فإن ذلك لا يعني وحدة التبليغ , فالتبليغ الجماعي غير منصوص عليه و المقصود من التبليغ ,هو جعل المدين في حالة مطل إزاء الدين و طالما أن قباض إدارة الضرائب لم يوجهوا الاشعارات و الإنذارات لمراكز التوطين بصفتهم متضامنين ,فإن انعدام التبليغ لا يجعلهم في حالة مطل و ينضاف إلى ما ذكر أن إجراءات التحصيل هي من النظام العام و لا تسوغ مخالفتها من طرف الإدارة الجبائية.
هذا الموقف المعبر عنه من طرف مراكز التوطين له ما يؤيده فالمحاكم الإدارية تتشدد بخصوص إجراءات التبليغ طالما أنها تمس بالمراكز المالية للمدينين و للإشارة فإن محكمة النقض قد سبق لها و أن تبنت هذا الاتجاه ,حيث جاء في قرار لها عدد 1139 الصادر بتاريخ 15 نونبر 2012 في الملف عدد 2012/1/4/796 بأن ” إجراء التحصيل أو التبليغ يجب أن يتم بالنسبة لكل مدين على حدة و بأنه لا يمكن اعتبار تبليغ أحد المدينين المتضامنين قاطعا للتقادم تجاه الآخرين “
و إضافة إلى ما ذكر تعيب مراكز التوطين على الرسائل الإخبارية بأنها حررت بصيغة إنشائية مبهمة و مجملة و لا تتضمن أية معلومات لا بخصوص الدين الضريبي و لا بخصوص إجراءات التحصيل و هي غير مرفقة بأية جداول أو سندات قابلة للتحصيل و تتمسك المراكز المذكورة بكونها لا علم لها لا بالضرائب و لا بإجراءات التحصيل المتبعة ذلك أنها باستثناء مدة سريان العقود التي تكون لها الصفة في التوصل عن المقاولات الموطنة ,بمقتضى بند في العقد او وكالة خاصة ,فهي لا صفة لها في التوصل بعد توقف العقد و إلا أثيرت مسؤوليتها القانونية فالمادة 219 من المدونة العامة للضرائب عددت الأشخاص الذين لهم صفة التوصل عن الأشخاص المعنوية و منها الشركات على سبيل الحصر و هم الشركاء الرئيسيون و المسيرون و الأجراء و المستخدمون و ليس من بينهم شركات التوطين.
و من بين ما تثيره مراكز التوطين أيضا كانتقاد لتوجه إدارة الضرائب و قباضها في إعمال التضامن في مواجهتهم , هو إعمالها للتفسير الواسع للنص , ذلك أنه حسب مراكز التوطين فإن أي نص يمس بحريات الأشخاص أو مراكزهم المالية , فالفقه و القضاء اجتمعا على إعمال التفسير الضيق بخصوصه حفاظا على الحقوق و الحريات و أنه بالرجوع إلى مقتضيات المادة 93 من مدونة تحصيل الديون العمومية فإنها نصت على التضامن بخصوص ” الأشخاص الذين جعل المدينون موطنهم الجبائي لديهم بموافقتهم ” و حسب مراكز التوطين فإن الشركات و المقاولات الموطنة لم تكن لها صفة المدين وقت توطينها و المقصود من النص حسب التفسير الضيق هو أن توطين أية شركة مدينة مع شرط الموافقة يجعل من الموطن لديها متضامنة معها خاصة و أنه في اللغة الضريبية فلا يكتسب شخص صفة المدين إلا من تاريخ استحقاق الدين و حسب المراكز المذكورة فإن النص اشترط صفة المديونية و شرط الموافقة و بالتالي كنتيجة فشرط صفة المدين متخلف و شرط الموافقة على توطينه مع العلم بمديونيته متخلف و تقدم مراكز التوطين لدعم هذه القراءة صورة أخرى و التي مفادها بأن الأشخاص الذين يكرون محلاتهم كمقرات لمهنيين أو شركات أو مقاولات هم كذلك يجعلون الموطن الجبائي لها لديهم و إذا صح التفسير الواسع الذي تعتمده الإدارة الجبائية, فيتعين كذلك جعلهم متضامنين معهم بخصوص ضرائبهم و هو حسب تقديرهم أمر يمس باستقرار الأوضاع و بالنظام العام.
يضيف مسيرو مراكز التوطين بأن هذه القراءة السطحية للنص هي قراءة لا تواكب العصر و تعاكس سير الدولة نحو تجويد مناخ الأعمال و تحرير السوق و تشجيع الاستثمار و النهوض بالمقاولات الصغرى و المتوسطة
كما تناشد مراكز الاعمال القائمين على التشريع بإخراج قانون مستقل ينظم التوطين بالشكل المطلوب مع إشراك المهنيين عند صياغته و حسب ذكرهم فإن القانون الحالي المدمج كبنود ضمن مدونة التجارة هو بعيد كل البعد من أن يحيط بالأوضاع القانونية التي يفرزها عقد التوطين و يضع على عاتق شركات التوطين التزامات مرهقة و دون جدوى تذكر.
الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.