لماذا وإلى أين ؟

خبراء ووزراء سابقون في نواكشوط: نداء لإيقاظ الوعي المغاربي!

بقلم: عبد السلام الصديقي*

بدعوة من المعهد الموريتاني للدراسات الاستراتيجية (IMES)، اجتمع في العاصمة الموريتانية، على مدى ثلاثة أيام (من 25 إلى 27 نوفمبر)، مجموعة من الخبراء يمثلون الدول الخمس في المغرب العربي الكبير، من بينهم 9 وزراء سابقين. وقد كان الهدف هو التفكير الجماعي في مستقبل الاتحاد المغاربي، مركزين على القضايا الأساسية التي تواجه دول المنطقة في سياق عالمي يتسم باللايقين والتفكك وتحديات التغيرات المناخية وخطر الإرهاب وتزايد النزاعات. كل هذه العوامل تدعو إلى إعادة إحياء الاتحاد المغاربي بتجاوز الأنانية الوطنية والوفاء للروح التي حركت القادة الموقعين على المعاهدة التأسيسية للاتحاد المغاربي في مراكش بتاريخ 17 فبراير 1989.

التكلفة الباهظة لتجميد الاتحاد المغاربي
إن الأمل والزخم الشعبي اللذين أثارهما هذا العمل الشجاع، الذي استجاب لتطلعات شعوب المنطقة والتحديات التي تواجه دولنا، تلاشيا تدريجياً في أعقاب انحراف بعض القادة ونزعتهم الهيمنية، ظناً منهم – خطأً – أن بإمكانهم الخروج من المأزق بمفردهم، حتى لو كان ذلك على حساب جيرانهم. إن فترة السبات الطويلة للاتحاد المغاربي وتوقفه عن العمل كافية لإظهار حدود هذا التوجه. لقد دفعت جميع الدول ثمناً باهظاً لتعثر الاندماج المغاربي من حيث النمو والازدهار لشعوب المنطقة.

وفي تقريره عن الاندماج الاقتصادي في المغرب العربي، قدّر البنك الدولي أن الاندماج الكامل، بما في ذلك تحرير الخدمات وإصلاح قواعد الاستثمار، كان من شأنه أن يؤدي إلى زيادة في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد بين عامي 2005 و2015 بنسبة 34٪ في الجزائر، و27٪ في المغرب، و24٪ في تونس. وتتطابق هذه البيانات مع تلك الصادرة عن البنك الأفريقي للتنمية، الذي يقدّر أن غياب التكامل في المغرب العربي يؤدي إلى خسارة في النمو تتراوح بين 1 و3٪ من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً! ومن يتحدث عن نقص في النمو، يتحدث بالضرورة عن تفاقم البطالة والتهميش الاجتماعي والفقر، وهجرة الكفاءات بسبب شح الفرص.

على الرغم من أن بعض دول المغرب العربي قد أحرزت تقدماً كبيراً على صعيد التجارة، إلا أن المنطقة ككل لا تزال واحدة من أقل المناطق اندماجاً في العالم. وتمثل التجارة داخل المنطقة أقل من 5% من إجمالي التجارة البينية لدول التكتل، وهي نسبة تقل بكثير عن تلك المسجلة في جميع الكتل التجارية الإقليمية الأخرى حول العالم.

والنتيجة واضحة، الأرقام تتحدث عن نفسها، على الرغم من أن دول المغرب العربي تتمتع بثروات طبيعية هائلة وكفاءات بشرية لا يستهان بها، إلا أنها لا تزال متعثرة في الانطلاق، فهي تظل في أحسن الأحوال في فئة البلدان ذات الدخل المتوسط، ولا يوازي الوزن الحالي للدول الخمس كثيراً مقارنة بالقوى العظمى، فالمغرب العربي، الذي يمتد على مساحة شاسعة تبلغ 6 ملايين كيلومتر مربع (أي 4٪ من مساحة الكرة الأرضية)، لا يمثل سوى 0.13٪ من سكان العالم (106 ملايين نسمة من أصل 8 مليارات). كما أنه، مع ناتج محلي إجمالي يبلغ 540 مليار دولار، لا يمثل سوى 0.5٪ من الثروة العالمية. علاوة على ذلك، يتراوح متوسط الناتج المحلي الإجمالي للفرد في الدول المغاربية الخمس بين 6318 دولاراً و2205 دولارات. ويبلغ المتوسط المغاربي 5100 دولار للفرد مقابل متوسط عالمي قدره 17695 دولاراً، بفارق يتراوح بين 1 إلى 2.7! وتبلغ الفجوة 1 إلى 8 مقارنة بدول أوروبا الـ 27، و1 إلى 17.3 مقارنة بالولايات المتحدة. وتُلاحظ فجوة مماثلة في المؤشرات الاجتماعية ومؤشرات التنمية البشرية.

هذه البيانات تدعو إلى التكامل المغاربي، الذي يمثل السبيل الوحيد لخلق التآزر وتحقيق التكامل المنشود، من أجل الارتقاء إلى مستوى أعلى من التنمية وتحسين اندماج المنطقة في سلاسل القيمة العالمية. ومن شأن ذلك أن يعزز قدرة دول المغرب العربي على الصمود في مواجهة الصدمات الخارجية وتقلبات الأسواق.

حان الوقت لتحريك عجلة الاندماج
ناقش المشاركون في اجتماع نواكشوط هذه القضايا بروح بناءة، مع التركيز على العناصر التي توحدهم، تماشياً مع رغبة المنظمين. ويتمثل الهدف الأولي في تهيئة الظروف الملائمة لإجراء حوار جماعي مثمر في المستقبل. ولكن يمكن القول بالفعل إن هذا الاجتماع قد حقق أهدافه، حيث أعرب جميع المشاركين بوضوح عن أن الوضع الحالي الذي يمر به المغرب العربي لا ينبغي أن يستمر طويلاً وأن الوقت قد حان لاتخاذ مبادرات. وبطبيعة الحال، فإن هذه المهمة لا تعتمد على مجموعة من المفكرين محدودة العدد بالضرورة.

ولذلك، تم توجيه نداء صادق إلى جميع الأطراف الفاعلة، وفي مقدمتها الحكومات، من أجل العمل والاستجابة لرغبات الشعوب التي يوحدها التاريخ والجغرافيا. علاوة على ذلك، تشكّلت فكرة المغرب العربي في إطار النضال المشترك والتضامني ضد الاستعمار. لا شيء يمنعنا من مواصلة هذا النضال ضد التخلف والتبعية تجاه القوى العظمى، لضمان ”سيادتنا الجماعية“.

إن مجموعة العمل التي أُنشئت في نواكشوط عازمة على المساهمة في ذلك، وستبقى منفتحة على جميع النوايا الحسنة. وهي لا تدعي احتكار التفكير؛ بل على العكس، نحن بحاجة إلى مضاعفة مثل هذه المبادرات التي تجمع بين الفاعلين من مختلف الدول الخمس. ولا بد من التأكيد على أن المغرب الكبير يجب أن يكون شأناً للدول والشعوب. وبهذه الشروط فقط، سيستعيد التكتل ديناميكيته ليؤدي الدور المنشود.

لقد طرح المشاركون في اجتماع نواكشوط العديد من الأسئلة الجيدة، وتم تجنُّب أسئلة أخرى عن قصد، تاركين للوقت أن يأخذ مجراه!

*وزير سابق

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x