لماذا وإلى أين ؟

منذ متى كان النظام الجزائري مع القضية الفلسطينية

لحسن الجيت

من المغالطات المقرفة أن اعتبرت العديد من وسائل الإعلام والمنابر أن تصويت الجزائر في مجلس الأمن الدولي على المقترح الأمريكي بنزع السلاح الفلسطيني كان بمثابة انقلاب مفاجئ على القضية الفلسطينية- ونحن لا نذهب في المنحى الذي استقرت عليه مختلف التحاليل الإعلامية وروجت له- ولذلك نعتبر أن الموقف الذي اتخذته الجزائر يسقط القناع عن الوجه الحقيقي الذي اعتاد التستر عليه وهو التعامل مع المشكل الفلسطيني كورقة وليس كقضية تخص الشعب الفلسطيني –

لقد سبق لنا في عدة مناسبات أن نبهنا الفلسطينيين بأن النظام الجزائري يستخدمهم كورقة في صراعه مع المغرب وأن ذلك لا علاقة له بخدمة قضيتهم لا من بعيد ولا من قريب- وها هو الشعب الفلسطيني يقف اليوم على هذه الحقيقة ويقف على حقيقة قيادته التي كانت تسمسر في قضيته مقابل مبلغ من المال بغدق به النظام الجزائري نكاية في المغرب-

هذه القراءة التي نخص بها الشعب الفلسطيني بالدرجة الأولى وفي المقام الثاني ننور بها الرأي العام المغربي، تستند على المواقف التي اتخذتها وتتخذها الدبلوماسية الجزائرية في كيفية استخدامها لهذه الورقة وما هي أهدافها الحقيقية- ومن أجل فهم حقيقي وواقعي نستعرض لتلك المواقف في محطات تذكر بها على سبيا المثال لا الحصر:

1 ـ كانت البداية لهذه المواقف المشبوهة في أواخر ثمانينيات القرن الماضي حينما استغل النظام الجزائري استضافة دورة المؤتمر الوطني الفلسطيني ، أي الجهاز التشريعي الفلسطيني تحت رئاسة السيد ياسر عرفات، ليقحم ذلك النظام زعيم الانفصاليين محمد عبدالعزيز المراكشي في جدول أعمال الجلسة الافتتاحية ملقيا فيها خطابا على مرأى ومسمع مختلف الفصائل الفلسطينية الممثلة في ذلك البرلمان-

وبسبب هذا الفعل المشين انسحب الوفد المغربي برئاسة مستشار جلالة الملك أحمد بنسودة- وعلى إثرها ألقى جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني خطابا قويا دعا فيه إلى مقاطعة كل المناسبات التي يحضرها القادة والمسؤولون الفلسطينيون ونبه من مغبة كل مسؤول مغربي وما قد يتعرض له من عقوبات صارمة فيما لم يلتزم بذلك-

2 ـ بعد تلك المؤامرة، اعتاد النظام الجزائري على استخدام الورقة الفلسطينية في مناسبات أو بدون مناسبات ليجعل منها كذبا وبهتانا قضية لها أوجه التشابه مع ما يسميه ذلك النظام بالقضية الصحراوية- هذه المقارنة المكشوفة تروج لمغالطات منها أن الشعبان الفلسطيني والصحراوي ما زالا برزخان إلى حدود القرن الواحد والعشرين تحت ما يسميه بالاحتلالين الإسرائيلي والمغربي-

وهناك العديد من قادة الفصائل الفلسطينية من أتى بهم النظام الجزائري إلى مخيمات تيندوف لتدريب الانفصاليين ولتعذيب بعض السجناء الجنود المغاربة- بعض الإفادات من جنود مغاربة أكدوا أنهم تعرضوا للتنكيل والتعذيب على يد أحمد جبريل المسؤول آنذاك عن فصيل يحمل اسم “القيادة العامة”-

كما أن بعض القياديين من أولئك الفلسطينيين قذ كشف عن وجه من أوجه تلك المقارنة الجزائرية المشبوهة حينما صرح أمام زعيم الانفصاليين ابراهيم غالي بأن الطريق إلى القدس يمر عبر الصحراء الغربية- وخلال ذلك اللقاء قام المسؤول الفلسطيني بوضع الكوفية الفلسطينية على عنق المدعو إبراهيم غالي مثلما يحملها بعض الكوفيين عندنا دلالة على رمزية الكفاح والنضال المشترك-

3 ـ ما يؤكد ضلوع النظام الجزائري في استخدام الورقة الفلسطينية ضد المغرب يتجلى أيضا في تسخير السفير الفلسطيني المعتمد لدى الجزائر لخدمة الأجندة الجزائرية- هذا السفير استدرج غير ما مرة عن طريق الإغراءات التي قدمتها له الجزائر ليتخذ مواقف معادية للوحدة الترابية للمملكة المغربية سواء عن طريق رفع علم الانفصاليين أو الإدلاء بتصريحات مناوئة للمغرب- بل أكثر من ذلك، لم تستطع السلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله أن تنفي ما جاء على لسان ممثلها في الجزائر، ولا استطاع وزير خارجية تلك السلطة أن يخرج بتصريح إعلامي في الموضوع بعد استقباله للسفير المغربي في رام الله-

4 ـ نفس سيناريو المؤامرة يتجدد على يد النظام الجزائري مع وزير الشباب والرياضة الفلسطيني أحمد جبريل الرجوب الذي خرج في مناسبتين لزيارته للجزائر بتصريحات مناوئة للوحدة الترابية للمملكة المغربية منها أنه من حق الشعب الصحراوي، في رأيه، أن يحسم في تقرير مصيره عن طريق الاستفتاء- وأفادت بعض المصادر آنذاك أن السيد أحمد جبريل الرجوب تقاضى مقابل هذا التصريح مبلغا يعد بملايين الدولارات-

5 ـ هناك دلالات قوية تشير إلى أن النظام الجزائري لا تهمه القضية الفلسطينية و لا ما يعانيه شعب هذه القضية- والدليل على ذلك أن كل بقاع العالم وكل الشوارع في مدن هذه الأرض من شرقها وغربها غصت بالمظاهرات والاحتجاجات في تضامن شعبي مع الضحايا الأبرياء لحرب لم تبق ولم تدر، إلا شوارع مدن الجزائر التي خيمها عليها السكوت المريب- ولم يسمح النظام الجزائري على مدى عامين من الحرب لأي كان أن يخرج للتضامن مع الشعب الفلسطيني على عكس ما جرى في المغرب حيث كان المغاربة يضربون كل أسبوع موعدا مع الاحتجاجات في مختلف المدن المغربية-

6 ـ وما دمنا نحن بصدد المقارنات، فينبغي الإشارة إلى أن المقارنة التي وجب الوقوف عندها وهو أن الدعم الذي كان يقدمه المغرب للقضية الفلسطينية كان يستهدف بالأساس الشعب الفلسطيني ليوصل المساعدات إلى مستحقيها- أما النظام الجزائري فكان همه الوحيد في تعامله مع المشكل الفلسطيني من باب شراء الذمم للقيادات الفلسطينية أي تسخير هذا السفير وذلك الوزير وغير من قادة الانفصاليين في محاولة للتنكيل بالمغرب-

7 ـ ولأن الهاجس الجزائري من كل ذلك كما بدا جليا يتمثل بالأساس في كل ما له علاقة بعقده تجاه المغرب، فإن هذا النظام بعد أن اتضح له أن الرهان على الورقة الفلسطينية لم يعد مجديا سارع إذن إلى تغيير ورقة الرهان في اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية والارتماء في أحضانها ليس فقط بإرضائها في عملية التصويت على تزع السلاح الفلسطيني ولكن بوضع كل خيرات الجزائر رهن إشارة الرئيس دونالد ترامب لعل ذلك قد يغير من وجهة الولايات المتحدة الأمريكية في اتجاه الجزائر بدلا من المغرب-

إذن التصويت كما يبدو هو عبارة عن محاولة تودد النظام الجزائري والانبطاح على أعتاب البيت الأبيض ولتذهب القضية الفلسطينية إلى مثواها الأخير- هذه هي الحقيقة التي تأخر الفلسطينيون في إدراكها ومن يعبد المال فهذا مآله، ولا خير يرجى منه في الدفع بقضيته إلى الأمام.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x