2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
يوسف بنشهيبة*
لقد غرقت مواقع التواصل الاجتماعي في مستنقع من التفاهة والميوعة والأخبار الزائفة، لم يسبق أن شهدها المغرب. فقد أصبحت هذه المنصات مرتعًا خصبًا تنمو فيه مختلف الظواهر الماسة بالدين والأخلاق والعادات والتقاليد والنظام العام، وما لا يخطر على البال.
يطرح هذا الوضع تساؤلات عديدة: من صنع هؤلاء الذين يُطلق عليهم اسم “المؤثرين”؟ وعلى ماذا يؤثرون؟ وكيف يتم هذا التأثير؟ ولأي غاية؟
إن هؤلاء “المؤثرين” لم يسقطوا من السماء، وليسوا نبات الحراق القارص ينمو تلقائيًا بين ضفاف الوديان، بل إن ظهور هذه الفئة هو نتيجة مسار زمني طويل ساهم في صنعه بعض أفراد المجتمع أنفسهم، الذين ينتقدونها اليوم. فهل خُلقت هذه الفئة صدفة ؟ طبعًا لا. لقد شُجّعت على الظهور، وتقوّت، وتغذّت، واشتدّ عودها، وكأنها محمية بدرع حديدي يتيح لها نشر وبث سمومها عبر منصات الأنترنت. وتبقى المسؤولية الأكبر على من يشجع هذا النوع من المحتويات التافهة والرديئة.

إن الحديث عن الداعمين لهذه الفئات هو في الوقت نفسه حديث عن البنية الفكرية والعقلية للشرائح التي تتابعها وتمنحها كل أشكال الدعم، ما يضمن استمرارها في بناء جيل من “الضباع”، كما سماه محمد كسوس أصبحت هذه البيئة الافتراضية مستنقعًا حقيقيًا لنشوء العديد من الجرائم الإلكترونية أو ذات الطابع الإلكتروني، وانتقلت معها الجرائم التقليدية من المجال الواقعي إلى مجال افتراضي أكثر خطورة وانتشارًا، يُحقق شرط العلنية.
ومن بين هذه الجرائم: السب والقذف، التحرش الإلكتروني, الأخبار الزائفة, التشهير, ادعاء وقائع زائفة, المس بالحياة الخاصة للأشخاص, الخيانة الزوجية, التمييز والعنف المرتكب ضد المرأة بسبب جنسها, الإخلال العلني بالحياء العام, تقديم القدوة السيئة للأطفال, التحريض على الجنايات والجنح, التماس الإحسان العمومي بدون ترخيص, التهديد, الاتجار في البشر… وهذا مجرد مثال لا الحصر لأبرز الجرائم المنتشرة عبر الأنترنت.
لقد أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي تُشكّل تهديدًا حقيقيًا وراهنًا، يفرض علينا كمجتمع وكهيئات مدنية تحمّل المسؤولية في محاربة هذه المحتويات التي تسيء لصورة الوطن، باعتبار المجتمع آلية من آليات تجويد الممارسة السياسية الهادفة إلى تطوير النصوص التشريعية المتعلقة بمحاربة الجرائم الإلكترونية كما أن الدور الأمني والقضائي يشكل ركيزة أساسية في دعم إرادة المجتمع لمحاربة التفاهة والميوعة، عبر الضرب بيد من حديد على كل من سولت له نفسه الإساءة للوطن.
إلى جانب ذلك، يبرز اليوم تحدّي ضبط المحتويات الرقمية التي قد تتسم بالطابع المسيء أو الضار، خصوصاً مع الانتشار الواسع لوسائط التواصل الاجتماعي. وهنا تصبح الحاجة ملحة إلى إعمال رقابة فعّالة على هذه المواد، دون المساس بحرية التعبير المكفولة دستورياً، وبما يضمن احترام الضوابط القانونية التي تؤطر الحق في التعبير والرأي. فالتوازن الذي يسعى إليه المشرّع يقوم على حماية الفضاء الرقمي من الانتهاكات، مع الحفاظ في الوقت نفسه على جوهر الحرية وعدم الانزلاق نحو أي شكل من أشكال الرقابة التعسفية.
إن المقاربة الأمنية مسؤولية مشتركة بين جميع أفراد المجتمع، وليست حكرًا على الأجهزة الأمنية أو القضائية… كما أن قنوات التبليغ عن هذه الجرائم معروفة، ومن بينها منصة إبلاغ المحدثة من طرف المديرية العامة للأمن الوطني للإبلاغ عن المحتويات الرقمية التي تُعتبر جرائم.
*باحث في العلوم الجنائية والأمنية
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.