2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
نظمت مؤسسة فكر للتنمية والثقافة والعلوم، بشراكة مع قطاع الثقافة وتعاون مع كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي بجامعة محمد الخامس بالرباط، يوم الخميس 4 دجنبر 2025، ندوة وطنية تحت عنوان: “الوحدة الترابية للمغرب بعيون أكاديمية: قصة نجاحات وآفاق الحل السياسي”. وشهدت الندوة، التي احتضنها مدرج عبد الرزاق مولاي ارشيد، مشاركة نخبة من الباحثين والخبراء في قضايا الصحراء المغربية.
استهل اللقاء عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي، عمر حنيش، بكلمة افتتاحية شدّد فيها على أن مسار استرجاع الأقاليم الجنوبية يمثل “قصة وطنية مشتركة بين الملك والشعب”، مجسدة منذ المسيرة الخضراء إلى اليوم. وأكد أن مقاربة المغرب في تدبير هذا الملف تجمع بين الشرعية التاريخية والقانونية، وأن مبادرة الحكم الذاتي تظل الحل الواقعي والعملي المتوافق مع الشرعية الدولية، مشيراً إلى الدور المحوري للعمل الأكاديمي في تحصين النقاش الوطني وتفكيك خطاب التضليل.
تلاه رئيس مؤسسة فكر للتنمية و الثقافة و العلوم، محمد الدرويش، الذي أكد التزام المؤسسة بمتابعة القضايا الوطنية عبر منتديات وندوات تجمع بين الماضي والحاضر لاستشراف المستقبل. وجدد التأكيد على رصانة وجدية الدبلوماسية المغربية بقيادة الملك محمد السادس، الذي وضع قضية الوحدة الترابية ضمن “أولويات الأولويات”، مشدداً على أن هذه السياسة الحكيمة أعادت المغرب لموقعه الطبيعي بين الأمم. وتوقف الدرويش عند القرار الأممي الأخير ومقتضياته، مؤكداً أنه يشكل منعطفاً حاسماً في مسار النزاع وخطوة تُكرّس المكانة الدبلوماسية للمغرب وتؤكد نهاية مرحلة “الأزمة المفتعلة”. ودعا إلى دعم البحث الأكاديمي المتخصص في موضوع الحكم الذاتي لتحصين المكاسب.

التاريخ والدبلوماسية والتحولات
أدار الجلسة الأولى نائب عميد الكلية، عبد العزيز قراقي. وافتتحها محمد الشيخ بيد الله الذي روى تجربة شخصية حول الوضع في الأقاليم الجنوبية عشية المسيرة الخضراء، مؤكداً أن الاستعمار الإسباني كان “استعماراً بعيداً بأزمة أندلسية ممتدة”، وأن المسيرة الخضراء جاءت في سياق صعب طبعته القيود والقمع الممنهج.
وفي مداخلة حول “الدبلوماسية الملكية وترسيخ السيادة والوحدة الترابية”، ركّز عبد النبي صبري على تلازم قرار محكمة العدل الدولية وخطاب الملك الراحل الحسن الثاني، ثم القرار الأممي الأخير وخطاب الملك محمد السادس. واعتبر أن التحولات الدبلوماسية تؤكد أن جوهر النزاع صراع نفوذ وجيواستراتيجيا مرتبط بالمحيط الأطلسي، مشيراً إلى أن مصادقة المغرب على ترسيم حدوده البحرية كانت خطوة لقطع الطريق أمام الأطماع الخارجية.
من جانبه، قدم محمد زكرياء أبو ذهب قراءة بعنوان “ما بعد 31 أكتوبر: الخطوات المقبلة لحل النزاع المفتعل”، أكد فيها أن المعركة لم تُحسم بعد، مستحضراً استمرار المناورات. وأشار إلى أن شمولية وكالة تنمية الأقاليم الجنوبية لجهة كلميم واد نون قد تكون مؤشراً على توسيع نطاق الحكم الذاتي مستقبلاً. وشدد على أن المرحلة المقبلة تتطلب تقريب المواطن من مفهوم الحكم الذاتي، وأن الخطوة الحاسمة القادمة تتعلق بإخراج “البوليساريو” من الاتحاد الإفريقي وفق مقتضيات معاهدة مونتيفيديو.
أما حفيظ أدمينو، فتناول “الحكم الذاتي ومسارات التنزيل”، موضحاً أن الحكم الذاتي هو صيغة سياسية قبل أن تكون إدارية، وأن ورش الجهوية المتقدمة بالمغرب يُعِدّ الأرضية المثلى لتنزيله كحل دائم. واختتمت الجلسة بمداخلة مليكة الزخنيني حول “القرار 2797: آفاق الحل وحدود التأويل”، حيث اعتبرت أن القرار الأممي يشكل نقطة تحول في مقاربة الأمم المتحدة للنزاع، وأن فعاليته مرهونة بالاستثمار العلمي والسياسي لخدمة القضية الوطنية.

القانون والدستور والجيوسياسة
أدار الجلسة الثانية عمر العسري، حيث قدمت مجموعة من المداخلات المتخصصة. استهل محمد سيباويه، الخبير في المخطوطات الصحراوية، مداخلته بالتأكيد على أن التاريخ يشكّل أكبر مدافع عن القضية الوطنية، عارضاً وثائق تاريخية تبرز الارتباط العميق بين المغرب وأقاليمه الجنوبية، ومنها أحكام صادرة باسم السلطان ووثائق البيعة.
من جهتها، ركزت آمال بن إبراهيم على ضرورة بناء هندسة مؤسساتية للحكم الذاتي قائمة على التوفيق بين الجهة والمركز، معتبرة أن المبادرة المغربية تُجسّد نموذجاً يجمع بين الوحدة والتعدد، ودعت إلى منح الحكم الذاتي طابعاً دستورياً وخلق توازن في التمثيلية.
وفي السياق ذاته، تناول هشام برجاوي القرار الأممي 2797، موضحاً أنه مرّ بثلاث مراحل أساسية: اعتبار مبادرة الحكم الذاتي خطوة جدية، ثم الاعتراف بواقعيتها، وصولاً إلى اعتبارها أساساً وحيداً للتفاوض. وأكد أن هذا التطور أنهى الالتباس في مواقف عدد من الدول وأن أي طرح خارج إطار القرار الأممي يخرج عن الشرعية الدولية.
أما نذير المومني فتناول العلاقة بين الحكم الذاتي والقانون الدستوري للجماعات الترابية، معتبراً أن قواعد التنظيم الترابي في الدستور تشكّل إطاراً معيارياً لتطوير مبادرة الحكم الذاتي. وركّز على ضرورة التفريق بين الحكم الذاتي والفيدرالية، مؤكداً أن الحكم الذاتي سيكون حلاً نهائياً تحت السيادة المغربية، ومبرزاً أهمية استثمار الفصول الدستورية 136 و140 و141.
وقدّم محسن ادالي قراءة في بنية الخطاب الدبلوماسي المغربي، مبرزاً التحول الكبير الذي قاده الملك محمد السادس ليصبح الخطاب أكثر وضوحاً وحزماً، مشدداً على ضرورة تبسيط الخطاب لفائدة الأجيال الصاعدة.
واختتم عبد العالي حمي الدين فعاليات الجلسة بمداخلة قانونية وجيوستراتيجية حول القرار الأممي 2797، حيث أكد أن مبادرة الحكم الذاتي أصبحت اليوم أرضية أممية معترفاً بها دولياً، وأن الحل لن يكون عبر الاستفتاء بل عبر المفاوضات. وحدد ثلاثة تحديات رئيسية: تجديد الخطاب السياسي والإعلامي لكسب القلوب، تأهيل الفضاء الجهوي، وتهيئة مرحلة ما بعد الحل من خلال الإدماج البيداغوجي.
كما أبرز محمد حومالك أهمية الرؤية الاستراتيجية التي يعتمدها المغرب في تدبير القضية الوطنية، معتبراً أن الجمع بين البعد الدبلوماسي والبعد التنموي يشكل خياراً حاسماً لتعزيز السيادة على الأقاليم الجنوبية، وأن هذا التوجه المتكامل أفضى إلى نتائج إيجابية ملموسة.
وانتهت أشغال الندوة بالتعبير عن الأمل في مستقبل مغربي متطور يسهم في استتباب الأمن والسلم.