لماذا وإلى أين ؟

كيف يحق لكيان عضو في الاتحاد الافريقي أن يطالب بتقرير مصيره

لحسن الجيت

يبدو أن النظام الجزائري دخل مرحلة من العناد غير مسبوقة ليس مع العالم بل حتى مع نفسه- لا يعرف ماذا يريد وإلى أين تتجه به حماقاته- لقد أتعب نفسه أكثر مما أتعب غيره- كل مواقفه الهوجاء سرعان ما ترتد عليه– يتفاعل مع الحدث بحسب ما تمليه عليه تلك اللحظة فقط من دون قراءة جيدة للمستقبل– وكأن قيادة ذلك النظام ليس لها منظور كما ليس لها أفق- فهي لا تعيشمن أجل تدبير الشأن العام بل من أجل تيسير شؤونها بكيفية تضمن لها البقاء في سدة الحكم 

ولأنها على هذا الحال فهي غير ملزمة للاحتكام إلى قواعد الحكامة وهذا هو سر تناقض مواقفها سواء على مستوى السياسة الداخلية التي تستخدم فيها العصا والجزرة أو على المستوى الدبلوماسي حيث يتسع المجال للارتجال ولجلد الذات من خلال الأخذ بالشيء ونقيضه في عدة محطات ومواقع تشهد كلها عن حالة الارتباك التي يعيشها النظام الجزائري 

ولعل القرار الأخير الذي أصدره مجلس الأمن الدولي 2797 كان بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس- وقد شكل هذا القرار ضغطا كبيرا على النظام الجزائري بفعل ما تضمنه من مقتضيات تعزز بكل وضوح الطرح المغربي بعد أن خرج من منطقة رمادية أي من مرحلة سابقة كثر فيها التأويل إلى مرحلة جديدة قطعت الشك باليقين- وتحت هذا الضغط لوحظ ارتباك واضح في الطرف الجزائري تجلى:

أولا في الخرجة الإعلامية للسيد الوزير أحمد عطاف الذي رأيته لأول مرة يتحدث وهو لا يثق في نفسه وغير مقتنع بفهمه الخاص وعن هلوسته وتهيئات جعلته يعتقد بأن القرار الأممي يشير في فقراته بأنها قد نصت على التفاوض بين الطرفين أي المغرب والبوليساريو– ولأول مرة كذلك أرى وزير خارجية بلد يكذب بهذه البشاعة وقد يحق فيه القول “مجبر أخاك لا بطل”-

ثانيا، بفعل ذلك التأثير الذي خلفه القرار الأممي على نفسية صانع القرار الجزائري بعد أن تبني مشروع الحكم الذاتي المغربي، لم يجد النظام الجزائري مناصا للتملص في محاولة غير محسوبة العواقب سوى الاستناد على مبدإتقرير المصير الذي اتخذه كعكاز لمواجهة هذا المأزق أملا في أن يستعيد توازنه-  لكن النظام الجزائري لم يتمكن من استعادة ذلك التوازن، بل إصراره هذه المرة أكثر من ذي قبل على مبدإ تقرير المصير لتفريغ الحكم الذاتي من محتواه أظهره ذلك بأنه قد فقد الذاكرة ونسي خطاياه التي ارتكبها في الماضي وهو يشهد عنها اليوم بنفسه-

وأبرز  خطيئة ارتكبها النظام الجزائري وهي أنه قد ساهم بشكل كبير في تأسيس ما يسمى بالجمهورية الصحراوية- كان ذلك عام 1976 بعد أن وضع مناطق من الصحراء الشرقية رهن إشارة قيادة البوليساريو لكي تقيم عليها تلك الجمهورية الوهمية- وفي عام 1984  أقحم النظام الجزائري ذلك الكيان كعضو كامل في منظمة الوحدة الإفريقية بتواطؤ مع أمينها العام آنذاك “إدمو كودجو” بالرغم من عدم توفر الشروط اللازمة التي ينص عليها القانون الدولي في اعتماد دولة كاملة العضوية في أية منظمة إقليمية أو دولية- نفس التجاوزات والخروقات حدثت مع ذلك الكيان فى عام 2001 حينما تحولت تلك المنظمة إلى الاتحاد الإفريقي،  واعتبر في حينه ذلك الكيان الوهمي كعضو مؤسس للاتحاد الإفريقي-

وهنا تبدو المفارقة بادية للعيان وهي أنه مادام هذا الكيان يتمتع بكامل العضوية ويعتبر من الدول المؤسسة للاتحاد الإفريقي، فلماذا يطالب النظام الجزائري اليوم هيئة الأمم المتحدة بأن تمنح لهذا الكيان الحق في أن يقرر مصيره بنفسه- فهل النظام الجزائري غير واثق من نفسه وغير مقتنع بأن الجمهورية الوهمية لم ترق بعد إلى مستوى الدولة- وإذا كان الأمر فعلى أي أساس تم اعتمادها في منظمة الوحدة الإفريقية-

يبدو أن النظام الجزائري قد فقد البوصلة فهو اليوم يطالب بتقرير المصير، وتلك المطالبة جعلته ضمنيا يعترف بأن ذلك الكيان ليس بدولة- وفي ظل هذا التناقض الصارخ كيف سمح النظام الجزائري كذلك لنفسه أن يقبل أوراق اعتماد سفير كيان  لدى الجزائر وهو في نفس الوقت يدعو المنتظم الدولي إلى إعطاء البوليساريو الفرصة لكي يقرر مصيره بين الانضمام إلى المغرب أو إنشاء دولة مستقلة-

وهنا وجب على النظام الجزائري أن يحدد موقفه بكل وضوح وأن يقول للعالم على ماذا استقر رأيه؟ فلحظة الحقيقة هي تلك التي صدمه بها قرار مجلس الأمن الأخير ولا مجال للالتفاف عليها بوساطة مزعومة يروج لها النظام الجزائري عن قصد للهروب من مستحقات المرحلة القادمة-

فطارق بن زياد قد أحرق السفن والجزائر ليس أمامها سوى أن تنقاد إلى إرادة المنتظم الدولي-ويبقى كذلك على الاتحاد الإفريقي أن يحسم في الخطاب المزدوج للنظام الجزائري ما بين حديثه عن تلك الدولة في كواليس الاتحاد،  وما بين حديثه عن تقرير المصير في كواليس الأمم المتحدة- الكرة الآن في ملعب الاتحاد لتصحيح الخطإ التاريخي-

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
احمد
المعلق(ة)
7 ديسمبر 2025 12:56

النظام الجزائري نظام عالق في عدة شباك تربك تحركاته وتشوش عليه الرؤيا التي تمكنه من المشي دون عترات، الشبكة الاولى هي شبكة العسكر الذي يتحكم في مفاصل الدولة ويصيبها بالكساح السياسي الذي يشل ملكة التفكير ، فتراهم يغيرون في الواجهة المدنية بين فترة وحين ويقيلون الوزراء ويعينون آخرين معتقدين ان الازمة هي ازمة اشخاص تنقصهم الفعالية، الشباك التانية هي شباك الماضي السياسي الثقيل الذي ورتوه من سياسة بومدين التي تبلورت في سياق زمني ودولي مختلف ولو بقي بومدين نفسه حيا لوبخهم على هذا الغباء السياسي وقلب الطاولة 180درجة، لكن العسكر الذي تحكمت فيه اصولية سياسية جعلته يتشبت بالماضي التليد بما راكم لديهم من امتيازات ومنافع جعلت الجيش غير قادر على الاستغناء عن هذه السياسة التي رمت به في عالم مواز لا يساير الواقع، وامام هاته الحالة يفقد النظام السداد والبوصلة ويتلقى الصفعات في كل خطوة دون ان يستفيق او يرى الهوة السحيقة التي تنتظره.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x