2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
يطرح البلاغ الأخير للأمانة الوطنية لجبهة “البوليساريو” الانفصالية، وما تضمنه من لهجة تصعيدية ورفض صريح لأي مسار تفاوضي لا يقوم على “تقرير المصير”، سؤالا مركزيا حول طريقة تفاعل المنتظم الدولي مع هذا التعنت؟ وهل يشكل الرفض موقفا نهائيا، أم مجرد ورقة تكتيكية قبل استئناف العملية السياسية؟.
وتتسم المرحلة الحالية من عمر “نزاع الصحراء” بوضوح متزايد في مواقف مجلس الأمن، الذي أكد في قراره 2797، الصادر يوم 31 أكتوبر 2025، ضرورة السير نحو “حل سياسي واقعي ومتوافق عليه”، في وقت تتشبث فيه “البوليساريو” بخطاب قديم يتعارض مع هذا الاتجاه الدولي.
وبين التحولات الجيوسياسية وميزان القوة على الأرض، يبدو أن هامش المناورة أمام الجبهة الانفصالية أصبح أضيق من أي وقت مضى، خصوصا بعد انحسار عدد الدول التي تعترف بجمهورية الوهم إلى 12 في افريقيا من أصل أكثر من 50 دولة.
وفي بلاغها الأخير، الصادر امس الثلاثاء 9 دجنبر الجاري، شددت “البوليساريو” على أنها “لن تكون طرفا في أي مفاوضات”.
ووصف الخبير في إدارة الأزمات وتحليل الصراع، البراق شادي عبد السلام، البلاغ بأنه “ليس سوى فصل جديد في مسرحية مكشوفة”، معتبرا أن الجبهة “فقدت كل أوراق الضغط والتفاوض”.

وقال البراق، ضمن تصريح لجريدة “آشكاين” الإخبارية، إن “مزاعم البلاغ بأن رفضه ‘نهائي’ مجرد هراء؛ إنه رفض تكتيكي مفضوح وغرضه الوحيد هو بيع الوهم لأتباعه والتأخير اللحظي للاستسلام الحتمي والنهائي”.
وأضاف المحلل السياسي أن “المنتظم الدولي سيتعامل مع هذا التعنت بتبني استراتيجية التهميش المتزايد، لأن رفض البوليساريو ليس سوى سلوك تكتيكي يائس يفتقر لأي سند قانوني أو سياسي”.
من جهته، يرى الخبير في العلاقات الدولية، أحمد نور الدين، أن المشروع الانفصالي فقد كل أفق، مؤكدا أن “المشروع اندحر ولم يعد له من أفق غير القبول بما قدمه المغرب أو الانتحار فقط لا غير”.

واعتبر نور الدين، ضمن تصريح لجريدة “آشكاين” الاخبارية، أن ما تقوم به الجبهة هو “محاولة تكتيكية لتحسين موقعها التفاوضي”، في ظل ارتباك واضح في خطابها وتناقض مواقفها المتتالية خلال أقل من شهر.
وأشار نور الدين إلى دور الجزائر في تأجيج الموقف، قائلا إن “الجزائر هي الطرف الرئيسي في هذا الملف، والجبهة الانفصالية ما هي إلا أداة في يدها لعرقلة أي تقدم مغربي”.
وتابع، القرار الأممي الأخير كشف ارتباك الجزائر، التي “اعتبرت يوم صدور القرار يوما أسود، ثم ادّعت أنه تراجع، قبل أن تتحدث فجأة عن استعدادها للوساطة”.
على مستوى المنتظم الدولي، تبدو المؤشرات واضحة: دعم متزايد للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، تقلص غير مسبوق في عدد الدول الداعمة للجبهة داخل إفريقيا، وضغط سياسي يمنع أي عودة إلى الطرح الانفصالي، وفي مقابل ذلك، يظهر خطاب البوليساريو معزولا، غير قادر على التأقلم مع قواعد اللعبة الجديدة.
في ضوء هذه المعطيات، يبدو أن قرار الجبهة برفض المسار السياسي ليس نهائيا بقدر ما هو محاولة لافتعال ضجيج قبل العودة إلى الطاولة تحت الضغط الدولي، فالتحولات المحيطة بالملف، سواء داخل مجلس الأمن أو في المواقف الإقليمية والدولية، تجعل أي تمسك بخطاب الرفض غير قابل للحياة سياسيا.