لماذا وإلى أين ؟

خبير يرصد آتار الأمطار الأخيرة على مخزون السدود والفرشات المائية

أعادت التساقطات المطرية الأخيرة الأمل إلى المغاربة، بعدما أنعشت الموارد المائية وكسرت جزءا من القلق الذي خيّم طويلا بسبب شح المياه. فمع عودة الأمطار إلى عدد من مناطق المملكة، استعادت السدود نَفَسها وبدأ منسوب حقينتها في الارتفاع.

وحسب معطيات رسمية، ققد بلغ الحجم الإجمالي للمياه المخزنة بالسدود الوطنية نحو 5.4 مليارات متر مكعب، لترتفع نسبة الملء الإجمالية إلى 32,2 في المائة إلى حدود يوم الأربعاء 17 دجنبر 2025. ويعود هذا الارتفاع أساساً إلى الواردات المائية المهمة التي سجلتها عدد من السدود خلال الأربع والعشرين ساعة الأخيرة.

محمد بنعبو، الخبير في المناخ والتنمية المستدامة، قال “إن التساقطات المطرية التي عرفتها المملكة منذ يوم الجمعة الماضي، والتي من المرتقب أن تستمر إلى حدود الأسبوع المقبل مع توالي المنخفضات الجوية، سيكون لها وقع إيجابي على حقينة السدود”.

وأوضح بنعبو في تصريح لجريدة “آشكاين” الإخبارية أنه “تم تسجيل منحى تصاعدي في منسوب المياه المخزنة، وفق آخر الأرقام الصادرة عن منصة ‘الما ديالنا’ التابعة لقطاع الماء”.

وأضاف المتحدث أن “هذا التحسن يهم على وجه الخصوص الأحواض المائية التي يتم الحديث عنها باستمرار، وفي مقدمتها حوض اللوكوس وحوض سبو، اللذان استفادا بشكل كبير جداً من هذه التساقطات”.

كما أفاد أن “الأهمية لا تقتصر فقط على السدود، بل تشمل كذلك الفرشات المائية التي ستعرف انتعاشاً ملحوظا”، موضحا أن “عددا كبيرا من الأودية التي كانت شبه يابسة أو منعدمة الجريان، عادت إليها المياه بفضل هذه الأمطار الغزيرة والمتواصلة، وهو ما يشكل مؤشرا إيجابيا على تحسن الوضعية الهيدرولوجية”.

وصرح أن “من بين العوامل المهمة أيضا استدامة وانسيابية ذوبان الثلوج المتراكمة على القمم الجبلية”، مبرزا أن “الثلوج تعد خزانا مائيا مستمرا، من شأنه أن يوفر انسيابية منتظمة في تزويد المياه، سواء بالنسبة للماء الصالح للشرب أو للأراضي الفلاحية”.

وأضاف الخبير أنه “تم تسجيل تساقطات ثلجية مهمة بعدد من المناطق، خاصة من بينها إملشيل وميدلت، حيث اكتست الجبال بالثلوج بشكل لافت، ما يجعل منها خزاناً كبيراً للأمن المائي”.

وأوضح بنعبو أن “المساحة المغطاة بالثلوج بلغت إلى حدود اللحظة ما يفوق 19 ألف كيلومتر مربع، وهو رقم تجاوز الأرقام السابقة التي كانت في حدود 14 ألف كيلومتر مربع، معتبراً أن هذا المعطى في حد ذاته مؤشر إيجابي”.

كما أشار إلى أن “سمك الثلوج في بعض المناطق تجاوز 120 سنتيمترا، وهو ما يجعل من ذوبانها خزانا مائيا حقيقيا يُغذي الفرشات المائية والعيون الطبيعية”، مضيفا أن عددا من الشلالات استعادت جريانها وحيويتها بفضل هذه التساقطات الثلجية والمطرية”.

وفي هذا السياق، أفاد المتحدث أنه “يمكن القول إن حدة الجفاف بدأت تنكسر، رغم أن آثار هذه الظاهرة لا تزال تترك بصمتها على عدد من المناطق”. وأوضح أن الأمطار الحالية تختلف عن تلك التي كانت تعرفها المملكة في السابق”.

وأشار إلى “الترابط القائم بين الماء والفلاحة وإنتاج الطاقة”، ومؤكدا أنه “لا يمكن الحديث عن الماء دون الفلاحة، ولا عن الفلاحة دون إنتاج الطاقة، ولا عن الأمن الطاقي دون توفر الموارد المائية”.

وأضاف بنعبو أن “هذه الثلاثية تكتسي أهمية بالغة في المرحلة الراهنة، إذ إن توفر الماء ينعكس بشكل مباشر على الأمن الغذائي، وهو ما يتيح للمواطن التعامل مع السوق الوطنية بنوع من الارتياح، بالنظر إلى أن الأسعار ترتبط بشكل وثيق بالوضعية الفلاحية ومستوى التساقطات”.

وأوضح أنه “عندما تكون الأمطار حاضرة، فإن عددا من المواد الغذائية، خصوصا المرتبطة بما يسمى بالفلاحة المعيشية أو الحضرية، تكون متوفرة بأسعار معقولة، مما يسمح للمواطن بالإقبال عليها، ويخلق تنوعا في السوق، بدل الاعتماد فقط على الزراعات المسقية التي غالباً ما تكون أسعارها مرتفعة”.

وأكد الخبير أن “هذه الوضعية تشكل مؤشرا إيجابيا بالنسبة للمواطنين”، مبرزا أن “الأمطار تظل دائما بشارة خير وتحمل في طياتها آثارا إيجابية على مختلف المستويات”.

كما شدد على “أهمية هذه التساقطات بالنسبة للفلاح الصغير، الذي يظل في انتظار الأمطار لبدء أنشطته الفلاحية”، موضحا أن “الفلاح الصغير يغطي شريحة واسعة من المنتجات، ويستغل مساحات شاسعة من الأراضي التي تستقبل هذه الكميات من الأمطار”.

وختم بنعبو تصريحه بالتأكيد على أن “عودة النشاط الفلاحي المرتبط بالأمطار من شأنه أن يساهم في التخفيف من حدة البطالة، ولو بشكل موسمي، وهي الظاهرة التي تفاقمت خلال فترات الجفاف”، معتبراً أن “الحديث اليوم عن الأمطار يشمل أيضا دورها في الإسهام في الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي”.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x