لماذا وإلى أين ؟

المعلمون العرضيون فوج 2007.. عذاب أسطورة سيزيف في قالب معاصر

لحسن اعلاوش

في الثمانينات من القرن الماضي، و بسبب سياسة التقويم الهيكلي المعروف بالتقشف في عدد المناصب المالية المخصصة للقطاعات الاجتماعية خاصة التعليم، تم تعيين مجموعة من الشباب من الحاصلين على شهادة البكالوريا ليقوموا بمهمة التدريس في المناطق التي تشهد الخصاص في الأطر التربوية كمعلمين عرضيين. هؤلاء الشباب برهنوا عن جدارتهم للقيام بالعمل المنوط بهم، و أعطوا نتائج أبهرت هيأة التأطير التربوي من مفتشين و مديري المؤسسات، وحتى محيطهم الاجتماعي الذي كانوا يعملون فيه.

استمر عمل هؤلاء بهذه الصفة  لسنين عديدة دون أن تتدخل الوزارة لتسوية وضعيتهم أو طردهم على الأقل رأفة بمستقبلهم. لكن ما حدث  كان عكس ذلك. فقد كان تواب الوزارة في العديد من الأقاليم يشجعون و يطمئنون هؤلاء بأن التسوية لن تتأخر و بأن المسألة تعد مسألة وقت لا غير. لهذا، صبر هؤلاء و اصطبروا و تحملوا جميع أنواع و أشكال المعاناة بشتى أصنافها و تلاوينها و التي يمكن تلخيصها فيما يلي:

الجانب الإداري: من المعلوم أن صفة العرضي عند دراسة المفهوم في القانون الإداري نجده صفة لصيقة بعدم الاستمرار في العمل. يعني أن العرضي يعمل لفترة محددة و لمهمة محددة في الزمان و المكان وليس لها أي علاقة بالاستمرار ولا الديمومة و الدوام. لكن هذه الصفة ألصقت عنوة و عن قصد بهؤلاء المعلمين العرضيين عندما نكتشف أن عملهم كان مسترسلا في جميع المواسم الدراسية في كثير من الأقاليم مثل ورزازات وتارودانت و تونات. هذا الاستمرار تجاوز حدود الإقليم الواحد أو الجهة الواحدة، ليتجاوز تعيين المعلمين العرضيين ابتداء من سنة 1998 حدود أي إقليم من أقاليم الجهة كما يتم نقله إلى الجهات التي تشكو الخصاص …

هذه الصفة المشؤومة حرمتهم من أي حق إداري سواء الرتب أو الترقية و حتى الزيادة في الأجرة التي كانوا يتوصلون بها من مصالح التأجير المحلي. وقد راسلوا المؤسسات الوطنية لتسوية الوضعية مع وزارة التربية الوطنية عبر الإدماج، مثل مؤسسة ديوان المظالم، البرلمان/ مؤسسة المجلس الوطني للحوار الاجتماعي ، مؤسسة الوسيط… دون جدوى. خلاصة القول أن المسؤولين قد تركوا هؤلاء مصيرهم للمجهول و ترك مستقبلهم للأقدار تفعل بها ما تشاء دون أي تحرك من الدولة و الوزارة، لأن استمرار اشتغالهم بهذه الصفة فيه ربح و مصلحة و منفعة. خاصة عندما نعلم أن أجرتهم الزهيدة لا تزيد في البداية عن 1180 درهما. أي نصف أجرة المعلم المتخرج من مركز تكوين المعلمين السلم 8 .

الجانب الاجتماعي: إن صفة “عرضي” التي عانى منها هؤلاء جعلتهم من أقل شأنا و درجة من الرسميين في الوسط الذي كانوا يشتغلون فيه، هذه الوضعية الاجتماعية ما لبثت تتفاقم و تزداد سوءا حتى باتت تنعت بكثير من “القدحية” في النعت و صار المعلم العرضي يشار إليه بأنه معلم من الدرجة الثانية أو الثالثة من المدرسين. هذا انعكس سلبا على نفسية المعلمين العرضيين خاصة لما يتم تعيينهم بقرى فيها رسميون ينتمون للقرية نفسها. حينئذ يقل شأنه في الشهور الأولى حتى يبرهن عن كفاءته و مستواه المعرفي و قدرته على العطاء مثل الآخرين. في حين أن العكس هو ما يحصل في غالب الأحيان، إذ نجد عرضيين أحسن و أفضل بكثير من الرسميين، لا من حيث الأداء و المردودية وحسب، بل كذلك في حبهم للعمل و انضباطهم وحسن سلوكهم ومواظبتهم كي لا يقال عنهم أنهم مقصرين في حق الناشئة.

 إلى جانب هذا المشكل، أود الإشارة إلى مشكل أعوص و أكثر تأثيرا على نفسية المعلم العرضي و هي الحقوق الاجتماعية التي حرم منها كلها و على رأسها التغطية الصحية و التقاعد في كثير من النيابات التي لم تصرح بهؤلاء لدى النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد. و النيابات التي صرحت بذلك، سرعان ما قاطعت ذلك ووضعت له حدا  خلال سنة 1992 لسبب غير معلوم.

الجانب الاقتصادي: لما علمنا أن أجرة المعلم العرضي في نهاية الثمانينات و بداية التسعينات بنيابة ورزازات –  التي اشتغلت بها –  لم تكن لتزيد عن 1180 درهما، ندرك مدى العنف الاقتصادي الذي مورس ضد المعلمين العرضيين بهذه الأجرة الزهيدة التي لم تكن لتغني أو لتسمن من جوع. فبغض النظر عن المصاريف اليومية للمعلم المتعلقة بعمله، فهناك مصاريف شخصية متعلقة بالحياة اليومية و ما تقتضيه كلفة العيش. هكذا يعيش المعلم العرضي على الديون المستمرة ما دامت أجرته تلك لا يتوصل بها إلا متأخرة و متقطقة على مدار الموسم الدراسي. لينتظر البقية خلال الموسم المقبل. هكذا يعيش المعلم العرضي في دوامة و حلقة أزمة مالية لا نهاية لها، وكل ذلك له تداعيات وأثر بليغ على نفسية المعلم العرضي.

في نهاية التسعينات تم تعيين عدد  كبير من المعلمين العرضيين الجدد من الحاصلين على شهادة الدبلوم الجامعي العام. بعد ثلاث سنوات فقط من العمل، باعتماد تلك الشهادة لا الاقدمية. هؤلاء تمت تسوية وضعيتهم سنة 2001 و 2002 ثم 2005 . ولم تتم تسوية وضعية أحد من العرضيين سنتي 2003 و 2004 رغم صدور مراسلات في الموضوع من طرف وزارة تحديث القطاعات العامة. سنة 2002.  هكذا تم إقصاء القدامى من حاملي شهادة البكالوريا الذين كان من المفروض أن يكونوا أول فوج تتم تسوية وضعيته نظرا لأقدميته الطويلة وبعد مساهمة فعلية وقوية في تعميم التمدرس في تخوم الصحاري والجبال من العالم القروي الوعر. وللإشارة والتذكير، فإن شهادة البكالوريا حينئذ كانت شرط دخول مراكز تكوين المعلمين والمعلمات و كذا المراكز التربوية الجهوية.  

هكذا تم تأجيل إدماج هؤلاء القدامى بدون سبب بين وواضح حتى سنة 2007 رغم صدور مراسلات ومذكرات في موضوع تسوية وضعية المعلمين العرضيين سنتي 2002 و2003، هنا أحيلكم مثلا لا للحصر على المذكرة الوزارية رقم 48 الصادرة في يونيو 2000 في موضوع تدبير وضعية المعلمين العرضيين، وكذا رسالة السيد وزير الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري بتاريخ 5 نونبر 2002، الموجهة إلى السيد وزير التربية الوطنية في شأن تسوية وضعية المعلمين العرضيين، ورسالة السيد الوزير المكلف بتحديث القطاعات العامة رقم 0005736 بتاريخ 02 ماي 2003 والموجهة إلى السيد وزير التربية الوطنية والشباب في موضوع تسوية وضعية المعلمين العرضيين الإدارية والمالية.

 في مـاي 2024 قررت الوزارة – في إطار اتفاقيات 10 و26 دجنبر المبرمة مع الحكومة حق الانخراط و التصريح بهم لدى النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد للسنوات السابقة للإدماج، مع تحويل تلك الخدمات فيما بعد إلى الصندوق المغربي للتقاعد. وقد فوجئ فوج 2007 من استثنائه من هذا التحويل المنتظر بموجب مراسلة وزارة التربية الوطنية رقم 25/2196 بتاريخ 05 نونبر 2025 في شأن هذا التحويل، والتي استثنت كل من تم توظيفه بعد 2006. هكذا تكون حقوق هؤلاء تغتصب مرة أخرة و كأن توظيفهم جاء بهد 2006. علما أن الوزارة منحتهم 5 سنوات جزافية تمت إعادة ترتيبهم في الرتب التي اعتمدت تاريخ 01/01/2002 كمرجع لهذه الرتب.

فهل يعقل أن يطبق على هؤلاء قانون 2006 و حرمان تحويل اشتراكاتهم إلى الصندوق المغربي للتقاعد؟

 فما ذنب هؤلاء الشباب في تأخير إدماجهم ليحرموا من حقوقهم كاملة و غير منقوصة؟

وما ذنب فوج 2007 كي يتم تــأجيل تسوية وضعيته رغم أقــدميته مقارنة بمن تم إدماجهم سنة 2001؟

 أهكذا يجزى من خدم البلاد والعباد في ظروف قاهرة وهشة طيلة عقود من الزمن؟

أليس هذا ظلما و حيفا واجحافا في حق هؤلاء؟

متى سيرق قلب أي مسؤول في الوزارة لأنين يتيم تركه أوه دون أن تسوى وضعية أبيه، أو أرملة مات زوجها العرضي وهو محروم من حقوقه؟

متى سيتم جبر الضرر الفادح الذي لحق بالمتقاعدين الذين لا يتوصلون إلا ب 1200 درهما في معاشهم؟

متى سيتم جبر ضرر من لا يزال يعمل وقد قرصنت من عمله و خدماته سنوات جمدت خلالها وضعيته الإدارية والمالية بدون سبب، بل السبب كل السبب هي لا مبالاة الوزارة التي تركت مصيره للمجهول بينما كان يقوم في الفرعيات النائية؟

الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x