لماذا وإلى أين ؟

هل مؤخرة “الشيخة الطراكس” أهم من وفاة معطل مكفوف؟

تناقضات غريبة تلك التي نلمسها في مجتمعنا المغربي، مع حدوث واقعة اجتماعية، حيث يكثر الجدل على أشياء قد تُعتبر تافهة، فيما يتم إهمال وعدم إعطاء أولوية لأمور تكتسي أهمية قصوى بالنظر للوضعية التي تمر من البلاد.

سياق هذا الحديث، هو تزامن وفاة معطل مكفوف إثر سقوطه من أعلى مبنى وزارة الأسرة والتضامن، بعد أن كان معتصما رفقة عدد من رفاقه هناك، (تزامنها) مع واقعة سهرة “الشيخة الطراكس”، في جلسة حضرها عدد كبير من الشباب المغاربة بأزياء سياح خليجيين.

يا لها من مفارقة غريبة، الكل تلك الليلة ظل ينشر صور وفيديوهات السهرة التي كانت فيها “الشيخة الطراكس”، تردد أغاني شعبية، فيما يهز باقي المتفرجين مع كل هزة لمؤخرة الفنانة المغربية، وفي نفس الوقت؛ لم يكترث لواقعة وفاة المعطل المكفوف سوى “من رحم ربك”.

قد يقول قائل، إن الشعب المغربي يحب متابعة أخبار الفضائح والجنس والجريمة والرقص والغناء، وقد يعارضه آخر على ذلك من مبدأ أن هذا الشعب ملتزم وأن هناك حالات شاذة فقط، لكن الواقع يؤكد عكس ذلك ولعل واقعة “الشيخة الطراكس” لخير دليل على “السكيزوفرينية” التي يعاني منها المجتمع المغربي، في ظل ضعف التصالح مع الذات.

واقعة وفاة المكفوف المعطل ما هي إلا قطرة من فيض كبير، حيث أن السنوات الأخيرة سجلت حوادث مأساوية وذات بعد اجتماعي محض، نتيجة للفقر أو البطالة أو الظلم (الحكرة)، وهنا يمكن استحضار حادثة وفاة “مي فتيحة” بائعة البغرير، ووفاة “محسن فكري” التي كانت سببا في اندلاع حراك الريف، ومقتل حياة بلقاسم في قارب للهجرة السرية، وقبل ذلك فاجعة وفاة العديد من الأطفال في حادثة حريق حافلة بطانطان وغيرها…

وهنا يبدو أن ذاكرة المغاربة صغيرة جدا، إذ بمجرد انتشار خبر فضائحي أو إشاعة غير مؤكدة، حتى ترى سيلا من التعليقات والتأويلات والمتابعات والفيديوهات، ليتم بذلك نسيان القضايا الإجتماعية التي تخص في عمقها هموم المواطن المغربي، كالزيادة في الأسعار وفضائح المسؤولين وتبذير المال العام وغيرها من الظواهر التي يتم غض الطرف عنها يوما بعد يوم، مع تغطيتها بأخبار “المؤخرات” …

على المغاربة أن يفهموا جيدا بأن وفاة أي مواطن، هي بمثابة إسقاط مباشر لتجاربهم ولما يعيشونه في حياتهم اليومية، لكونهم جميعا عرضة للفقر أو لإهانات المسؤولين أو لنهم المال العام، وبالتالي فالظرفية التي يمر من المغرب حاليا تستوجب منهم الوقوف وقفة رجل واحد في وجه الفساد أو أي تقصير في حقهم، كما من واجبهم الاهتمام بالقضايا الاجتماعية عوض “التفاهات”، حتى يكونوا قوة ضاغطة على صناع القرار ليلتفتوا لشؤونهم وهمومهم.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

2 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
youssef
المعلق(ة)
9 مارس 2019 19:32

SADAKTA akhi

عزالدين
المعلق(ة)
11 أكتوبر 2018 10:14

أعتقد أن المشكلة العظمى هي حد ذاتها في عقلية كاتب المقال وشريحة كبرى من مجتمعنا، بحيت أنه تعامل مع هذه الظاهرة وكأنها شيئ خارج عن المبادء المجتمعية أو تعبير عن اللامبالات أو إنحطاط عند الافراد، ونسي الاخ الكريم، كاتب المقال، أن هناك شيئ، في المجتمعات الدموقراطية المتقدمة ، يسمى ” الحريات والقناعات الشخصية ” بحيت ليس كل ما يقع في المجتمع من أحداث ووقائع ومآسي، هو بالضرورة يجب أن يكون في إهتمامات الجميع وأن يتفاعل معه الكل … هذا في حد ذاته قمع للمبادء الانسانية وللحريات والاختيارات الشخصية وفرض للراي الواحد وسياسة “الخرفان” “القطيع” التي يمارسها في الآونة الأخيرة، وللأسف، عدد كبير ممن المثقفين والكتاب والمفكرين المغاربة… فالانسان يا أخي حر في إختياراته وليس قطيع أغنام تابع … ما هو في إهتماماتك ربما لا أبالي به بتاتا…. وما أومن به ربما لا يعجبك ولا يروق لك … لك حريتك في التفكير والايمان والاعتقان ولي حريتي في ذلك… أعيش حياتي حسب حسب تفكيري ومعتقداتي وأحترم رأيك في التفكير وكيفية العيش … تلك ليست ب “السكيزوفرينية” ولكن هي إعتقادات شخصية وحريات فردية من الواجب إحترامها وعدم إنتقادها لا من بعيد ولا من قريب…. مع إحتراماتي للكاتب وشكرا.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

2
0
أضف تعليقكx
()
x