لماذا وإلى أين ؟

نساء التين الشوكي 

في صباح السوق الأسبوعي، طالبت والدها بشراء حذاء جديد، شريطة ان يكون الكعب عاليا، وأن يكون اللون ورديا

استغرب والدها الستيني، من طلبها، في قرية في سفوح جبال الريف، في شمال المغرب

ولكن الحاج عبد السلام، يحب ابنته الوازنة، لأنها زهرته التي يرى الدنيا من خلالها

فبعد زواج استمر لعشر سنوات، من دون أولاد، جاءت الوازنة، لتروي أعواما عجافا، صامت فيها سماء عن غيث، فجاء السيلان الكبير

بالنسبة للحاج عبد السلام، الوازنة هي أكبر من في البيت، هي البكر، ومن بعدها جاء الأولاد الذكور كما تمناهم الأب

كبر الأولاد وهاجروا في تسعينيات القرن العشرين، تركوا وراءهم أما وأبا وأختا تحب الحياة كثيرا

ركب الأولاء قوارب الهجرة السرية، نجوا من مغامرة موت في البحر الأبيض المتوسط

يستقر أبناء الحاج عبد السلام في مدن إقليم الأندلس في جنوب المملكة الإسبانية؛ يزورون القرية مرة واحدة قي العام، في العطلة الصيفية

في كل صباح باكر، قبل أن ترتفع الشمس، تكون الوازنة عادت بحمار الدار، من بئر جلب الماء، قبل أن تباشر الأشغال البيتية اليويمة

في كل خميس من الأسبوع، ترتدي الوازنة الأسود، وتلف وجهها بوشاح خاص، لطهي الخبز في أينور، لأن والدها الحاج يعشق خبز الشعير

تحرص الوزانة على عدم ترك وجهها يتأثر بلهب الحطب  إعداد الفرن الطيني، وتستعمل واقيا من الشمس، ولكنها تضيف منديلا على وجهها

لا ترفض الوازنة للوالد أي طلب؛ مستعدة أن تقطف القمر من كبد السماء من أجل أن يسعد الأب

أعجز المرض أم الوازنة مبكرا، فتقضي ساعات النهار جالسة في قور الدار، تحرك شياشة من قش لطرد الذباب؛ أم الدار هزمها باكرا مرض مزمن في المفاصل

ولما عاد الوالد من السوق في يوم خميس من أول الصيف، ناول الوازنة هداياها؛ كسوة رومية بألوان نسائية، مع حبات عقيق

فرحت الوازنة كثيرا بالحذاء الوردي، ولبسته، قبلت الحاج عبد السلام وحضنته، فيما رفعت الوالدة يديها راجية أن يرسل لابنتها عريس الحلال قريبا

في يوم السبت، أكملت الوازنة زينتها، بعد أن اغتسلت باكرا، واستعملت كل السوائل في الحمام؛ فعائلتها قبل عودتهم لإسباني،  يتركون كل ما تحتاجه الأسرة

ففي رحلات الصيف صوب الديار في المغرب، يحضر الأشقاء للدار كل ما يصبر لعام كامل؛ مساحيق التجميل للوزانة من أرفع الماركات، قنينات عطور، مواد التنظيف، كل أصناف البسكويت بالشوكولاتة

خصصت الوازنة بيتا لخزن كل كشيء

لا يحتاج الحاج عبد السلام من السوق الأسبوعي إلا لشراء طازج الخضار والفواكه واللحم والسمك؛ ففي الدار كل ما يصلح تخزينه

وقبل أن يدير الأشقاء محركات سياراتهم في اتجاه العودة لديار الغربة الإسبانية؛ تكون الوازنة حضرت خبزا وحليبا وجبنا وسمنا وحبوبا؛ ليحمل المغتربون معهم رائحة القرية والريف المغربي

وفي طريقهم صوب الديار في الغربة، تحضر الوازنة لأشقائها تينا شوكيا طازجا من النوع الأحمر والأخضر، وتعجن لهم زامبو؛ ليكون لهم مساعدا على تحمل الجوع خاصة في النصف الأول من الطريق بين قمم عالية في جبال الريف قبل بلوغ تطوان

سمعت الوازنة طرقا على الباب، هذه صاحبتها وجارتها كلثوم، جاءت تستعجلها للذهاب للعرس

لبست الوازنة كعبها الوردي، وجلبت بنديرها المزخرف، ودعت صاحبتها كلثوم لانتظار وضع أحمر الشفاة، وناولتها قنينة عطر من علامة إيطالية، طلبت منها أن تعطر نفسها وتحتفظ بها هدية

سألت الوازنة صديقتها كلثوم عن أخبار العرس، وهل شباب القبيلة سيحضرون

تخطط الجاراتان لاستعراض راقص مع باقي فتيات القرية برفقة الغياطة والطبالة الذين ينزلون من جبالة لإحياء أعراس أهل ريف المغرب

ولم تعرف كلثوم جوابا على سؤال الوزانة حول حضور فرقة غنائية من الأطلس للغناء في ليلة العريس الكبيرة

الإشاعات تتحدث عن احتمال حضور محمد رويشة بشيخاته للغناء ليلا

في طريقهما صوب العرس، وجدت الوازنة صعوبة في المشي، لم يسبق لها أن لبست حذاء بكعب عالي

كبرت الوازنة تلبس الأحذية النسائية المطاطية، ولما حل الرخاء بالبيت مع وصول أشقائها مهاجرين سريين إلى حقول الأندلس الإسباني؛ لبست الأحذية الرياضية النسائية

وفي الشتاء، تستعمل الوازنة أحذية شتائية نسائية من ماركات عالمية

شعرت الوازنة بوخز في قدميها، بعد ربع ساعة تمشي بضعوبة وسط طريق تنتشر فيه الحجارة، فيما كلثوم تطالبها بالهرولة

وصلت أصوات الغيطة الجبلية لمسامعها، شعرت كلثوم أن الحال لا يقاوم؛ هرولت وتركت الوازنة تحاول تقليد الأميرات بكعبها العالي الوردي

قاومت الوازنة لعشر دقائق أخرى، وكلما مرت بها بنت من القرية، استعجلتها للوصول للعرس للاستمتاع بفرجة غياطة جبالة

اتخذت الوازنة قرارها، رمت الحذاء الوردي في اتجاه حقل للهندية/ التين الشوكي الأمازيغي، ومضت حافية القدمين

حملت بنديرها، وتخلت عن حلم حذاء الكعب العالي

وصلت الوازنة للعرس، أحضرت لها صاحبتها كلثوم حذاء مطاطيا، من دار العرس، انخرطت الوازنة بصحبة فتيات القرية في نوبة ضرب على البنادير والرقص

فرحت كلثوم بحضور الوزانة، وتخليها عن الحذاء الوردي

ارتجلت الوازنة كعادتها أبياتا شعرية عامية؛ ناجت حبيبا طريقه لبيتها، طلبت منه ان يسأل أطفال القرية يدلوه على بيت الحاج عبد السلام

ارتفع الغبار في المكان، بينما الجمع منخرط حتى الثمالة في نوبة رقص وغناء..

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

1 تعليق
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
*taner karan
المعلق(ة)
12 أكتوبر 2018 01:55

على كل حال قصة او نكة جميلة مع الوزنى هههه

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x