لماذا وإلى أين ؟

المقاربة الأمنية.. من مواجهة الحركات الاحتجاجية إلى رصاص الهجرة السرية

للمرة الثانية على التوالي، تستعمل البحرية الملكية المغربية الرصاص الحي في مواجهة مغاربة مرشحين للهجرة السرية، حيث أصابت قاصرا يبلغ من العمر 16 سنة، وذلك بعدما سبق أن أردت طالبة في سنها العشرين قتيلة بنفس الطريقة.

استعمال النار للتصدي لقوارب الهجرة السرية طرح أكثر من تساؤل عن الأهداف منه، ومدى قانونيته، خاصة وأنه نادرا ما يسمع أن قوات بحرية لدولة ما استعملته (الرصاص) للتصدي لمهاجرين فارين من بلدانهم لأسباب عديدة تتنوع بين الحروب والمجاعات والكوارث والبحث عن مستقبل أفضل.. كما هو حال حرّاكة المغرب.

استعمال القوات البحرية المغربية للرصاص، والذي يمكن أن يوصف بـ” التصعيد الخطير”، له عدة دلالات وأهداف منها:

أولا: أن الجواب الجاهز والآني، والحل السحري لكل المطالب الشعبية، سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو سياسة، هي المقاربة الأمنية، أو ما يطلق عليه بعض الحقوقيين بـ”المقاربة القمعية”، حيث دأب المسؤولون على تسيير الشأن العام في المغرب، كلما خرجت حركة مطلبية إلا وقوبلت بترسانة من القوات العمومية.

فمنذ حركة 20 فبراير، كان الحل الأمني حول الجواب، سواء على مطالب حركة المعطلين، والسلاليين أو المكفوفين وصولا إلى حراك الريف وجرادة وزاكورة ووطاط الحاج.. كان دائما الجواب هو المقاربة الأمنية، مما ولد توترات اجتماعية كان من بين نتائجها الارتفاع الكبير للراغبين في الهجرة السرية.

ثانيا: استعمال السلاح الناري من طرف البحرية المغربية لمواجهة الارتفاع الكبير للراغبين في الهجرة السرية، هو محاولة لإظهار وفرض “هيبة الدولة”. فبعدما أصبحت الزوارق السريعة تصل إلى المدن الساحلية، وأصبحت تحمل المرشحين للهجرة تحت أعين كاميرات الهواتف الذكية، أصبح التساؤل مشروع حول مدى جاهزية القوات الأمنية للدفاع عن حرمة الحدود الخارجية؟ وهل فعلا القوات البحرية جاهزة من أجل التصدي للمخاطر الخارجية؟ الأمر الذي دفعها لاستعمال الرصاص الحي من أجل إثبات وجودها وتأكيدا على أنها تقوم بدورها، لكن ضد من؟ ضد شباب عزل؟

ثالثا: استعمال البحرية المغربية للسلاح الناري ليس هدفه القضاء النهائي على الهجرة السرية، وإنما هو رسالة موجهة للدول الأوربية بكون المغرب يقوم بدوره كاملا لحماية حدوده البحرية، ولعب دوره التاريخي كدركي لمنع وصول مرشحي الهجرة السرية، والهدف هو الرفع من سقف الدعم السياسي والاقتصادي للسياسات الرسمية المغربية، وغض الطرف عنما قد يقع من تجاوزات في التصدي لحركات احتجاجية أو تضييق على حريات فردية وجماعية.

المهاجرون السريون/العلنيون، لكون رحلاتهم أصبحت تبث عبر المباشر، هم حركة مطلبية في حد ذاتهم، خرجوا للمطالبة بالحق في البحث عن مستقبل أفضل، ووطن أرحب، لتحقيق أحلامهم وبناء طموحاتهم، والمغرب هو أول المستفيدين منهم، لكونه يحصل على ثاني مصدر للعملة الصعبة بفضل تحويلاتهم الخارجية، وذلك بعد معاناة وجد وكد، حتى ينالوا شرعيتهم بصفتهم مهاجرين شرعيين، ليضع المغرب العديد من البرامج ترحيبا بعودتهم لبلدهم.

هذه الفئة لو وجدت خيرا في بلدها لما هجرته، عبر المغامرة بحياتها، فهي لا تطالب بحل برلمان ولا إسقاط حكومة ولا نظام، ولا تطالب بانفصال ولا حكم ذاتي ولا تقاسم الثروات، بل تطالب فقط بالحق في الحياة، الحياة الكريمة، واستعمال المقاربة الأمنية، والرصاص الحي في مواجهتها ومنعها من البحث عن مستقبل أفضل، دون تقديم بديل لهم في وطنهم هو دليل على إفلاس المسؤولين، وتهديدا للعيش الأمين.

فحتى قط مكيهرب من دار العرس.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x