لماذا وإلى أين ؟

المغرب بحاجة لمسيرة خضراء من نوع آخر

لا شك أن حدث المسيرة الخضراء قد شكل واحدة من أسطع صفحات المغرب الحديث، بعد أن هب مئات الآلاف المغاربة لتلبية نداء ملكهم من أجل الإنتظام كرجل واحد في سبيل الذوذ عن الوحدة الترابية للملكة المغربية، ولتوحيد شماله بجنوبه، والتأكيد على مغربية الصحراء وعلى انتماء الأقاليم الجنوبية إلى حظيرة الوطن.

ولا شك أن هذه المسيرة الخضراء، قد شكلت أيضا مرحلة من مراحل التحول في المجتمع المغربي، خاصة في ما يتعلق بالقضية الوطنية الأولى، حيث يوجد إجماع وطني بين كافة المكونات على اختلاف أطيافها حول مغربية الصحراء، وبأحقية المغرب في السيادة على أراضيه الجنوبية.

لكن بعد مرور 43 سنة على هذا الحدث، الذي يتم تخليده كل سنة في السادس من نونبر، يُلاحَظ أن العديد من التطورات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية التي يجب أن يُعاد النظر فيها، بل إنها تحتاج إلى “مسيرة خضراء” من نوع آخر حتى لا يزيغ قطار المغرب عن سكته.

إن المغرب بحاجة إلى مسيرة خضراء أخرى، تتجسد في إعادة تأهيل النخب المسيرة للبلاد سواء على مستوى الحكومة أو المؤسسات، لأن أغلب النخب المتواجدة حاليا أبانت على فشل ذريع في تسيير شؤون البلاد في ظل الظروف الراهنة، لكونها لازالت مرتبطة بالعقلية القديمة في تدبير شؤون المواطنين، خاصة وأننا أمام تحديات كبيرة في عصر الحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، وهو ما لا يتماشى مع الطريقة “المخزنية” المعششة في عقول هذه النخب.

إن المغرب بحاجة إلى مسيرة خضراء من نوع آخر، تتجسد أساسا في حكومة منسجمة لا رائحة للإختلافات فيها ولا وجود للمواجهات والسباب وتصفية الحسابات بين فرقائها. حكومة من الشعب وتستمع لنبض الشعب وتستجيب لمتطلبات الشعب. حكومة تفي بوعودها الإنتخابية وتقدم برامج تنموية حقيقية، ومشاريع في مستوى تطلعات المواطنين، من أجل محاربة البطالة والفقر والهشاشة الاجتماعية والحرمان والقهر والتشرد والجهل والتجهيل…

إن المغرب بحاجة لمسيرة خضراء ثانية، من أجل النهوض بوضعية التعليم في البلاد، بعد أن أصبحنا في مراتب جد متدنية على المستوى العالمي، إذ يندى الجبين عندما نذكر أن اليمن تسبق المغرب في هذا التصنيف، كما أن من المخجل أن نسمع في سنة 2018 بأن المغرب لازال قابعا في المرتبة 123 في مؤشر التنمية البشرية، حيث لم يتزحزح من هذا المركز على مدى أزيد من 5 سنوات رغم كل الشعارات التي ترفعها الحكومات المتعاقبة.

إن المغرب بحاجة لمسيرة خضراء أخرى، لعلها تزحف على كل مظاهر الرشوة والمحسوبية في الإدارة المغربية التي لازالت تعاني من وضعية مخجلة، تتعدد فيها مظاهر الفساد من قبيل “باك صاحبي” والإستهتار بلا حسيب ولا رقيب بمصالح المواطنين الذين ضاقوا ذرعا بتصرفات عدد من الموظفين والمسؤولين العموميين، الذي يستفيدون من علاوات وتعويضات سمينة نظير خدمات ضعيفة وأحيانا منعدمة.

إن المغرب بحاجة لمسيرة خضراء جديدة، لعلها تقضي على استحواذ عدد من قياديي الأحزاب والنقابات والمؤسسات على كراسي المسؤولية لسنوات بل لعقود من الزمن، حيث مل المغاربة من مشاهدة وجوههم وخرجاتهم الإعلامية البهلوانية في كل وقت وحين، دون تقديم أية إضافة للمشهد السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي المغربي، سوى الكلام الفارغ…

إن المغرب بحاجة إلى مسيرة خضراء، أو كيفما كان لونها، لعلها تنقذ شباب هذا الوطن من قوارب الموت ومن المخدرات والتشرميل والكريساج والشعوذة والدعارة والشغب، ولعلها تجعل منها شبابا نموذجيا يستطيع تمثيل بلده أفضل تمثيل كما فعلت الطفلة مريم أمجون، ويستطيع أيضا أن يكون في مناصب المسؤولية خلفا لهذه القيادات التي فاتها القطار…

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x