لماذا وإلى أين ؟

الأحزاب السياسية والاستحقاقات المقبلة أية آفاق…؟

أعتقد أن مصير الأحزاب السياسية في المغرب أصبح أكثر من أي وقت مضى متوقف على ماذا حققت للمجتمع من وعودها منذ سنة 2011 أي بعد المصادقة على دستور فاتح يوليوز 2011 من خلال الاستفتاء.

حيث منذ هذا التاريخ والشعب المغربي ينتظر تحقيق مطالبه الأساسية، وبناء عليه فبعض فالأحزاب التي بنى عليها الشعب المغربي آماله وساندها حتى وصلت إلى الحكم، بل تزعمت ثلاثة حكومات، الأولى والثانية برئاسة السيد عبد الإله بنكيران، والثالثة برئاسة الدكتور سعد الدين العثماني وهما معا من حزب العدالة والتنمية، بعد تأسيس أغلبية حكومية تشكلت الحكومتان الأولى من حزب العدالة والتنمية وحزب الاستقلال، وحزب الحركة الشعبية، وحزب التقدم والاشتراكية الذي لم يستطع خلال مساره السياسي أن يشكل فريقا برلمانيا مستقلا لكنه دائما يشارك في الحكومة، ويتكلف بتسيير حقائب وزارية لا باس بها بل مهمة في الحياة الاجتماعية للمواطنين وعلى الخصوص نذكر منها وزارة الصحة والثقافة واللتين لم ترقى إلى المستوى المطلوب من طرف المواطنين، حيث ظل المواطنون يعانون و ينددون بخدمات هاتين الوزارتين إلى درجة أن غضبا أصاب وزيرين كانا مسيرين لهما، إضافة إلى وزارة التشغيل التي هي الأخرى كانت من نصيب حزب التقدم والاشتراكية، وحلت بالوزير المكلف الغضبة الملكية، ومع ذلك ظلت هذه الحقائب الوزارية من نصيب هذا الحزب كما ظلت النتائج على حالها، أما الحكومة التي ترأسها الدكتور سعد الدين العثماني، فهي تشكلت من الأحزاب التالية:
1) العدالة والتنمية
2) التجمع الوطني للأحرار
3) الحركة الشعبية
4) الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية
5) التقدم والاشتراكية
6) الاتحاد الدستوري
يلاحظ أن حزب العدالة والتنمية وهو المتصدر للوائح الانتخابية بفضل الأصوات التي حصل عليها من خلال صناديق الاقتراع، والتي مكنته من رئاسة الحكومة تطبيقا للفصل 47 من دستور 2011، وقد أسند إلى نفسه مجموعة من الحقائب الوزارية في جلها ذات إستراتيجية في الهرم الحكومي، ورئيس هذه الحكومة يتمتع بصلاحيات جد واسعة وفق دستور 2011، غير أنه و للأسف الشديد فهذه الصلاحيات لم تستثمر كما كان يريدها الشعب المغربي ولم تحقق طموحات المواطنين بل عجزت عن تحقيق ما ورد في برنامج الحزب من وعود، وبالتالي أصبح هذا الحزب في مهب الرياح شمالا وجنوبا، شرقا وغربا والدليل تلك الاحتجاجات والتنديدات التي يقوم بها أفراد المجتمع، وفي بعض الأحيان يلاحظ المرء، السخط العارم من طرف هذا المجتمع على هذا الوزير أو هذا المسؤول في الجماعات أو الجهات وهو ينتمي إلى حزب العدالة والتنمية أو أي حزب آخر يشارك في حكومة الدكتور سعد الدين العثماني بل في كثير من الأحيان المطالبة بإسقاط الحكومة، ومن هؤلاء المجتمع المدني، والنقابات العمالية، والطبقة الشغيلة وهو الأمر الذي من شأنه سيجعل الأحزاب السياسية في حرج من أمرها أثناء الانتخابات المقبلة سواء الجماعية أو التشريعية، حيث يمكن القول أن هذه الأحزاب سواء التي هي مشاركة في الحكومة أو التي ظلت في المعارضة، فهما سواسية أمام حكم المواطن، لا أغلبية المواطنون راضون عنها ولا المعارضة أبانت عن قدرتها من موقع المعارضة ونالت رضى المواطنين، وخير دليل هو شاهد من أهلها، وهو أمين عام سابق لحزب تاريخي، إذ قال إن الأحزاب السياسية لم تحقق شيئا وهي عاجزة لأنها لم تغير أفكارها وعقلياتها، لأن الأفعال تقاس بالنتائج كما انه يمكن القول أنه لا تغيير في المناهج السياسية إن لم تتغير العقول، وتغيير العقول لا ينحصر في السن وإنما في الفكر والعطاء والمواظبة في العمل المتواصل ومسايرة الأحداث والوقائع ومعالجتها بالحكمة والتبصر وبعد النظر، بعيدا عن قضاء المصالح الشخصية الضيقة أو من خلال اقتصاد الريع، ومن الطبيعي جدا أن السياسة كالفلسفة لا تكون إلا وهي مصاحبة للعلم، حيث لا فلسفة بدون علم ولا علم بدون فلسفة.

أما القول أن النتائج الباهرة التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية والتي بوأته صدارة القوائم الانتخابية منذ انتخابات 2011، ورمت بأحزاب أخرى إلى مؤخرة اللوائح أو ما دون ذلك، هي نتيجة ما سمي آنذاك بالربيع العربي، فالأمر ليس كذلك وهو مخالف للواقع، و واه من يبخس واقع الناخب، حيث أن هذا الناخب المغربي أصبح واعيا تمام الوعي من أن تحديات المستقبل ليست هي تحديات الماضي وذلك بفضل الوعي الثقافي والديمقراطي والحس الاجتماعي، والتطلع إلى مستقبل أفضل من خلال التبديل والتغيير والتجديد في الرؤى والنخب والعقليات، بحيث إن لم تتغير العقليات فليس هناك تغيير يتماشى ومجريات الأحداث والوقائع المتسارعة.

فالمواطن المغربي طموح وذكي ويستحق كل التقدير والاحترام، وهو يتوفر على نخبة جد واسعة من المثقفين والعقلاء والمهنيين قد يتفوق بها على دول متقدمة في جميع المجالات الحيوية، والاستراتيجيات التي تؤدي إلى النجاح والتقدم والازدهار والحضارة، وذلك في الطب في الهندسة في الصناعة التكنولوجية والاقتصاد والفلك، والتوقعات الاقتصادية والإستراتيجية الشاملة.

فالناخب المغربي إن لم تحترم الأحزاب تعاقدها معه من خلال البرنامج الانتخابي التي تقدمت به إلى هذا الناخب أثناء الحملات الانتخابية قد تجد نفسها في حساب عسير أمام الناخب الذي سيواجهها بالسؤال التالي:

ماذا حققت هذه الأحزاب للمواطن خلال توليها تسيير الشأن العام المغربي منذ سنة 2011 إلى تاريخ الاستحقاقات؟
وقد تكون هذه الأحزاب عاجزة عن الجواب بالإيجاب، ويتمثل الإنجاز في تحقيق انتظارات المواطنين كما يلي:

1- الشغل، الذي هو جوهر حقوق الإنسان ومنه يستمد المواطن إنسانيته وكرامته، لأن الشغل قيمة مضافة في حياة الإنسان المعاشة، تجعله فاعلا محترما ومواطنا صالحا في المجتمع والمحيط الذي يعيش فيه.

2- قضاء عادل وطاهر من الشوائب، والحديث النبوي الشريف يقول: القضاة ثلاثة، قاضي في الجنة وقاضيان في النار، قاضي يحكم على هواه فهو في النار، وقاضي يحكم بدون علم فهو في النار، وقاضي يحكم بالحق فهو في الجنة. صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلاح القضاء هو صلاح كل الأمور والمعاملات في الحياة اليومية لأي مجتمع.
3- السكن اللائق، وهو الذي يجعل للإنسان كيان داخل المجتمع وهو يحس بالاستقرار والدفء.

4- الصحة، واجب إنساني على الدولة أن تكفله من خلال تعهدات الأحزاب السياسية.

5- التعليم والتربية اللذين هما أسباب الحضارة والتقدم والوعي الثقافي والإنساني، وبالتالي تسريع وتيرة التقدم التكنولوجي والاقتصادي والبيئي والاجتماعي، وتحمل المسؤولية ومفاهيم الديمقراطية والمساواة في الحقوق والواجبات، و تكافؤ الفرص والمنافسة الشريفة، و الحفاظ على المعطيات الخصوصية.

6- مبدأ القضاء على الفساد ومحاسبة المفسدين وعدم إفلاتهم من العقاب في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة.
7- محاربة اقتصاد الريع لأنه يعطل أسباب النمو ويقلل من الإنتاج، ويساهم في ترسيخ الفوارق الاجتماعية ويقلص من تكافؤ الفرص.

هذه عناصر أساسية يسعى إليها كل مواطن إذا ما تحققت، تحقق العيش الكريم، والأمن والأمان، وشاعت مكارم الأخلاق، والمحبة والمودة بين الناس، وهذه مساعي إن لم يشعر المواطن بتحقيقها على أرض الواقع، يمكن القول أن الأحزاب السياسية ستجد نفسها في مأزق حرج تعجز معه في إعادة ثقة الناخب، وهي في اعتقادي فرصة الناخب يعاقب من خلالها ويحاسب، أو حتى يقاضى من أخل بوعوده ومسؤوليته من الأحزاب السياسية التي تحملت مسؤولية تسيير الشأن العام الوطني وفشلت، وبالتالي تجد هذه الأحزاب نفسها عاجزة على كسب الناخب مرة أخرى، فالعاقل لا يلدغ من الجحر مرتين.

والسؤال الذي يفرض نفسه، بأي وجه وبأي وعود ستتقدم الأحزاب الفاشلة إلى المواطن في الاستحقاقات المقبلة؟ ، وهذه كلها مؤشرات وتوقعات قد تقلص من عدد الأصوات والمصوتون، إلا أن الامتناع عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع ليس حلا، بل الحل يكمن في الإقبال على صناديق الاقتراع من أجل ممارسة حق المعاقبة المشروعة دستوريا، وبالتالي يكون تعبيرا حضاريا.

عبد العزيز الادريسي

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

1 تعليق
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
معروف
المعلق(ة)
7 ديسمبر 2018 15:00

وعلى من سنصوت يا ترى ؟ على احزاب لا يهمها سوى التقرب من مركز القرار حتى تنال نصيبها من الريع السياسي و الاقتصادي. اما حزب العدالة و التنمية الدي اصبح جزءا من اللعبة فمازال يتوفر على قاعدة شعبية ستجعله قادرا على تبوء المركز الاول في الاستحقاقات القادمة نتيجة العزوف المتوقع.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x