لماذا وإلى أين ؟

أي دبلوماسية في قضية الصحراء المغربية ؟

إن المسار المعقد لقضية الصحراء المغربية لا يجد أسسه في طبيعة النزاع المفتعل بين الدولة المغربية والكيان الوهمي “البوليساريو” وحسب، ولا يجد أسسه في الظروف الإقليمية وتمرحلها التاريخي وصولا إلى اليوم وكفى، وإنما له إرتباط وطيد بطبيعة المسار الديبلوماسي للدولة المغربية على امتداد أكثر من أربعة عقود.

ولعل أكبر حجر يعرقل هذا المسار بل ويزيده تعقيدا هو إحالة هذا الملف على المجتمع الدولي والقبول بخطوات فوقية وصورية لمجلس الأمن، والذي يسعى دائما إلى تأزيم الوضع أكثر من إيجاد حلول قطعية ونهائية عبر إدخال القضية في سياق قرارات لا متناهية تحت غطاء الديمقراطية تارة، وتحت غطاء مكافحة الإرهاب تارة، وتحت غطاء تحقيق التنمية لشعوب شمال إفريقيا تارة أخرى.

تتنازل خلالها الدبلوماسية المغربية على هيبتها في مقابل إعطاء الشرعية لكيان يتوهم بأنه دولة عندما يجلس ممثلوه في مقاعد المفاوضات، في حين أن لا شرعية له ولا تتوفر فيه أبسط المقومات المتعارف عليها في القانون الدولي المعرفة للدولة، من نظام حكم إلى وجود شعب بل ما زال يسعى لكسب رقعة جغرافية ولا يحظى حتى بإعتراف أغلبية المجتمع الدولي، اللهم إن كانت بعض الدولة المساندة له، والتي تتقاسم معه أطماعه على المستوى السياسي والاقتصادي للضغط على الدولة المغربية.

في ذات السياق إنخرطت الديبلوماسية المغربية في المفاوضات المتعثرة منذ 2012 حول نزاع الصحراء المغربية، إلى جانب ممثلين عن جبهة البوليساريو، الجزائر وموريتانيا يوم 5 و6 دجنبر 2018 في محادثات ترعاها الأمم المتحدة بجنيف السويسرية، وبدعوى من الممثل الأممي هورست كولر المكلف بالملف منذ العام 2017، وذلك إنطلاقا من مخرجات قراري مجلس الأمن 14-24 الصادر بتاريخ 27 أبريل 2018 و خصوصا القرار 40-24 الصادر بتاريخ 31 أكتوبر 2018.

خلال هذين القرارين يتضح أن الأداء الدبلوماسي المغربي غير مؤثر في مسار تطور هذه القضية، حيث تتضمن فقراتها إشكالات خطيرة لا على مستوى تطور الصراع، ولا حتى على مستوى تكريس بعض المفاهيم السياسية المغلوطة، والرابح منها بطبيعة الحال هو كيان البوليساريو وحلفائه.

إذ تنص الفقرة الثانية من القرار 14-24 على تأكيد مجلس الأمن وإلتزامه بمساعدة الطرفين على التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين، يكفل لشعب الصحراء الغربية تقرير مصيره، الشيء الذي يقره ويكرره في قراره رقم 40-24، في حين أنه يجب على مجلس الأمن السعي لإعلاء كلمة الحق، وعدم تشجيع كل من هب ودب بعبارة “المساعدة على التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين”، كما أن تكرير عبارة تقرير المصير تتنافى تماما مع المشروع المغربي المعنون بالحكم الذاتي.

وبعد إنتهاء جولة المحداثات تم التوقيع على بيان ختامي وعقد مؤتمر صحفي، ظهر فيه ناصر بوريطة ممثلا للدولة المغربية وإبراهيم غالي عن جبهة البولساريو في مشهد وكأنه يساوي بين الطرفين، ومرر خلالها ممثل الكيان الوهمي مجموعة من المغالطات أمام سيل من المنابر الاعلامية الدولية.

ومما جاء على طرف لسانه، أن البوليساريو ينطلق من قرار مجلس الأمن 40-24 الذي يقر للشعب الصحراوي أحقية تقرير مصيره، وقال في جملة مستفزة، يجب على المغرب التخلي عن الشروط والعمل مع البوليساريو في إطار مساعي المبعوث الأممي، وأعاد العزف على وتر الديمقراطية وحقوق الانسان في المنطقة.

إن الدفاع المستميت على وحدة ترابنا الوطني، تستدعي جهدا مضاعفا وعدم الانزلاق في مسلسلات لا متناهية يتم الاعتراف فيها بالآخر ومنحه شرعية قانونية تخوله تقمص دورا دولة في مثل هذه المباحثات، لأن المطلب الأول لهذا الكيان هو تحقيق الشرعية الذاتية والدخول على خط المفاوضات وكأنه دولة، وهكذا يسوق لنفسه إعلاميا.

والحذر الشديد من المجتمع الدولي الذي لا يعترف إلا بالقوة، الصحراء مغربية وهي تحت سيادة الدولة المغربية، لكن مواصلة هذا النهج الديبلوماسي الذي يرضى بأنصاف الحلول من شأنه أي يأزم الوضعية لا غير.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x