معنى كلمة “تيفيناغ” ليس “اكتشافنا” بل هو “الفينيقيات”
مبارك بلقاسم
توجد في أمازيغية الطوارق في جنوب الجزائر والنيجر ومالي كلمة Tafineq [تافينق] (أي Tafineɣt [تافينغت]) في صيغة المفرد ومعناها الاصطلاحي: “الحرف الواحد/حرف تيفيناغ الواحد”، وصيغة جمعها لدى الطوارق هي: Tifinaɣ.
والكلمتان الأمازيغيتان Tafineɣt وَ Tifinaɣ مشتقتان في الغالب الأرجح من الاسم اللاتيني/الروماني Punicus أو Punici [پونيكي] الذي أطلقه الرومان على الفينيقيين والبونيقيين (أو ربما من الاسم الإغريقي Phoinikes الذي يعني أيضا: الفينيقيين والبونيقيين).
وفي الإنجليزية نجد الكلمتين Phoenician (فينيقي) وَ Punic (بونيقي). والاسم الروماني القديم Punicus، وجمعه Punici [پونيكي]، قد يشير إلى الفينيقيين الأصليين في لبنان أو إلى المهاجرين الفينيقيين / البونيقيين الذين هاجروا إلى تونس. وقد حكم الرومان لبنان أيضا وسموها بإقليم Phoenice [پوينيكي].
وهذا يعني أن المعنى الحرفي المجرد للكلمة الأمازيغية Tifinaɣ (تيفيناغ) هو: “الفينيقيات / البونيقيات”.
واليوم يدافع أنصار الهوية الأمازيغية واللغة الأمازيغية عن هوية المغرب الأمازيغية عبر دحض الخرافات التعريبية التي تزعم مثلا أن “كل لغات العالم ذات أصل عربي” أو أن “الأمازيغية أصلها عربي”، ولكن كثيرين من أنصار الأمازيغية يروجون بدورهم أسطورة أو تخريجة أو عقيدة مفادها أن كلمة “تيفيناغ” Tifinaɣ تعني “اختراعنا / اكتشافنا” وأنها عبارة تتكون من جزأين مزعومين وهما tifi (الإيجاد، الاكتشاف) و naɣ التي هي nneɣ وتعني بالدارجة “ديالنا / نتاعنا”.
وهذه التخريجة أو العقيدة قد تكون مدغدغة لمشاعر كثير من الأمازيغ ولكن لا نصيب لها من الصحة لأنها تخريجة فانتازية fantastical تفترض في القدامى أشياء وأفكارا من زاوية وخيال أمازيغ هذا اليوم.
والمشكل في ترويج هذه المزاعم هو أنها تخلق وعيا زائفا لدى الأمازيغ عموما والمغاربة خصوصا يعيقهم عن التقدم الحضاري الحقيقي على أرض صلبة وأسس صلبة.
وهذا يشبه بعض العرب في آسيا الذين يروجون أن شيكسبير Shakespeare أصله “الشيخ زبير”!
وهذا شبيه أيضا بما يقوله الذين يروجون خرافة مفادها أن النجمة الخماسية في الراية المغربية الحالية ترمز إلى أركان الإسلام الخمسة! والحقيقة هي أنها نجمة أوروبية دينية وثقافية قديمة جدا (اسمها بالإنجليزية: pentagram) لم يكن المغاربة يعرفونها قبل مجيء الاحتلال الفرنسي الإسباني، وقد وضع الفرنسيون تلك النجمة على راية الدولة المغربية الجديدة عام 1915 في عهد الحاكم الاستعماري الفرنسي Hubert Lyautey. ونجد النجمة الخماسية على راية إثيوبيا أيضا وشعبها ذو غالبية مسيحية.
إذن فبنفس طريقة التفسير البَعْدي اللاحق يزعم أنصار الأمازيغية اليوم بجرة قلم أن كلمة Tifinaɣ تعني حرفيا “اختراعنا / اكتشافنا” بالأمازيغية، في محاولة منهم لتأصيل معنى الكلمة محليا أي أمازيغيا وإبعاد أية شبهة أجنبية عنها.
ودون أن يطلعوا على لهجات وقواميس الطوارق الذين أوصلوا إلينا الكلمتين Tafineq وَ Tifinaɣ فإن أمازيغ الشمال في المغرب والجزائر وتونس وليبيا يزعمون (بالنيابة عن الطوارق!) أن كلمة Tifinaɣ مبنية على كلمة tifi بمعنى (الإيجاد، الاكتشاف) ويزعمون أنها اشتقاق من الفعل الأمازيغي المعروف yufa كما نجده في العبارة Netta yufa التي تعني “هو وَجَدَ”.
أما الطوارق فلا يوجد لديهم إطلاقا الفعل الأمازيغي الشمالي af أو yufa بمعنى “وَجَدَ” وإنما يستعملون الأفعال egrew وَ eǧru وَ ejrew وَ ageẓ بمعنى “وَجَدَ”. إذن فإذا كان الطوارق (حاليا على الأقل) لا يعرفون الفعل af أو yufa (وَجَدَ) ولا الاسم tifit (الوجود/الإيجاد/العثور) فكيف عرف أمازيغ المغرب وشمال الجزائر أن كلمة Tifinaɣ معناها “اكتشافنا” بينما نحن نعلم أن الطوارق هم الأمازيغ الوحيدون الذين حافظوا على الكلمتين Tafineq وَ Tifinaɣ وعلى حرف ثيفيناغ طيلة القرون الماضية؟!
إذن فإن غياب كل من الفعل yufa (وَجَدَ) والاسم tifit (الإيجاد) لدى الطوارق هو غياب يفرغ المزاعم القائلة بأن كلمة Tifinaɣ تعني “اكتشافنا” من محتواها ويفسح المجال لتفسير آخر أكثر بساطة ومنطقية.
وفي معجم محمد شفيق نجد الكلمات الأمازيغية الشمالية afa وَ awfa وَ tifit بمعنى “الوجود/الإيجاد” أو “العثور”. وفي أمازيغية الريف توجد أيضا كلمة tawafit بمعنى “العثور، الإيجاد، الكشف، حل اللغز”. ولكن التشابه بين الكلمة الطوارقية Tifinaɣ والكلمتين الشماليتين tifit وَ tawafit هو مجرد صدفة لا يجب النفخ فيها لغايات أيديولوجية.
أما التفسير المعقول فهو أن كلمة Tifinaɣ (تيفيناغ) هي كلمة في صيغة الجمع المؤنث تعني ببساطة: “الفينيقيات” أو “البونيقيات”، لأن كلمة Punicus الرومانية كانت منتشرة في المنطقة الأمازيغية منذ القديم ولأن الفينيقيين كانوا معروفين بحروفهم في ذلك الوقت.
وهناك مؤشر آخر يدعم ذلك وهو أن أمازيغية الطوارق تملك صيغة المفرد وهي Tafineq (تافينق) أي Tafineɣt (تافينغت). وصيغة المفرد هذه (Tafineq) معروفة جيدا في أمازيغية طوارق النيجر وطوارق جنوب الجزائر.
فالحرف الواحد من تلك الأبجدية يسميه الطوارق: Tafineq أي Tafineɣt.
والحروف المتعددة يسميها الطوارق: Tifinaɣ.
- راجع القاموس الطوارقي الفرنسي Dictionnaire touareg français للبروفيسور الدانماركي Karl-G. Prasse في المجلد الأول في الصفحة رقم: 165. (القاموس منشور عام 2003).
- وراجع أيضا كتاب Tuareg Elementary Course – Tahaggart لنفس البروفيسور الدانماركي، في الصفحة رقم: 159. (الكتاب منشور عام 2010).
إذن فمن يزعم بأن Tifinaɣ هي tifi nneɣ فسيجد نفسه أمام الكلمة الطوارقية في صيغة المفرد Tafineq أو Tafineɣt وسيكون عليه أن يقسمها إلى tafi وَ neɣt أو إلى tafi وَ neq.
الكلمتان tafi و tifi غير موجودتين في اللغة الأمازيغية عموما، بهذا المعنى على الأقل، فضلا عن أن الفعل af (جِدْ) أو yufa (وَجَدَ) مجهول لدى الطوارق بهذا المعنى.
إذن، التفسير الأقرب للصحة هو التفسير التاريخي وهو أن الكلمة المفردة Tafineɣt (الفينيقية / البونيقية) صاغها الأمازيغ القدامى من الاسم الروماني Punicus أو Punici للبونيقيين أو الفينيقيين الذين استوطنوا بلاد تونس الأمازيغية وجاءوا إليها بالحروف الفينيقية. وصاغ الأمازيغ صيغة الجمع: Tifinaɣ (الفينيقيات / البونيقيات). - ملاحظة هامة: يجب أن ننتبه إلى أنه حدث تحور طبيعي في لهجات الطوارق أدى إلى تحول ɣt [غت] في آخر الكلمة المؤنثة إلى q [ق]. فمثلا يسمي طوارق النيجر حاليا لغتهم بالاسم Tamajeq [تاماجق]، ويسمي طوارق الجزائر حاليا لغتهم Tamahaq [تاماهاق]، وطوارق مالي يسمون لغتهم Tamaceq [تاماشق]، وكل الأسماء الطوارقية الثلاثة هي تحورات للكلمة الأصلية Tamaziɣt (التي حافظ عليها الريفيون والأطلسيون بالمغرب) ولكن الغين الأمازيغي (ɣ) يظهر دائما لدى الطوارق في صيغة الجمع ويظهر أيضا في صيغة المذكر المفرد والجمع، لذلك يسمي طوارق الجزائر أنفسهم Imuhaɣ [إيموهاغ] ويسمي طوارق النيجر أنفسهم Imajeɣen [إيماجغن] ويسمي طوارق مالي أنفسهم Imucaɣ [إيموشاغ]. إذن نفس الشيء حدث مع Tafineɣt التي حولها الطوارق إلى Tafineq ويجمعها الطوارق بـ Tifinaɣ.
ومن المعروف أن حرف الكاف الروماني/اللاتيني C يتحول في كثير من الحالات إلى غين Ɣ أمازيغية في الكلمات المستوردة مثلما وقع مع الكلمة اللاتينية/الرومانية causa [كاوسا] التي تحولت إلى taɣawsa [ثاغاوسا] في الأمازيغية، والكلمتان تعنيان: “الشيء، المسألة”.
أما الحرف اللاتيني/الروماني P فهو يتحول أحيانا إلى F أمازيغي وأحيانا إلى B أمازيغي، مثل الكلمة اللاتينية/الرومانية peccatum (الإثم، الجريمة) التي تحولت إلى الكلمة الأمازيغية abekkaḍ [أبكّاض] (الإثم، الجريمة). والكلمة اللاتينية/الرومانية pirus (الإجاص) تحولت إلى الكلمة الأمازيغية afiras أو tafirast (الإجاص).
وطبعا فالحرف الليبي Libyco-Berber وحرف تيفيناغ الطوارقي ليس كله استيرادا من البونيقيين أو الفينيقيين. الأرجح هو أن الأمازيغ القدامى أخذوا بعض الحروف الفينيقية وطوروها من حيث الشكل وأضافوا إليها حروفا أمازيغية/ليبية/طوارقية اخترعها الأمازيغ محليا قبل أو بعد مجيء الفينيقيين. ومن المرجح أنه في مرحلة ما قرر الأمازيغ أن يشتقوا كلمة Tafineɣt أو Tafineq وجمعها Tifinaɣ من الاسم الروماني Punicus أو Punici للإشارة إلى الأصل الفينيقي / البونيقي لتلك الأبجدية أو كمجرد تمزيغ للاسم الروماني الشائع Punicus.
وهذا ما يحدث في كل الحروف. فالمستورد يستورد الحرف المعين ثم يطوره ويعدله ويضيف إليه.
فالحرف الفينيقي نفسه هو من أصل قبطي قديم (مصري قديم).
والحرف اللاتيني جاء من أصل إتروسكي Etruscan (إيطالي قديم) وهذا بدوره من أصل إغريقي (يوناني) وهذا بدوره من أصل فينيقي، ثم نصل مرة أخرى إلى الحرف القبطي القديم.
والحرف العربي جاء من أصل نبطي أو سرياني وهذان بدورهما تطورا من الحرف الآرامي. والحرف الآرامي جاء بدوره من الفينيقي الذي جاء من الحرف القبطي القديم.
والحرف القبطي القديم يسمى بالإنجليزية Proto-Sinaitic وظهر في مدن ضفاف النيل وامتد إلى سيناء وتم اشتقاقه من الهيروغليفيات القبطية القديمة (رسومات لغوية).
وكل هذه المعلومات عامة يمكن التحقق منها بسهولة في المراجع والموسوعات في الإنترنيت والمكتبات.
وكنت قد بينت في العديد من المقالات أن الحرف اللاتيني أنفع للأمازيغية من حرف تيفيناغ لأن الحرف اللاتيني سيساعد على تسريع نشر الأمازيغية في التعليم والإعلام والإدارة وتسهيل تعليمها للمغاربة وخصوصا منهم الشباب. ولكن من يرى أن حرف تيفيناغ هو الأجدر بالتدريس فمن حقه ذلك ولكن لا يحق له تضليل المغاربة بأساطير مفادها أن “كلمة تيفيناغ تعني: اختراعنا أو اكتشافنا”.
إذن فمن يدافع عن الأمازيغية لغة أو هوية أو يدافع عن حرف تيفيناغ يجب أن يدافع عن ذلك كله بالحقائق وليس بالأساطير والتخريجات الضعيفة التي تشوه وعي الناس وتدخلهم في متاهات. وإذا كانت تنقصه المعلومات والمصادر فعليه أن يكتفي بالعبارة “لا أعرف” Wer ssineɣ بدل نسج الأساطير الممجدة للأمازيغية والأمازيغ بلا داع (فالأمازيغية والأمازيغ لا يحتاجون إلى ذلك) في نفس الوقت الذي يدعي فيه أنه يحارب الخرافات والأساطير التعريبية والبعثية والداعشية.
إذن، سواء تعلق الأمر بأسطورة “كلمة تيفيناغ تعني اكتشافنا” أو بأسطورة “النجمة الخماسية في راية المغرب ترمز إلى أركان الإسلام الخمسة” فهي أساطير وعقائد خاطئة يتم بها تشويه وعي الشعب.
يمكننا أن نسمي حروف تيفيناغ: “تيفيناغ” أو “الحروف الأمازيغية” أو “الحروف الليبية” أو “الحروف الطوارقية”، وكلها أسماء جيدة لا عيب فيه ولا غبار عليها.
ولكن المعنى الحرفي لكلمة “تيفيناغ” Tifinaɣ هو: “الفينيقيات / البونيقيات”. - إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها.
— إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها.
مقال علمي وموضوعي من خلال هذا النحث في التاريخ واللغات والقواميس، أنا متفق معكم في كل المقال لكن لم تكن موفقا في الخاتمة من ناحية قراءتك للتاريخ وللحاضر وللمستقبل عندما أوصيت بتدريس وكتابة الأمازيغية بالحروف اللاتينية لتسهيل عملية تعلمها وتداولها بشكل أوسع، لكن أما كان جدير بك أن تبحث أيضا كيف كانت تكتب هذه اللغة قبل تيفيناغ؟ لقد كانت تكتب بالعربية وهناك وثائق تاريخية ومخطوطات ولحد الآن هناك دواوين شعرية بالأمازيغية وتكتب بالحروف العربية ، مثل نظيراتها في جل اللغات التي كانت مجاورة للعربية كالتركية سابقا واليوم مازالت الفارسية والأوردية والبوشتو … وغيرها كثير من اللهجات الشرقية تكتب بالحروف العربية مع تغييرات طفيفة. هذا هو اقتراحي لتطوير وتعميم التواصل بهذه اللغة الوطنية الجميلة والتي هي جزء لا يتجزء من هوياتنا الوطنية , مع خالص تحياتي على هذا البحث القيم