قضية حامي الدين وسبقية البت
ذ. محمد السعيدي
أثارت قضية عبد العالي حامي الدين سجالا قانونيا بين من يدافع على محاكمته من جديد بدعوى عدم الإفلات من العقاب، وهو التيار الذي يطرح مبرراته ومسوغاته القانونية وتفسيره للمادة 369 من قانون المسطرة الجنائية، وبين تيار آخر يعتبر المحاكمة الجديدة غير سليمة بدعوى صدور حكم حائز لقوة الشيء المقضي به في نفس الملف، مما يتناقض والمبادئ العامة للمحاكمة التي تنص على سبقية البت.
لكن ما ذا قالت محكمة الاستئناف بفاس عندما حكمت على عبد العالي حامي الدين بسنتين حبسا نافذا في سنة 1994؟ هل حكمت عليه من أجل القتل العمد أم الضرب والجرح المفضي إلى الموت أم من أجل المساهمة في مشاجرة أفضت إلى وفاة؟ بالرجوع إلى أصل الحكم نجد أن المحكمة قضت في حق المتهم من أجل التهمة الأخيرة، بعدما تعذر عليها تشكيل اليقين والقناعة الوجدانية على ثبوت الأفعال الإجرامية الأولى، ليس تبرئة للمتهم منها، وإنما لغياب أدلة وإثباتات وقتها تسمح بالمتابعة القضائية من أجل الأفعال الإجرامية الأشد.
وقد جاءت الإفادة الأخيرة للخمار الحديوي لتفسح المجال أمام محاكمة جديدة، بأوصاف جرمية أشد، وهي إمكانية تقررها الفقرة الثانية من المادة 369 من قانون المسطرة الجنائية، ويكرسها دليل المحاكمة العادلة لمنظمة العفو الدولية.
وتوطيدا لهذا التوجه، تؤكد هيئة دفاع عائلة الضحية محمد بنعيسى أيت الجيد، أن المادة 369 من قانون المسطرة الجنائية تم تكريسها تشريعا في المغرب منذ أكثر من 60 سنة، وهي مستوحاة من القانون الفرنسي الذي يعود إلى أكثر من 200 سنة، بمعنى أنها قاعدة قانونية معمرة تعود لما يناهز 260 سنة من الممارسة القضائية، ولم يتم تعطيلها أو الطعن فيها إلا بعد متابعة حامي الدين عن حزب العدالة والتنمية بالمغرب! إنها الانتهازية في أقصى تجلياتها، تضيف أسرة دفاع الضحية.
وأدلت هيئة دفاع أسرة أيت الجيد بعدة أمثلة قانونية تعزز وتزكي طرحها القانوني. فمثلا الجاني الذي يزهق روح الضحية بواسطة سيارته، وتتم متابعته على أساس حادثة سير مميتة والحكم عليه بخمسة أشهر حبسا نافذا يقضيها بالسجن بعدما يصير الحكم حائزا لقوة الشيء المقضي به، ثم يظهر بعد ذلك شاهد عيان يؤكد أن الوفاة كانت عمدية وأن السائق تسبب في القتل العمد! فهل يمكن متابعته من جديد على أفعال القتل العمد أم تكتفي المحكمة بالدفع بسبقية البت لأن الحكم صار حائزا لقوة الشيء المقضي به؟
والأمثلة القانونية على ذلك كثيرة، فقد تتم مؤاخذة متهم ساهم في الضرب والجرح بواسطة السلاح الأبيض والحكم عليه بعقوبة ستة أشهر مثلا، بينما يبقى مساهم آخر في حالة فرار، أما الضحية فقد توافيه المنية بعد مدة زمنية معينة بسبب تراخي العلاقة السببية بين الاعتداء والوفاة. فهل ستتم متابعة المساهم الثاني بجريمة القتل العمد والحكم عليه بعشرين سنة سجنا نافذا بعد ثبوت علاقة الاعتداء بالوفاة، بينما يغنم المساهم الأول بستة أشهر حبسا فقط، بدعوى أن الحكم الصادر في حقه صار نهائيا واكتسب قوة الشيء المقضي به.
إن إعمال العدالة وتطبيق مبدأ عدم الإفلات من العقاب هو الذي دفع المشرع المغربي، والتشريعات الأجنبية المقارنة، إلا تكريس المادة 369 من قانون المسطرة الجنائية، وكذا تقرير الطعن بالمراجعة في القضايا التي يمكن فتحها دوما من جديد بعدما تم استنفاذ جميع مراحل التقاضي وكافة طرق الطعن.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها.
جاء ت أمثلة في المقال لتمويه الرأي العام :
المثل الأول فيه : ” وتتم متابعته على أساس حادثة سير مميتة والحكم عليه بخمسة أشهر حبسا نافذا يقضيها بالسجن بعدما يصير الحكم حائزا لقوة الشيء المقضي به، ثم يظهر بعد ذلك شاهد عيان يؤكد أن الوفاة كانت عمدية وأن السائق تسبب في القتل العمد! “.
التعليق:
الحال أن الشاهد الخمار الحديوي لا تنطبق عليه جملة ” ثم يظهر بعد ذلك “. وذلك لأن هذا الشاهد أصلا أدلى بشهادته في هذه القضية منذ 25 سنة، ولم يكن غير موجود ثم ظهر بعد البث في القضية .
لتبقى جملة : ” وقد جاءت الإفادة الأخيرة للخمار الحديوي لتفسح المجال أمام محاكمة جديدة ” هي جملة ضد هذا الشاهد وليست في صالحه، حيث تثبت أن هذا الشاهد إما فاقدا لإتزانه أو يشهد الزور ذلك للتناقضات التي تعانيها تصريحاته في كل وقت وحين !
المثل الثاني فيه : ” تتم مؤاخذة متهم ساهم في الضرب والجرح بواسطة السلاح الأبيض والحكم عليه بعقوبة ستة أشهر مثلا، بينما يبقى مساهم آخر في حالة فرار، “.
التعليق:
الحال أن حامي الدين لا تنطبق عليه جملة ” بينما يبقى مساهم آخر في حالة فرار “. وذلك لأن حامي الدين لم يكن أبدا في حالة فرار.