“العالم السفلي”؛ سلسلة قصصية مشوقة، تفتح من خلالها “آشكاين” لقرائها الكرام نافذة لاستكشاف عالم تجارة المخدرات في شمال المغرب.
من خلال هذه النافذة، تنقل الجريدة الإلكترونية “آشكاين” لمتتبعيها أحداث مشوقة من عالم التهريب الدولي للمخدرات بعضها ينبش تفاصيل ملفات معروف للعامة وبعضها خفي لا يعرفه إلا المقربون من العالم السفلي لتجارة المخدرات، إضافة إلى قصص أشخاص واكبوا وعملوا مع أكبر البارونات بمناطق الشمال والمغرب.
إليكم قصة اليوم :
هناك فترات من مسار عمل كريم الملقب بالشطونة، ضيفنا في هذه الحلقة من “العالم السفلي”، في مجال تهريب المخدرات والتهجير السري، في تسعينيات القرن الماضي، خاصة عند نهاية مسيرته في تلك الحياة، عندما بدأت عمليات التهريب التي يقودها شقيقه الأكبر في تهريب الحشيش، (بدأت) في اتخاذ منحى عنيف جدا، جعله يفكر مليا فيما يفعله بحياته.
“الشطونة” مع ذلك خلال حديثه معنا، كان لا ينكر متعة تلك المغامرات أيضًا، عندما كان مراهقًا من “الهيبيز” يغازل الفتيات الجميلات في حانات الرقص الشرقي لمدينة فاس ويتجول في شوارع مدينة طنجة المزدحمة بسيارته “مرسيدس بنز” الفارهة.
ولايزال “الشطونة”، فخوراً بالفكرة التي يقول إنه توصل إليها من أجل مضاعفة أرباح شقيقه. وبنقلة واحدة من ترويج المخدرات إلى التهريب الدولي لها وللبشر أيضا، فقد نجح في إقناع شقيقه، أنهم يستطيعون مضاعفة أرباحهم عن طريق تهجير الأشخاص، فهم يوردون أموالا أكثر، وإن تم القبض عليهم وترحيلهم، سيعيدون الكرة، مما يعني دفع أموال أكثر للمهجرين.
يقول كريم (اسم مستعار)، إنه دخل في عالم تهريب المخدرات عن طريق شقيقه، الذي وقع عقد عمل دائما في أواخر السبعينات مع شبكة كانت تنشط في كل شيء آنذاك، تهريب الحشيش من شمال المغرب نحو إسبانيا، وترويج الأقراص المهلوسة القادمة من الجزائر، الاستيلاء على أراضي الغير عن طريق تزوير الوثائق…، كل شيء. يضيف كريم، شقيقه كان بحارا، قبل أن يكتشف أن تجارة المخدرات بها أرباح أكثر، فقرر تغيير المهنة، وشرع في أخذ كميات من الكوكايين من أصدقاء له إسبان تعرف عليهم خلال عمله هناك، ويقوم بأداء ثمنها بعد بيعها بالتقسيط.
يضيف كريم، أن أول عملية قاموا بتفيدها لم تكن بالسهلة، لأن شقيقه كان قد سئم من الأرباح القليلة وأراد قفزة كبيرة ، فقرر أن يقوموا أيضا بتهريب شحنة من مخدر “الشيرا”، رفقة المهاجرين. وأن يستعين بأصدقائه الإسبان، الأول ملقب “بباكو” والثاني “مغيل” لم يلتقه كريم من قبل.
في ليلة العملية، يقول كريم، التقوا “باكو” بقرية بليونش القريبة من الفنيدق وسبتة ( كاستياخوس ) ، في منطقة غابوية. “باكو ” المتوسط الطول وشعره المدهون ، يرتدي سروالاً جينز وقميصاً فضفاضاً .
أثناء القيادة نحو مكان الزورق السريع، يقول “باكو ” أن الشباب قد حظروا القارب وقاموا بتحميله بالوقود والبضاعة، وأن عشرة مرشحين للهجرة السرية في طريقهم إلى المكان. ثم نظر إليه وقال بلهجة دارجة ركيكة :”خوك راجل”، وعاد إلى التحدث بالاسبانية وهو يحث كريم على أن يكون شجاعا، ويحضره لموجة الأدرينالين التي ستنتابه ما إن يركبوا البحر.
يقول كريم إنهم استأجروا كل الخدمات اللوجستية اللازمة للذهاب إلى الضفة الإسبانية، من إحدى العصابات الكبيرة التي تعمل في المضيق. يضيف كريم، أنه في هذا العالم، يستأجر بعضنا من البعض قوارب أو دراجات مائية سريعة، لتهريب المخدرات.
يقول كريم، إن أخاه أراد أن يكبر، قال ببساطة وهو يستدير إلى اليسار، ويرفع ذراعه اليمنى قليلاً ويكشف عن وشم على شكل شبكة عنكبوت على مرفقه، ويضيف، مثل هذا العنكبوت أردت شبكتي الخاصة.
بعد حوالي نصف ساعة من القيادة، وصلنا إلى نوع من الشاليهات على الشاطئ، قام صبي لم أعرفه بفتح الباب لتدخل السيارة، ومن هناك بدأت الأحداث تتسارع بشكل كبير. يناولنا الصبي نوعًا من بدلة رياضية سوداء وقناع تزلج. قال لي “باكو” :”ارتديها فوق ملابسك وإلا ستصاب بالبرد”.
ارتديتها بسرعة، لم يستغرق الأمر أكثر من دقيقة، سمعت بوابة أخرى تفتح خلفي، على بعد حوالي 20 مترًا. ومباشرة بعدها هدر صوت تشغيل محرك ، عندما استدرت رأيت أنه جرارا صغيرا يسحب قاربًا فوق دعامة بعجلات على متنها قارب سريع “فانطوم”بأربعة محركات قوية.
كل شيء حدث بسرعة كبيرة، أنا متوتر وبالكاد يوجد ضوء، في غضون ثوانٍ قليلة، يغادر الجرار الشاليه ويعبر رمال شاطئ صغير ويقترب بالقارب إلى متر واحد من الشاطئ. في تلك اللحظة يقول “باكو” : “هيا ، الباقي متروك لنا. ليقوم هو وشقيقي بالركض وراء الجرار. على الفور، يدفعون القارب قليلاً لخفضه ووضعه في البحر، ثم تبعنا المرشحون للهجرة على دفعات، وبسرعة قفز الجميع الى القارب بين أكياس الحشيش، ثم أطلقنا العنان للمحركات.
كنا نكاد نطير بسرعة خطيرة فوق مياه المضيق يقول كريم، لا أعرف كم بلغت من عقدة، لكن إن كان علي أن أتكهن فعلى الأقل 160 كيلومترا في الساعة. فجأة توقفنا وسط الأمواج ، صاح بنا “باكو” لقد دخلنا المياه الإسبانية. أعدنا ملئ خزانات المحركات بالوقود الذي نحمله في براميل بلاستيكية من سعة 50 لترًا. ، بعد الانتهاء، ينطلق الزورق مرة أخرى، وصلنا إلى منطقة مظلمة على الشاطئ. نرى من بعيد أن شخصًا ما يشير إلينا بمصباح يدوي ، يبطئ باكو ويزرع مقدمة القارب على رمل الشاطئ، لتبدأ الحفلة.
انطلق الجميع، راكضين نحن والمهاجرون و معنا سبعة حمالين إسبان، قاموا بتفريغ 2400 كيلوغرام من الحشيش، 80 بالة بكل واحدة منها 30 كيلو، في دقائق كان كل شيئ قد انتهى و تمت تعبئة سيارات رباعية الدفع بالمخدرات ، قيمتها السوقية تقدر ب 3.6 مليون يورو. بعد الانتهاء من تفريغ القارب ، كنا جاهزين للمغادرة، بعدما أطلق المهاجرون سيقانهم للرياح في اتجاهات مختلفة.
قبل عودتنا الى المغرب، يقول كريم، أن باكو وشقيقه، توجهوا نحو ثلاثة أشخاص كانوا على متن واحدة من السيارات رباعية الدفع، أحدهم مغربي بقي على بعد أمتار قليلة طيلة إفراغ الحمولة، وهو يشرف على العملية، مما فهمته لاحقا أنه رجل أعمال في مجال العقار. الآخران اثنان من عناصر الحرس المدني الإسباني، كلاهما يحمل مصباحا يدويا ، كانوا هم الذين أشاروا إلينا من بعيد. “يجب أن تدرك أن أفواه كثيرة تأكل من تجارة المخدرات هنا”، يقول كريم.
رحلة العودة لم تكن بنفس السهولة ، يتذكر كريم ، فجأة وجدنا زورقنا وسط مساحة من الضوء المعمي للأبصار ، و أصوات عبر مكبرات الصوت بالاسبانية تأمرنا بالتوقف ، كانت وحدة للحرس المدني الاسباني ، لحسن حضنا كنا قريبين من المياه الدولية ، ضغط شقيقي على محركات الزورق الى أقصى طاقتها ، طاردتنا الوحدة الاسبانية لعدة دقائق بدت لي طويلة جدا ، قبل أن تتخلى عن ذلك مع دخولنا المياه الدولية لمضيق جبل طارق ، رحلة العودة لم تستغرق منا أكثر من أربعين دقيقة، فيما استغرقت رحلة العبور أكثر، حيث أن القارب كان مثقلا بحمولته ، بعد ذلك، كانت هناك عدة عمليات أخرى مشابهة ، كانت أسهل من الأخرى، فالأولى دائما تكون الأصعب.
الحلقة الأولى : العالمُ السفلي.. هكذا خطط لتصفية النيني بواسطة قاتل مأجور
