لماذا وإلى أين ؟

أبو علي:اختيارُ لغة التعليم هو جزء من تصور شامل للتنمية

لازال الصراع على أشده بين المدافعين عن تدريس المواد العلمية باللغات الأجنبية، ونظرائهم الذين يعتبرونه تغريباً للعلوم عن اللغة العربية التي تعتبر هي اللغة الرسمية للمملكة كما نص على ذلك دستور 2011.

ولم يبقى هذا النقاش الجديد/القديم، حبيس نقاشات الصالونات بل تحول إلى قبة الشريع حيث أبدى الفرقاء السياسيين بالبرلمان مواقفهم، بشأن اللغة التي يرونها مناسبة لتلقين أبناء الشعب المهارات العلمية بالمدارس الوطنية بإختلافها.

وفي هذا الصدد ربطت “آشكاين”، الاتصال بـ”فؤاذ أبو علي” رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، من أجل معرفة موقف الهيئة التي يمثلها من هذا النقاش شغل الرأي العام الوطني، وسيما المهتمين باشأن التعليمي.

ما رأيكم في النقاش الداير حالياً بخصوص لغة التدريس بالمدرسة العمومية؟

النقاش حول لغة التدريس هو نقاش طبيعي ويثبت حيوية المجتمع في التفاعل مع القضايا التي يتداول فيها الفاعل السياسي. فقبل مدة لم تكن مثل هذه القضايا تتداول أو يسمح لها أن تتداول خارج جدران المؤسسات العمومية، لكن الآن أصبحنا أمام حركية مجتمعية تثبت أن قضية اللغة هي جوهر النقاش العمومي. وربما الذين خططوا لفرنسة التعليم كانوا يتصورون أن الأمر سيجري بهذه السهولة والانسياب دون تفاعل مجتمعي، فبعد أن رسم التعدد اللغوي للغتين رسميتين جاءت الرؤية لتنقض عليه وتتحدث عن التناوب اللغوي مع لغات أجنبية لنصبح مع القانون الإطار أمام تراجع آخر هو جعل الفرنسية لغة المواد العلمية والتقنية. هو مسار من الانحدار يثبت أن الغاية القصوى ليس حماية اللغتين الرسميتين ولا تفعيل رسميتهما وإنما هو فرنسة المدرسة وإلحاقها بالمركز الفرنكفوني ثقافة ولغة وهوية. لكن من الناحية النظرية فاختيارُ لغة التعليم هو جزء من تصور شامل للتنمية بمختلف جوانبها القيمية والمصلحية. لذا فمن الناس من يتبنى النموذج الكولونيالي للتنمية تصورا وتنزيلا. وهذا النموذج الإدراكي أسسه الاستعمار لتمدين الأهالي في المستعمرات القديمة/ الجديدة، القائم على نشر المدارس لتعليم العلوم الحديثة بواسطة لغاتها الأصلية مما رسَّخ في أذهان الكثير أنَّ المجتمعات المتمدِّنة تطوَّرت في شتى المجالات بفضل علومها الحديثة، ويترتَّب عنه كونُ المجتمعاتِ المتخلِّفةِ لا تسيرُ في طريق النموِّ ما لم يتعلَّمْ أبناؤُها علومَ العصر بواسطة اللغات الحية. فالأمر لا يتعلق بانفتاح على لغات العصر وعلومه وإنما احتذاء لنموذج معرفي وتنموي راسخ حتى في أذهان بعض المنتمين للقطب الهوياتي قائم على فهم خاص للتنمية.

وإذا كان الأمر كذلك فما هي لغة التدريس التي يمكننا استخدامها في التلقين العلمي وتكون بوابة لولوج عالم التنمية ومجتمع المعرفة؟

نحن أمام خيارات ثلاثة:
1- خيار الفرنسة الذي اختطته وزارة التعليم المغربية والقائم على مفهوم التناسب بين المستويات الدراسية. . أولا الفرنسية ليست لغة العلم وقد جاءت فرنسا في المركز 27 على سلم 72 دولة عالميا في تقرير “بيزا” العالمي الذي يقوم بتقييم جودة التعليم. ولم تحتل فرنسا المراكز العشر الأولى بل حتى المراكز العشرين. بينما تفوقت نماذج تعليم لدول كانت حتى الأمس القريب متخلفة مثل سنغافورة ولكنها حققت قفزة نوعية في التعليم.

2- خيار تعويض الفرنسية بالانجليزية كما فعلت دول مثل رواندا منذ عام 2008، لكن هذا الخيار مازال محدودا بالزمن وهناك دول عديدة مثل دول المشرق العربي، مازالت ترفل في التخلف بالرغم من سيطرة الانجليزية على فضاءاتها

3-النموذج الوطني: بعيدا عن المزايدات الإيديولوجية التي دفعت البعض إلى استغلال النقاش حول التعليم الجاري حاليا لفرض الفرنسة من جديد، حتى تكشفت الأمور عند بعض من يزعم الدفاع عن الأمازيغية وتبين انتماؤهم الحقيقي، فإن الاختيار المنطقي ينبغي ألا يكون بين لغة أجنبية وأخرى وطنية، وإنما بين لغتين وطنيتين: العربية والأمازيغية، في تطبيق حقيقي للدستور المتوافق على مقتضياته. وفي انتظار التأهيل الكامل للأمازيغية واستيضاح مواطن الاستعمال وأولوياته وفق خريطة وظيفية فإن الأولى الآن هو الاشتغال بجدية على جعل العربية لغة التعليم في جميع مسالك الدراسة. واستعمال العربية في التعليم لم تعد قضية هوياتية فحسب، وإنما باتت شرطا أساسيا لتنمية أدوات التفكير وتنمية القدرات الذهنية والملكات الإبداعية، فضلا عن استيعاب المعرفة المتسارعة المتجددة. لذا فإن إبقاء العلوم رهن الاحتجاز في الدائرة الفرنكفونية يمثل عقبة في طريق إقامة جسور التواصل بين التخصصات العلمية وفضاء التنمية.

كيف تردون على دعاة التعليم باللغات الاجنبية ؟

فاذا كانت اللغة ملك للجميع فالنقاش حول لغة التدريس ينبغي استبعاده من من دائرة الاصطفافات الاديولوجية والسياسية والحسم العلمي هو الرهان.

وجدير بالذكر أن أبوعلي، أكد أن استشارتهم كهيئة تمت مع بعض الفرق البرلمانية التي فتحت نقاشا داخليا عبر أيام دراسية ولقاءات خاصة، “كما وجهنا مذكرات ومراسلات إلى الحكومة ممثلة في الرئاسة ووزارة التربية الوطنية، وطلب منا المجلس الأعلى للتربية والتكوين تصورنا قبل ظهور الرؤية الاستراتيجية، لكن ظلت الوزارة المسؤولة تتحرك خارج كل قواعد القانون حين عممت الفرنسة قبل حتى صدور القانون الإطار”. يقول أبوعلي.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

1 تعليق
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
libre
المعلق(ة)
20 فبراير 2019 05:10

كارثة مع هذا الاستاذ في الوقت الذي يشفى فيه المغرابة من انفصام الشخصية ويتأكدوا من انهم امازيغ وليسوا عرب لا عرقيا ولا تاريخيا ولا لغويا وحتى اللغة العربية لغة اسيوية اجنبية عنا كغيرها من اللغات الوافدة للمغرب للاسف لانزال نرى هؤلاء يدافعون عن لغة اهلها الحقيقيين بدوا يلقونها حانبا لمصلحة الاجيال القدمة

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x