لماذا وإلى أين ؟

منجيب: أكبر كفاءة سياسية هي الحصول انتخابيا على ثقة الشعب

قال الكاتب والمؤرخ، المعطي منجيب، إن “بال جزء كبير من المغاربة ينشغل منذ خطاب الملك الاخير بقضية بحث سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة عن بروفيلات وزارية ذات كفاأت عالية. كما ظهرت الكثير من المقالات الصحافية التي تجتهد في التخمين حول هوية من سيغادر الحكومة من “منعدمي الكفاءة” ومن سيدخلها من الاختصاصيين القادرين على إخراج المغرب من الأزمة العامة الخانقة التي يعيش فيها منذ سنوات.

واعتبر منجيب، أن “كل هذا يعطي بعض الأمل لجزء من الرأي العام. مشيرا إلى أن “الغريب أن هذا الأخير قد نسي أن جزأ لابأس به من الحكومة قد أُعفي سنة 2017 من منصبه لنفس الأسباب، أي انعدام الكفاءة أو الفشل في تنفيذ السياسات القطاعية المهمة كالتعليم والصحة أو مشاريع تنمية محلية كمشروع منارة المتوسط. نسي هذا الجزء من الرأي العام كذلك أن هذه الاعفاأت والتي سماها البعض بالزلزال السياسي لم تغير من أحوال المغرب في شيء بل أن الازمة قد ازدادت عمقا خلال السنة الجارية. ومن بين تمظهرات هذه الأزمة التدهور غير المسبوق للتعليم والصحة وتعدد الاحتجاجات والإضرابات التي دامت أحيانا أشهرا طويلة. السؤال الذي يمكن أن نطرحه الآن هو هل أزمة البلاد الحقيقية نابعة من انعدام الكفاأت التقنية في الحكومة؟”.

ويرى الكاتب، في مقال له معنون بـ”هل يحتاج المغرب حكومة كفاءات؟”، منشور بـ”القدس العربي” أن “حكمة وكفاءة السياسيين والزعماء تتجلى في ثقتهم في حكمة الشعب ووجاهة اختياره واحترامهم لإرادته وليس في مؤهلاتهم التقنية التي، ومهما كان، لا يمكن أن تشمل كل ما تشمله السياسة، أي كل شيء أو يكاد. مؤكدا أن “التاريخ يبرهن أن أكبر كفاءة سياسية هي الحصول انتخابيا على ثقة الشعب ودعمه والاحتفاظ بهما، رغم ممارسة السلطة، من اقتراع نزيه لآخر أنزه. هذا هو ما يتيح في نفس الوقت فرض الإصلاحات والمبادرات الضرورية للنجاح في تحقيق التنمية البشرية المبتغاة وولوج الدورة الحضارية الحالية والتي عمادها قيمتا المساواة والحرية”.

ويعتقد منجيب، أن “المطلوب من الوزير أي وزير، بل ومن رئيس الحكومة نفسه هو التوفر على المشروعية السياسية والاجتهاد في تطبيق برنامجه الذي وعد به الناس الذين صوتوا له أو لحزبه وليس الكفاءة التقنية. فلو كانت الأمور بهذه البساطة “التقنية” لوضعت الحكومات الديمقراطية الناجحة في البلدان المتقدمة على رأس وزارة الصحة أحسن طبيب بالبلاد، وعلى رأس وزارة الفلاحة أفضل مهندس زراعي وعلى رأس وزارة التعليم والثقافة أول استاذ أو المثقف الذي ألف أكبر عدد من الكتب.

وأشار المؤرخ إلى أن التاريخ السياسي للمغرب المستقل يبرهن على أن أقل الحكومات كفاءة وشعبية كانت هي حكومات عبد الكريم العمراني التكنوقراطية بين السبعينيات وأواسط التسعينيات والتي انتهت باعتراف الحسن الثاني أن المغرب على حافة الهاوية أو ما سماه بالسكتة القلبية. لنتذكر أيضا أن من أقل الوزراء كفاءة في حكومة عباس الفاسي (2007/2011) هم بعض الوزراء “اللاسياسيين” الذين سموا تكنوقراطا. لنتذكر كذلك أن المرحلة التي كانت الأقل أمانا في تاريخ المغرب في القرن العشرين هي تلك المرحلة التي تكلف فيها الأمنيون التكنوقراط بتدبير الأمن السياسي المغرب بين 1965 و1972 والتي انتهت كما هو معروف بمحاولتي الانقلاب التي قادها على التوالي الجنرالان المذبوح وأفقير. إنه لا يعرف ممارسة السياسة الا السياسيون ولا مراقب لهؤلاء الا الشعب وقد استحال ناخبة تقرر في مصيرهم ومدى سلطتهم.

ولفت منجيب كذلك إلى أن “شارل ديغول وهو عند الفرنسيين أنجح وأعظم رئيس عرفته فرنسا خلال القرن الأخير كان جنديا وشاعرا ولم يكن رجل اقتصاد أو إدارة. كما أن الرئيس تيودور روزفيلت الذي أخرج الولايات المتحدة الأمريكية من أكبر أزمة اقتصادية مالية عرفتها منذ تأسيسها وكادت أن تقضي عليها هو رجل قانون وليس بنكيا أو رجل أعمال، كما أن نفس الرجل قاد نفس البلاد لتخرج كأكبر منتصر في أخطر حرب عرفتها البشرية أي الحرب العالمية الثانية رغم أنه لم يكن ضابطا قويا في الجيش بل عجوزا مقعدا”.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

3 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
أحمد التوري
المعلق(ة)
16 أغسطس 2019 18:09

ما نزال نطبل في الماء ، كانت تمارس السياسة عبر الأحزاب الوطنية ، لكن تمت عملية إجهاض كبيرة للرهان السياسي بفرض أحزاب مخزنية قلبت جميع القيم و الأخلاقيات ، ز حتى الأحزاب الوطنية باركت النتائج المطعون فيها بتوليها موقع المعارضة .هذا هو بيت القصيد ، ويجب ان لا ننسى العزوف السياسي لجل المغاربة . لا يحتاج المغرب الى كفاءات ، و لكن إلى تطهير الجو السياسي و ذلك بالابقاء على الأحزاب الوطنية ، وحتى الأحزاب الوطنية يجب أن تطهر بيوتها من المحتكرين ، و ينطلق الرهان بين الأحزاب الخمسة ، و من ثم سنصل إلى تناوب سياسي حقيقي ، تكون فيه الكلمة للشعب في اختيار البرامج المعروضة عليه من طرف الأحزاب المتبارية ، أما الآن فإننا كمن يريد الاصطياد في بركة ملوثة .

يونس العمراني
المعلق(ة)
16 أغسطس 2019 18:09

أن مغرب اليوم يعيش سلسلة من الأزمات المتداخلة والمتشابكة، من أزمة التعليم إلى أزمة الصحة، ومن أزمة الشغل إلى أزمة السكن، ومن أزمة الديمقراطية الداخلية بالأحزاب السياسية إلى أزمة المشاركة في الانتخابات، ومن أزمة الثقة في النخب السياسية إلى أزمة الثقة في المؤسسات الإدارية والمالية. سلسلة مترابطة من الأزمات تنعكس جميعها سلبا على الأفراد والجماعات، على مغرب مثقل بالصراعات والتحديات.

ولا شك أن هذه الأزمات جميعا لا ترتبط فقط بالخلل الذي يمس القطاعات الحيوية: التعليم، الصحة، السكن، الفلاحة، الصناعة، الشغل، الخدمات، ولكنها ترتبط أساسا بالخلل الذي مس/يمس التخطيط منذ عقود عدة من الزمن، وهو ما جعل/يجعل التخلف بالمغرب حقيقة لا جدال فيها.

في ظل هذه الحقيقة المؤلمة، يأتي السؤال ملحا: ما هي صيغة المستقبل الذي ينتظره مغرب الألفية الثالثة، المغرب الذي وجد نفسه مكرها في زمن التقدم العلمي والتكنولوجي والعولمة، المغرب الذي يعاني من أمراض وأزمات وإشكالات ورث بعضها عن الماضي الاستعماري وكرس بعضها الآخر أو أغلبها في زمن عهد الاستقلال؟

ما يزيد من قلق هذا السؤال أن مغرب اليوم، المطوق بهذه الأزمات والإشكالات، ليس له أي دخل في الصورة التي وجد نفسه عليها في منتصف القرن الماضي، استيقظ من إغماءاته التي استمرت قرابة قرن من الزمن ليجد نفسه في مطلع الألفية الثالثة مكبلا بعشرات القيود والالتزامات، وليجد نفسه أيضا يعاني من تفشي الجريمة والفساد الأخلاقي والفساد الإداري والفساد المالي، يعاني من الانفجارات الديمغرافية غير المخطط لها، وهو ما فرض/يفرض عليه إيجاد المزيد من الخبز والأدوية والمدارس والمستشفيات ودور السكن ومناصب الشغل التي لا قدرة له على توفيرها، والبحث على المزيد من القروض والخبراء الأجانب لمواجهة حاجيات التخلف التي أصبح العالم يشترط عليها التنازلات المخجلة.

يعني ذلك أن مغرب اليوم، الذي يسعى إلى ترسيخ الديمقراطية ودولة الحق والقانون/دولة المؤسسات، يواجه تحديات “ثقيلة” متعددة ومتداخلة ومتشابكة. فالنمو الديمغرافي، ومحدودية الاقتصاد وتقليص الهجرة، لا يعني فقط التراكم المستمر للأزمة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لكن يعني أيضا “تحفيز” الأزمات الأخرى على الظهور والتأثير.

يعني ذلك بوضوح أيضا أن الوضعية المغربية الراهنة المثقلة بسلسلة من الأزمات تطلب من الحكومة/الحكومات إصلاحات جذرية في هياكل المؤسسات لخلق ملايين من مناصب الشغل، وإعادة التوازن لخدمات الدولة في التعليم والصحة والسكن وغيرها من القطاعات الفاعلة في التوازن الاجتماعي. وهو ما يواجه بتحديات صارمة للعهد العالمي الجديد، القائم على العولمة والتنافسية والديمقراطية.

ومن باب الاستئناس، يمكن أن نذكر أن وضعية المغرب الراهنة لا تتطلب فقط إصلاحات هيكلية في إدارتها لمواجهة تحديات العولمة، ولكن أيضا تتطلب إحداث خمسة ملايين منصب شغل، ومضاعفة عدد المعلمين والأساتذة ومكوني التكوين المهني والأطر التربوية والإدارية، ومضاعفة عدد الفصول الدراسية في المدارس الابتدائية والثانوية، ومضاعفة عدد المعاهد العلمية والجامعات لتأمين المقاعد المدرسية والجامعية والتكوينية. كما تتطلب هذه الوضعية إصلاح وتوسيع وإعادة هيكلية للصحة والصناعة والصناعة التقليدية والزراعة والتجارة والتعليم والخدمات وكل المجالات والقطاعات الحيوية الأخرى… وهو ما يجعل الأزمة حادة، وثقيلة،…

يقول الخبراء عندما تصبح “الديمغرافيا” حالة مستمرة من التنافر بين نموها وبين التخطيط لها، يتدخل الإصلاح باستعجال لإدراك الموقف.

“فالحالة المغربية” تواجهها تحديات متنوعة ومتداخلة ومرتبطة بسلسلة من المعطيات، منها ما يتصل بالنمو الديمغرافي ومنها ما يتصل بالتخطيط الاقتصادي والاجتماعي، ومنها ما يتصل بالمناهج الدراسية وحالة الإنتاج. ولأن المغرب على أبواب تحوله التاريخي، وبصدد استكمال الشروط الموضوعية لهذا التحول، فإن العراقيل المادية ليست وحدها تبقى واقفة في وجه هذا التحول. إن العراقيل السياسية هي الأهم، هي العراقيل التي تذوب عادة أمام الإرادة الجمعية للتحول والانتقال إلى مرحلة جديدة من التاريخ.

العديد من المحللين “للحالة المغربية” يعتبرون أن مسألة التحول والانتقال والخروج من الأزمات أو من بعضها على الأقل مسؤولية جماعية، مسؤولية الدولة والحكومة والأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والحقوقية، ومسؤولية الأبناك ورجال الأعمال والأساتذة والمعلمين والخبراء وجمعيات المجتمع المدني؛ ذلك لأن النخبة السياسية/الثقافية/الاقتصادية الواعية بظروف هذه “الحالة” وخلفياتها التاريخية والمادية وآثارها السلبية على الحاضر والمستقبل هي الأكثر مسؤولية والأكثر وعيا بها. وهي وحدها القادرة على تقريب الانتقال المطلوب إلى وضعه المطلوب.

والسؤال: كيف لهذه النخبة أن تقوم بدورها في تعميق وعي الشعب المغربي بمتطلبات الانتقال وهي نفسها ما زالت لم تتخلص من الأزمات المحيطة بها من كل جانب، في مقدمتها أزمة تعاملها مع الديمقراطية ومتطلباتها الأساسية؟

بذلك، أصبحت أزمة الديمغرافية، التي هي أم الأزمات الأخرى، تتميز بالقتامة والتشاؤم في مطلع الألفية الثالثة، لا بسبب الديون والضغوط المالية وحدها، ولكن أساسا بسبب عجز سياسات عهد الاستقلال (1956-2019) تذويب المشاكل والأزمات التي ورثتها الدولة المغربية عن العهد الاستعماري (1912-1956)؛ ذلك لأن تصاعد النمو الديمغرافي كتصاعد الديون الخارجية، تحد واجه/يواجه كل طموح، وكل إصلاح، وأصبح من الصعب التحكم فيه أو الانتصار عليه، خارج شروطه وآلياته الموضوعية.

السؤال الذي يطرحه المشكل الديمغرافي على مغرب اليوم، والذي يتردد على ألسنة العديد من الأخصائيين والباحثين والخبراء: كيف سيصبح الوضع في المغرب سنة 2020 حيث من المنتظر أن يصل عدد السكان إلى حوالي أربعين مليونا، أو يزيد؟

في نظرنا تتعاظم أهمية هذا السؤال في كل القطاعات الحيوية بالبلاد، وخاصة القطاعين الاقتصادي والاجتماعي، كلما نظرنا إليه من زاوية الاختلالات التي ما زالت تضرب التعليم و”سوق الشغل” وتؤثر سلبا على مختلف القطاعات الإنتاجية، وبالتالي على مسار التنمية المستدامة… كما تتعاظم أهميته، من جانب آخرــ أمام المؤهلات المحدودة للاقتصاد المغربي في توسيع هذه السوق، أو في إصلاح منظومة التعليم والتقلص المستمر لإمكانيات الهجرة والعمل خارج الحدود.

يعني ذلك أن مغرب اليوم، الذي يسعى إلى ترسيخ الديمقراطية ودولة الحق والقانون/دولة المؤسسات، يواجه تحديات “ثقيلة” متعددة ومتداخلة ومتشابكة، لا أحد من المسؤولين استطاع/يستطيع الاقتراب منها.

كما لا نعتقد أن الحكومة الراهنة قد استطاعت الإحاطة بها أو علاج قضاياها مترامية الأطراف، لأن التحديات أكبر بكثير من حجمها ومن إمكانياتها.

Belbachir
المعلق(ة)
16 أغسطس 2019 17:32

SIR A SIDI OURRINNA HANNAT YADDIK

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

3
0
أضف تعليقكx
()
x