2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
السلطة والدين والسياسة(2)

د/ مصطفى بن شريف
اولا: السلطة الدينية
إن الحديث عن السلطة الدينية يتطلب مناقشها انطلاقا من مفهوم السلطة في الاسلام. فهل هي سلطة رمزية؟، ام أنها سلطة سياسية( زمنية) ؟ وكيف يمكننا قراءة العلاقة بين الدين والسلطة؟
ولكن قبل الجواب على التساؤلات المطروحة ، والتوغل في التحليل ،وإبراز الدلالات واستنتاج الاطاريح
، يتعين وبصفة أولية التوقف عند مفهوم السلطة(١) ثم سنتعرض الى مفهوم السلطة الدينية (2). علما أننا سنتولى دراسة السلطة السياسية لاحقا.
1- في مفهوم السلطة:
من المعلوم أن السلطة في اللغة معناها، القوة والقهر، ويجمع اللغويون بأن السلطة تفيد التحكم والسيطرة والهيمنة على مؤسسات الدولة.( راجع، لسان العرب، ابن منظور، باب الطاء فصل السين، مادة سلط، ج 7/ 321 ، دار صادر، بيروت).
و في الاصطلاح الفقهي، يقصد بالسلطة، السلطة السياسية التي تتولى الحكم لتحقيق المصلحة العامة بوصفها سلطة عامة ، وهو التعريف الذي يتوافق عليه كل من الفقه الاسلامي والفقه الدستوري المعاصر، مع اختلاف بين على مستوى سلطة التشريع، بحيث أن المشرع في الدولة الإسلامية هو الله ( راجع، عبد الغني بسيوني عبدالله، نظرية الدولة في الاسلام، الدار الجامعية،بيروت، 1986 ،ص .43).
في حين أن المشرع في الانظمة السياسية، هو البرلمان بصفة اصلية، إلى جانبه يتولى التشريع ايضا، كل من رئيس الدولة و رئيس الحكومة، وذلك تبعا لطبيعة النظام الدستوري،وفقا للشكل المنصوص عليه في دستور كل دولة، كما قد ينفرد الحاكم بجميع السلطات.
ومن جهته يرى، الاستاذ موريس دوفيرجي، أن الطابع العام لمفهوم السلطة يتلازم وموضوع علم السياسة ، وهو ما يعني بأنه توجد علاقة جدلية بين السياسة والدولة وفقا للمعيار العضوي، وبين السياسة والسلطة، انطلاقا من المعيار الوظيفي. ( راجع، عبد اللطيف اكنوش، السلطة والمؤسسات السياسية في مغرب الامس واليوم، مؤسسة بنشرة للطباعة والنشر، الدار البيضاء، 1988، ص.16) . وبدوره اعتبر نيكوس بولنتزاس، أن السلطة تمارسها الدولة وهي بذلك بنية، لا علاقة اجتماعية، تعبر عن تعارض وتناقض بين الجماعات داخل المجتمع، وبعبارة أخرى هي تعبير عن تناقضات البنيات الاجتماعية.( راجع، عبدالاله بلقزيز، الدولة والسلطة والشرعية، منتدى المعارف، بيروت، الطبعة الاولى، 2013, ص. 182).
وتاسيسا، على ما ذكر، يمكننا القول أن السلطة، هي مجموعة من البنيات والمؤسسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، توظفها الدولة لتحقيق المصلحة العامة بوصفها سلطة عامة. لكن ،ليس بالضرورة تحقيق مصلحة عامة، بل قد تكون مجرد مصلحة الحاكم أو تحالف سياسي حاكم توحدهم المصالح المشتركة الخاصة.
في مفهوم السلطة الدينية:
إن السلطة الدينية، لا يمكن تناولها او ودراستها من خارج الشريعة الإسلامية، بل أن الأمر يقتضي وجوبا الرجوع إلى مصادرها، أي الكتاب والسنة، احتراما لقواعد ومبادىء البحث العلمي، لأن السلطة الدينية تعني بشكل مباشر حضور الديني في السياسي لكونه هو المحدد له، وليس العكس، اي أن السياسة في هذه الحالة، ستكون مستمدة من الدين وهو من يرشدها ويوجهها.
ووفقا لما ذكر، تتحدد السلطة الدينية بأنها هي الحديث باسم الله والنيابة عنه في قضايا الدين والدنيا بالنظر إلى كون الاسلام ” دولة و دين”، في نظر قسم واسع من المذاهب والتيارات الفقهية، و تتحقق تلك النيابة من وجهة نظرهم، بمناسبة ممارسة الحكم أو الخلافة في الدولة الاسلامية.
لكن هل يمكن القول وتصور سلطة دينية ودولة دينية؟ ام أنها مجرد أوهام وتمنيات املتها مرجعيات ومصالح سياسية للفرق الاسلامية؟ ألم يشتد الخلاف بين المسلمين حول الخلافة بعد وفاة النبي محمد؟ وهل يمكن الجزم والحسم بشأن كيفية تولي الحكم أو الخلافة في الاسلتم؟ هل الأمر يتعلق بالتعيين ام الانتخاب؟ وهل البيعة هي المفتاح الامثل؟ والى أي حد تم العمل بها في اختيار الحكام؟
إن النظرية القاءلة او التي تترافع من اجل قيام ” سلطة دينية” و ” دولة دينية” مجادل فيها، حتى من طرف المذاهب الفقهية، بحيث تنكر معظمها ، وجود سلطة دينية ودولة دينية، باستثناء الشيعة. وهذا النفي يعود إلى أنه لا يحق لأي فرد / حاكم أو هيأة إضفاء القدسية الإلهية على ما يصدر عنها من احكام أو قرارات أو آراء، لأن العصمة معترف بها وبصفة حصرية للرسول فقط، وهو أمر ضروري، لأن ما هو ديني مصدره الوحي، لأن النبي جمع بين صفتين، صفة الرسول بتكليف الهي، وصفة الحاكم بانتخاب من جمهور المسلمين أي عن طريق “المبايعة”، وتبعا لذلك يصعب الحديث عن دولة اسلامية ولو تحت ولاية الرسول محمد. وخلافا لذلك اعتبر البعض، بأن فترة نزول الوحي هي وحدها التي يمكن القول بأنها تحمل خصائص الدولة الاسلامية، لكون الرسول محمد ،كان يتلقى الوحي مباشرة من الله سبحانه.
كما يجدر التوضيح أن فكرة السلطة الدينية ونظرية الحكم بالحق الإلهي، مصدرها الشيعة أو المذهب الشيعي، وهو ما يعني اضفاء الصبغة الدينية او الرمزية على السلطة الزمنية أي السياسية ،وهو المبدأ الذي اقتبسه و اخذ به وتبناه الامويون و العباسيون، والذي استند إلى تفسير و تأويل الخلافة كمصدر للحكم والسلطة، بأنها تكون عن طريق الوراثة والتوارث، وليس مصدرها الشورى أو الاختيار والعقد والبيعة. ولقد برروا، احقيتهم في الخلافة، وتجربدها من مضمونها التشاوري والتشاركي أو الانتخابي وفقا للمفهوم الحديث للتداول على السلطة، إلى كون الخلافة الصحيحة تكون عن طريق البيعة التي تتولاها نخبة أهل الحل والعقد.( راجع، السلطة السياسية في الاسلام ونظام الحكم في الفقه الدستوري الاسلامي، دراسة في الأصول والممارسة، الطبعة الاولى، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، ال باط، 2011، ص.19).
وهكذا، عرف النظام السياسي الاسلامي سلسلة خلافات حول من الحق بالحكم أو الخلافة، وحول طريقة تولي الحكم، وتحول هذا الخلاف إلى صراع مفتوح بين فصائل سياسية في دار الاسلام، ليتم الحسم بعد انتهاء فترة حكم الخلفاء الراشدين بقوة السلاح وليس عن طريق الحوار والتشاور في طبيعة النظام السياسي الاسلامي لينتقل بذلك من مرحلة الخلافة إلى مرحلة ” الملك”، وهو ما يعني بأن طرق الاستخلاف في السلطة، أصبحت متنوعة ومتداخلة أحيانا تجمع بين مقومات البيعة والشورى والانتماء إلى بيت النبوة، والراجح في العمل الاسلامي أن اسلوب تولي الحكم أو السلطة أو الخلافة يعتمد على آلية” البيعة” أو” ولاية العهد” دون اغفال زخم “الانتماء الى بيت النبوة “، لما له من قوة رمزية دينية، وهو النظام الذي ارسى اسسه كل من الأمويين والعباسيبن، بحيث ابتعدوا عن مبدأ الاختيار في الذي تقوم عليه فلسفة ” الشورى” و يشكل جوهر “البيعة “.( راجع ،محمد اتركين، السلطة و الشرعية في دار الاسلام،دراسة لآليات وقواعد القانون العام الاسلامي، مطبعة النجاح الجديدة، الدارالبيضاء، الطبعة الاولى، 2006، ص. 12-13 ).
ويستخلص مما ذكر، أن السلطة السياسية في الاسلام وبالعودة إلى القرآن وأعمال واقوال المسلمين الأوائل، أنها سلطة مدنية تصدر عن عامة وإرادة الجمهور من الناس، وليست لها أية” عصمة أو قداسة”، وهذا خلافا لما تؤمن وتقول به الأصولية الإسلامية الحركية التي تعتمد ” التقية” كعقيدة تمكنها تكتيكيا ومرحليا أن تضمر ما تؤمن به خلافا لما تقوله وتدعيه ظاهريا، الأمر الذي تكون الأصولية الحركية في تنازع مع جوهر العقيدة الإسلامية، لانها تهدف بافعالها، تحقيق مقاصد تخالف شرع الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، زاعمة أن السلطة في الاسلام سلطة دينية أي أنها تنمي إلى الدين وجزء منه، أي أن السلطة السياسة هي عقيدة ربانية وليست مجرد وقائع تنتمي وتعود إلى التاريخ الاسلامي. كما لا تردد الجماعات الإسلامية الحركية في القول بأن السلطة السياسية ركن من أركان الإسلام، وهو الأمر الذي لا يوجد في الاسلام الأصيل والاصل( الكتاب والسنة ) بل هو المبدأ الذي يعمل به عند أهل الشيعة كفصيل سياسي نشأ على إثر الصراع على الخلافة أي السلطة والذي يعتمد الامامة وولاية الفقيه كمرجعيات تتسم بالحصانة والعصمة والقداسة ( راجع، محمد سعيد العشماوي، الاسلام السياسي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1991، ص.168).
في حين أن الإسلام لم يقرر نظاما سياسيا معينا في الحكم يلزم عامة المسلمين، لأن الإلزام يعني أن يكون ذلك منصوص عليه في الكتاب أو قررته السنة النبوية، ليكون ركن من أركان الإسلام، علما انه بعد وفاة النبي محمد انتخب المسلمون ابا بكر الصديق خليفة بالأغلبية ، وذلك بعد نقاشات اتسمت بالحدة والصراحة، وهو الأسلوب الذي تم اعتماده بالنسبة لبقية الخلفاء الراشدين الذين تعاقبوا على السلطة الزمنية.
لكن، وبعد واقعة مقتل عمر بن الخطاب، احتدم الخلاف والصراع بين مؤيدين لعلي ابن أبي طالب ومناصرين لعثمان ابن عفان، نتج عنه اغتيال عثمان بن عفان، واتهمام علي ابن ابي طالب بانه هو المسؤول عن دم عثمان، وهو الوضع الذي القى بظلاله على مستقبل السلطة السياسية في الاسلام، ليتولى كل فصيل العمل على وضع تصوره واسلوب الحكم الذي يناسبه ويلاءم مصالحه، وبذلك سيتم الاعلان ولو بصفة غير رسمية نهاية فترة ونظام الخلافة كاسلوب سياسي في انتخاب الخليفة أو الحاكم، وكان معاوية ابن ابي سفيان هو أول من أسس لنظام الخلافة على اساس وراثي، وذلك بمناسبة مبايعته لولده يزيد قيد حياته، وهو ما اعتبره البعض بأنه بدعة مستمدة من القيصرية ،ولكن ذلك لم يمنع معاوية بأن ينصب نفسه خليفة الله في الارض، وهو المنهاج الذي سار عليه العباسيون باعتماد فلسفة معاوية في الحكم( راجع، هند عروب، مقاربة أسس الشرعية في النظام السياسي المغربي، منشورات دار الامان، الرباط، 2009، ص. 103 ).
وعطفا، على ما ذكر، يتبين بأن نظام الحكم في الاسلام أنه مدني وليس دينيا كما تزعم الأصولية الفصاءلية، لكونه لا يجد له سندا في الكتاب او السنة، لأنه في الاسلام يوجد خط فاصل بين كلام الله وأفعال الناس، وما يؤكد على مدنية السلطة السياسية في الاسلام ،هو قول الخليفة عمر ابن الخطاب” إن رأيتم في اعوجاجا فقوموني”، وهو ما يعني بأن مصدر السلطة والحكم هو الشعب( أو الأمة) ، وهو من يتولى مبدأ رقابة الحاكم ومحاسبته و هو ما يتوافق مع مبدأ فصل السلطات في النظم السياسية والدستورية المعاصرة.
وهكذا، نجد أن شرعية الحكم في المغرب تقوم وتتاسس على ثنائية البيعة و الدستور، علما أن البيعة ليست مدسترة ،وهو ما يعني بأنها من وجهة نظر الفقه السياسي، هي مجرد إجراء شكلي، لكن لها دلالات ومضامين سياسية عميقة و بخلفية دينية، لكونها رباط مقدس، الأمر الذي ادى مفهوم البيعة في المغرب إلى تكريس السلطة الدينية والسياسية للملكية، تحت قيادة أمير المؤمنين، بوصفه يجمع بين جميع الشرعيات: الدينية والدستورية والتاريخية والسياسية.
( يتبع)
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا
تحياتي دكتورنا وأستاذنا المحامي الشهم على المقال
اعتبره مقالا جيدا لكنه مقال يخلو من الدقة او لنقل التدقيق.
اولا هل يمكن الثقة في الصحة الكاملة للكتب المؤلفة في العصر العباسي وساحيل مثلا على كتاب صحيح البخاري وكتب السيرة فالحسم في هذه النقطة ضروري لاعطاء المعنى للسلطة في الحكم الاسلامي.
حسب القران الكريم فإن محمد نبي ورسول وهو من قال انتم ادرى بشؤون دنياكم.
ان الصراع على الحكم لم يبدا بعد نهاية فترة الخلفاء وانما قام بعد وفاة الرسول مباشرة. والكل يعرف ما حدث في سقيفة بني ساعدة التي لم يكن الامام علي حاضرا فيها.
لا يتضمن القرآن الكريم او حتى السنة شكل النظام السياسي للدولة الإسلامية وكيفية انتقال الحكم.
بالنسبة للمغرب فإن الدستور واضح بما فيه الكفاية ويفسر كل شيء وانا اعتبره حاليا مصدر الشرعية سواء في شقها التقليدي او المعاصر.