لماذا وإلى أين ؟

الرباط في الزمان والمكان ومراحل تطور العمران 1150 – 1912 (2)

مختصر كتاب: “مدينة الرباط في القرن التاسع عشر (1818 – 1912)، جوانب من الحياة الاجتماعية والاقتصادية”، لمؤلفه: د. عبد العزيز الخمليشي.

أصل هذا البحث أطروحة جامعية قدمت للمناقشة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط يوم 11 يوليو 2007، ونال بها المؤلف دكتوراه الدولة في التاريخ بميزة حسن جدا.

قام بتلخيصه، محمد المختار جزوليت*

2مرحلة التأسيس:
تم تأسيس مدينة الرباط عبر ثلاث مراحل:
1- 1150م في عهد الخليفة عبد المومن بن علي (1130 – 1163م)؛
2- بين (1163 – 1184) في عهد خلفه يوسف بن عبد المومن؛
3- بين (1184 – 1199) في عهد يعقوب بن يوسف المعروف بيعقوب المنصور.

‌أ- المرحلة الأولى (1150 – 1163م):
إن البداية الأولى لتأسيس مدينة الرباط كانت في العام 1150م، إذ في هذه السنة أعطى الخليفة عبد المومن أمره (ببناء قصبة حصينة بالموضع الكائن على فم البحر الداخل إلى سلا).
و(أمر بساقية من عين غبولة أن تحفر، وأمر برباط الفتح أن يحفر أساسه، وبنى فيه قصرا). ومكث مدة في خدمة الساقية والأساس وبناء القصر – أما عن الأبنية التي تم تشييدها في هذه القصبة فهي (جامع وقصور وصهاريج الماء أمام الجامع).

‌ب- المرحلة الثانية (1163 – 1184م):
وترتبط بالمنجزات التي أقيمت في ظل حكم يوسف بن عبد المومن في سنة 1171م. وصل يوسف بن عبد المومن إلى المهدية قادما من مراكش (ألفى الماء الجاري المسرب الذي جلبه أبوه … فسد جريُه، وأسِن ماؤه، تعطل في البطاح والبحائر سقيه، فأمر بإعادته إلى حالته الأولى، وزاد فيه بناء صهريج عظيم متسع يجتمع فيه الماء…، وكذلك ألفى الجسر الذي كان نصبه أبوه ما بين سلا وبين المهدية المذكورة على البحر لإجازة الناس عليه قد خرقته البحور، وهدمته الدهور فأمر بنصب جسر آخر إلى جانبه أعظم منه بناء…) ثم إنه غادر المهدية نفسها في اتجاه الأندلس صحبة جيشه. وبذلك يكون يوسف بن عبد المومن قد قام بترميم وإصلاح ما كان قد أنجز سابقا في عهد والده، ولكن ما هي إضافاته؟
إن يوسف بن عبد المومن (هو الذي أمر ببناء مدينة كبيرة متصلة بالقصبة… وفي هذه المدينة المحدثة قيصارية عظيمة وحمامات وفنادق وديار كثيرة ومياه مطردة وسقايات ومنافع أعدت لورود المحلات عليها).
وبذلك يكون هو من اختطها ورسم حدودها وابتدأ في بناء أسوارها وبنيانها، إلا أن الموت المحتوم عاقه عن إتمامها.

‌ج- المرحلة الثالثة:
وخلالها تم استكمال بناء المدينة الموحدية. يقول صاحب كتاب “الاستبصار”: (وهذه المدينة قد شرفها هذا الأمر العزيز بما أحدثه فيها ]يعني الخليفة يعقوب المنصور[ من المباني الرفيعة والمنارة البديعة (حسان)، وماهي وقت مرور المحلات عليها إلا من عجائب منتزهات الدنيا، لاسيما في الأعوام الخصبة والفصول المعتدلة. وناهيك من ساحل طوله نحو الميلين وعرضه نحو الميل مملوء بالبشر، والزوارق في الوادي بركابها، والمنارة المطلة، وعلاقات الثمار، وعقد الزيتون، وجدر الكرمات، وقبب الجلوس للسادات ]الطلبة[ أيدهم الله ظاهرة، وقبلة الجامع وأكثر منارة ذلك الحصن المشرف ظاهرة من المدينة). كتب هذا النص عام 1191م، ومعنى هذا أن الجامع والمنارة لم يكونا يحملان بعد اسم “حسّان”، وأن بناء هذا الجامع العظيم خارج الرباط على خلاف العادة بالنسبة إلى جوامع المدينة الإسلامية – التي كانت تقام وسط المدينة – كان القصد منه أن يعم غالب الجيش في صلاة الجمعة.

تلك كانت مراحل تأسيس مدينة الرباط، إلا أن ما تبقى من عمران الموحدين صامدا في وجه الزمن، إلى الآن، لا يتجاوز السور، بأبراجه وأبوابه بالإضافة إلى المنارة الشامخة، غير المكتملة.

وللتذكير بالأساسي هنا فإن السور – المشيد من البلاط المقوى – كان يمتد، عند استكماله على طول 5263م. وكان يحمي المدينة من جهة الغرب والجنوب. ويبلغ عرض هذا السور مترين ونصف، ويصل علوه إلى حوالي 10 أمتار، كما أنه يشتمل على 74 برجا تقوم بوظيفتين: إحداهما شد أزر السور، والأخرى مراقبة ما يجري خارج السور.

وكان هذا السور ينفتح على الخارج بواسطة خمسة أبواب: باب العلو وباب الأحد وباب الرواح وباب الحديد وباب زعير.
ولقد بلغت المساحة الواقعة داخل هذا السور 418 هكتاراً.

]أما القصبة فلم تكن مساحتها تتجاوز أربعة هكتارات[ وقد كان الفراغ الأرضي الممتد داخل السور مخصصا للبستنة والزراعة، ثم كمجال لتجمع الجيوش قبل التوجه للأندلس للقيام بوظيفة الجهاد. ثم في الأخير كمجال للتوسع العمراني.
إلا أن هذا المجال العمراني توقف، بل حتى الذي كان موجودا تعرض للاضمحلال، فما أسباب هذا الاضمحلال؟

يتبع…

*أستاذ اللغة العربية وآدابها؛ حاصل على الاجازة في اللغة العربية وآدابها؛ حاصل على دبلوم الدراسات المعمقة في الأدب القديم.؛ من مواليد الرباط سنة 1956

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x