2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

منذ ما يناهز السنة على ظهور وباء “كوفيد19” بالصين، والأبحاث جارية على قدم وساق من أجل فك لغز الجائحة الذي انتشر في باقي بلدان العالم مخلفا أثارا سلبية على جميع مناحي الحياة، ناهيك عن إنهاء حيوات أزيد من مليون ونصف مليون شخص عبر العالم.
ومع الإعلان عن إيجاد لقاحات لهذا الوباء المستجد، خاصة من طرف شركات للأدوية ذائعة الصيت، إلا أن عددا من المواطنين في مختلف المجتمعات أعربت عن توجسها من اللقاح، على اعتبار أن عددا من الأمراض الفيروسية التي عمرت طويلا منذ ظهورها بعشرات السنين لم يتم إيجاد لقاح فعال لها على رأسها مرض الإيدز والسرطان.
وتعد الولايات المتحدة الأمريكية من بين الدول التي أبدى مواطنوها رفضهم للتطعيم، حيث أكدت دراسة حديثة أن 21 في المائة من الأمريكيين يرفضون الانخراط في عملية التلقيح، بناء على استطلاع رأي أجري في الفترة ما بين 18 إلى 29 نونبر، و شمل أكثر من 12 ألف مواطن أمريكي بالغ.
كذلك المغاربة اليوم يطرحون عدة تساؤلات بخصوص ضمان ونجاعة اللقاحات خاصة اللقاح الصيني الذي سيتم اعتماده في الأيام القليلة المقبلة، على رأسها خلاصات ونتائج المرحلة الثالثة من التجارب السريرية للقاح، سيما أن المغاربة مطلعين ومتابعين بشكل مستمر مستجدات الحالة الوبائية ومدى تقدم الأبحاث في تطوير اللقاحات وكذا نتائج وبيانات كل لقاح على حدة.
تدهور منسوب الثقة بين المواطن والحكومة
وبما أن المغرب ليس بمناى عن عدد من المجتمعات التي تبدي نخوفها وتوجسها من عملية التلقيح، ليس فقط لأن اللقاح طور بشكل سريع وأن الجائحة لا تزال في عامها الأول وبالتالي كل ما يخص الفيروس لا يزال قيد الدراسة والأبحاث من طرف العلماء والمختصين، فإن هناك اعتبارات عدة تدخل فيها جهات وأطراف ومؤسسات حري بها أن تلعب الدور الأساسي في بناء ثقة المغاربة ومصالحتهم معها.
وفي هذا الصدد أكد محسن بنزاكور، الطبيب النفساني المختص في علم النفس الاجتماعي، أن الحكومة المغربية ساهمت بشكل كبير في تدهور منسوب ثقة المغارب في مؤسسات الدولة، سيما في ما يتعلق بتدبير جائحة كورونا منذ انتشارها في مارس الماضي بالمغرب، مبرزا أن سلوكات وقرارات الحكومة الارتجالية وعلى رأسها قرارات إغلاق الطرق في وجه المسافرين في آخر اللحظات قبيل أيام عيد الأضحى، وكذا رمي الكرة للآباء والأمهات في تحديد مصير تعليم أبنائهم إما حضوريا أو عن بعد، بمعنى، يردف المتحدث، أن جميع الإمكانيات والسبل التي عززت فقدان المغاربة للثقة في الحكومة كانت ولا تزال متوفرة، وعلى هذا الأساس يتعامل المواطنون اليوم.
غياب الذكاء التواصلي يدفع الملك لاستعادة ثقة المغاربة
لكن بنزاكور يرى أن رفض التطعيم لا يأتي فقط من انعدام الثقة في الحكومة، وإنما لأسباب أخرى تتعلق بغياب الذكاء في التواصل وعدم رفع شعارات الأمل وشعارات العودة إلى الحياة الطبيعية وغياب المعلومة خصوصا من الجهات المعنية بالأمر، مبرزا في السياق ذاته، أن الملك عند تدخله في نهاية المطاف عند كل قضية شائكة، فهو يحاول إعادة المياه إلى مجاريها واستعادة ثقة المواطنين، خاصة عندما أعلن أن اللقاح سيكون مجانيا.
إلا أنه بالرغم من هذا كله فهناك بعض الرافضين لعملية التلقيح يعربون عن رفضهم رفضا تاما للقاح الصيني الذي تطوره شركة “سينوفارم”، في ظل عدم نشر أي دراسة رسمية من الشركة ذاتها تتضمن نتائج التجارب السريرية التي خضع لها المتطوعون في عدد من البلدان، ناهيك عن عدم الإعلان عن نسبة فعالية اللقاح، مثل ما فعلت باقي الشركات مثل “فايزر وبايونتيك” و “مودرنا” الذين أعلنوا أن اللقاح ناجح بنسبة 95 في المائة لكل منهما.
اللجنة العلمية للتلقيح تتحمل جزءً من المسؤولية
وبما أن فئة كبيرة من المغاربة لا يمكنها استيعابة ماهو علمي محض، فإن اللجنة العلمية للتلقيح تتحمل بعضا من المسؤولية في إعلان مغاربة عن تخوفهم وعن عزوفهم من التطعيم، يورد المحلل النفساني قبل أن يضيف “حري على هذه اللجنة تبسيط أبحاثها وتوصياتها للمواطن العادي، وعلى الأقل تقديم شروحات للناس، لأن في الأول والأخير الأمر يتعلق بتعريض أجساد الناس لتلقيح على حد علمهم، يجهلون ضمانته ونجاعته”.
ومن الناحية النفسية، يؤكد بنزاكور أن غياب المعلومة والإطمئنان الكافي أو ربما الاستهزاء بالمواطنين وعدم قدرتهم عى الفهم، من بين الأسباب أيضا التي تثير مخاوف المغاربة من التلقيح، الأمر الذي يدفعهم إلى المطالبة ببدء التلقيح بالمسؤولين والمنتخبين السياسيين.
بناء الثقة أجدر من توظيف “مقدمية” لاستدعاء الناس للتلقيح
ولتحقيق مناعة جماعية للتحصين من الفيروس، أكد وزير الصحة، خالد آيت الطالب أنه يتوجب انخراط ما يزيد عن 80 في المائة من سكان المغرب، لكن السؤال المطروح كيف سيتمكن المسؤولين من إقناع المواطنين بضرورة التلقيح في غياب استراتيجية تواصلية محكمة تعتمدعل شعارات الأمل، وتقديم أجوبة شافية لكل الاستفسارات.
بنزاكور أعرب بدوره في حديث لـ “آشكاين”، عن تخوفه من الاستمرار في غلق منافذ التواصل الذكي وفرض التلقيح على الراغبين في السفر أو أي إجراءات أخرى مماثلة، مبرزا أنه بدل الوصول إلى هذه المرحلة وتوظيف “مقدمية” لاستدعاء الناس للانخراط في الحملة الوطنية للتلقيح، يجب إعادة النظر في كل آليات التواصل المتاحة وغير المتاحة لطمأنة الناس وكسب ثقتهم والعودة بشكل أسرع إلى الحياة الطبيعية.