لماذا وإلى أين ؟

باحث: البوليساريو تعاني الموت السريري وتتمسك بوهم الحرب لمقاومة الاندثار (حوار)

أعلنت جبهة البوليساريو ومعها الجزائر عن قيام “حرب بالصواريخ” في المنطقة الحدودية العازلة المحاذية للكركارات، وهي الإدعاءات التي سرعان ما فندتها مقاطع فيديو مباشرة من عين المكان كشفت زيف الحرب الوهمية.

هذا التشبث المتواصل لقيادة الجبهة ومعها حاضنتها الجزائر بهذه “الحرب الوهمية”، يثر العديد من التساؤلات حول أسباب هذا الإصرار على إقناع العالم بوجود حرب مع المغرب، ووضع نفسها في موقف محرج أما المنتظم الدولي الذي لا يتعاطى بجدية مع بلاغاتها التي قاربت 70  بلاغا حربيا.

ولمعرفة خلفيات هذه “الحرب الإعلامية” التي تشنها البوليساريو بين الفينة والأخرى، تستضيف “آشكاين” الباحث المتخصص في قضايا الصحراء والشؤون المغاربية، أحمد نور الدين، للحديث عن حقيقة وأهداف تحركات الجبهة وعلاقته بداخل المخيمات.

وفي ما يلي نص الحوار:

بداية ..كيف تقرؤون الضجة الإعلامية المثارة من قبل البوليساريو والجزائر حول سقوط قذائف في المنطقة العازلة نواحي الكركارات؟

أولا يحب أن نضع هذا الخبر في إطار الحرب الإعلامية التي يشنها النظام العسكري الجزائري ضد المغرب، وهذه الحرب تعود إلى بداية النزاع، إذ يتعرض المغرب منذ ذلك  الحين إلى القصف الإعلامي من طرف وسائل الإعلام الرسمية الجزائري من يدور في فلكها.

ولكن هذه الإشاعة التي تداولت يوم السبت المنصرم، يمكن ربطها مباشرة بالهزائم العسكرية التي تلقاها النظام الجزائري، خاصة بعد تطهير معبر الكركارات في نونبر الماضي، والذي لم تتوقف معه بيانات الجبهة الانفصالية التي قاربت 66 بيانا، ومن يقرأها يقول أن هناك حربا حقيقية.

هذه الحرب الإعلامية ضد المغرب لديها أهداف نحو الأمم المتحدة ونحو المنظمات الدولية والمنتظم الدولية، وحتى الجمعيات الحقوقية واليسارية التي

الباحث أحمد نور الدين

تتعاطف مع الأطروحة الانفصالية، وهناك أهداف كلاسيكية موجهة إلى الداخل الجزائري، لمحاولة تغطية الأزمة السياسية العميقة التي يعاني منها النظام الجزائري خاصة مع ارتدادات الحراك التي تظهر في مدن جزائرية متفرقة.

ويجب أن نذكّر بأن النظام الجزائري فاقد لشرعيته اليوم، لأن الاستحقاقات التي مرت منها الجزائر في ما يتعلق بالدستور والانتخابات لم تتجاوز 27 في المائة، بمعنى أن هناك شبه مقاطعة للشعب الجزائري للاستفتاء على الدستور ولما سمي بانتخابات رئاسية.

أضف إلى ذلك، الغياب المتكرر للرئيس الجزائري وشغور منصبه عمليا منذ حوالي سنة، والضربات الدبلوماسية التي تلقتها الجزائر من الدبلوماسية المغربية، سواء عبر افتتاح القنصليات أو بالاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، دون أن ننسى النجاح الاستخباراتي الذي حققه المغرب في معبر الكركارات.

وأقول استخباراتي لأن الجزائر فوجئت بهذه العملية، بمعنى أن استخباراتها كانت في “دار غفلون” ولم تستطع الوصول إلى المعلومة قبل حدوثها، وكان وقع المفاجأة كبيرا، زادته سرعة تنفيذ المغرب للعملية بتطهير المعبر في ظرف يوم واحد وبناء خط دفاعي جديد، مما يحرم الانفصاليين من الولوج لهذه المنطقة.

كل هذه العوامل أدت بالنظام الجزائري إلى استعار نيران الحرب الإعلامية التي يقودها منذ شهرين من خلال هذه البلاغات، وأضيفَ لها ما سمي هجوما، اتضح فيما بعد أنها مفرقعات تم إطلاقها من التراب الموريتاني، وكان من الطبيعي على المغرب أن يأخذ احتياطاته.

فخلفية ما يقع، أنه حرب إعلامية للتغطية على التفكك والتحلل للمشروع الانفصالي برمته وللتغطية على تهاوي بنيان النظام الجزائري من الداخل.

ما علاقة هذه التحركات بمستوى الثقة التي تحظى بها قيادة البوليساريو داخل المخيمات؟

هذه الحرب الإعلامية وحرب المفرقعات الهوليودية مع إخراج بئيس، هي محاولة لصرف الأنظار عن الأزمات المعقدة التي يعيشها النظام الجزائري، وهناك جانب موجه للمنتظم الدولي، وجانب ثالث مرتبط بالداخل في المخيمات.

وذلك لتحقيق عدة هداف، فبإعلان الحرب يتم تضليل الرأي العام في المخيمات، وإيهامهم على أن هناك أملا بعدما بلغ اليأس منتهاه من تحقيق أي مكسب، بعدا شاهدوا ما وقع، سواء في معبر الكركارات وافتتاح القنصليات والاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء.

وفي الحقيقة اليأس ليس وليد اليوم، وإنما هو وليد 1991 وعودة القيادات الانفصالية إلى  المغرب، وعلى رأسهم عمر الحضرمي، إبراهيم الحكيم، والقيادات العسكرية  مثل الحجبيب أيوب وغيرهم.

فتحاول الجبهة إعطاء أوهام لساكنة للمخيمات على أن هناك عودة لحمل السلاح والدخول في حرب، وهو يوقنون أن كل ذلك تضليل وكذب، لأن الموقف العسكري تم حسمه سنة 1987 حينما انتهى المغرب من تشييد الجدار الأمني، وهو ما أدى إلى انفجار الأوضاع في ما يعرف بـ”انتفاضة المخيمات” سنة 1988، وهي التي أعطتنا عودة قيادات الجبهة إلى المغرب، وعودة ما يقرب 12 ألفا من الصحراويين، وهذا النزوح من المخيمات هو بمثابة استفتاء داخل المخيمات.

مسألة ثانية أنه منذ 2011 إلى أليوم  تعيش المخيمات احتجاجات لا تتوقف يوميا أو أسبوعيا أو شهريا، أمام قيادة الانفصاليين احتجاجا على الاعتقالات وعلى الاختفاء القسري، وضد الاغتيالات وغياب ظروف العيش الكريم من ماء وصرف سحي، وضد التلاعبات في المساعدات الإنسانية.

هذه الاحتجاجات أعطتنا ظهور تيارات جديدة داخل المخيمات، كخط الشهيد، المحجوب السالك، وتيار 5 مارس، إضافة إلى انشقاقات المجموعات بما فيها بعض المدونين الذين تم اعتقالهم.

هذا الوضع الذي يتسم بالاحتقان داخل المخيمات، وبإعلان الجبهة الانفصالية وحاضنتها الجزائر بأن هناك حربا، أعطاهم تبريرا لإعلان التجنيد العام داخل المخيمات، وهو ما سيمكنهم من تجنيد جميع الشباب بما فيهم المعارضة، وهو ما يعني منع أي احتجاجا أو معارضة وقطعا لألسنة المعارضين، وإحكام القبضة العسكرية على المخيمات.

كيف تفسرون حمل البوليساريو للسلاح وفي نفس الوقت مناداتها باستمرار المفاوضات؟

هذا التناقض يبين حقيقة أن الحرب حرب إعلامية فقط للضغط على المجتمع الدولي، لمحاولة التدخل وإرغام الأطراف للعودة إلى مائدة المفاوضات، لأن الجبهة الانفصالية في حكم الميت إكلينيكيا، وتعاني الموت السريري في غياب المفاوضات.

والشيء الوحيد الذي يعطيها صوتا، ويعطيها انطباعا لدى ساكنة المخيمات ولدى المجتمع الدولي على أن هناك شيئا اسمه جبهة البوليساريو، هو جلوس المغرب معهم للمفاوضات.

لذلك على المغرب ألا يجلس معهم للمفاوضات أو يحاورهم، بل عليه أن يستغل عامل إعلان الجبهة تنصلها وعدم احترامها لوقف إطلاق النار، وأن يعلن عن نهاية مسلسل التسوية نهائيا وبسط نفوذ القوات المسلحة الملكية على كل المنطقة العازلة.

هل يمكن أن نفهم من كلامك أن قيادة البوليساريو تتشبث بـ”وهم الحرب” لمقاومة “الاندثار”؟

فعلا، فكما أشرنا سابقا، أن معظم القيادات عادة إلى المغرب، وإذا استثنينا إبراهيم غالي، فإن القيادات المتبقية هي من الصف الثاني والثالث، أم قيادات الصف الأول فكلها عادت للمغرب، سواء العسكرية أو السياسية.

بالتالي فجبهة البوليساريو تعاني من الاندثار، مثلها مثل حاضنة المشروع الممثل في النظام الجزائري الذي يعش أسوأ أيامه بفعل الحراك وتبعاته ومخلفات الأزمة الاقتصادية التي خلفها انهيار أسعار البترول، وانهيار مدخرات العملة الصعبة لدى النظام الجزائري.

إذن، فهذه الأزمة الوجودية التي تعاني منها حاضنة المشروع الانفصالي تنضاف إلى الأزمة الداخلية لجبهة للبوليساريو بفعل ظهور تيارات وعودة القيادات وغيرها؛ وهذه الأمور كلها تجعل من الحرب الإعلامية والتلويح بالعودة إلى الحرب، هي مجرد شجرة للتغطية على غابة انهار المشروع الانفصالي ونهاية السير.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x